*باسم سليمان
خاص ( ثقافات )
من أحد معاني المجاز نستطيع أن نستدل عليه من خلال جذر ” جَوَزَ” الذي يعني ” اسقني ماء” ولا ريب أن معنى ” رَوَيَ ” تفيد معنى الإشباع الذي يستظهره معنى كلمة ” الرّاوي” وفي كلتي الحالتين نحن مع الإزدهار والنمو في الخطاب سواء أكان شعراً أم رواية، فمن الماء خُلق كل شيء حيّ.
الخطاب الشّعري يستطيع عبر المجاز نقل التيبُّس الذي يصيب الكلام واللغة بحكم السياقات القاموسية والثقافية التي تفقده الكثير من الهيولى الموجودة في الجذر اللغوي إلى ألقه في اللاتعيين الدلالي بحيث يفتح من جديد الجناس الكامل والناقص الدلالي للكلمات بعضها مع بعض عبر جذمورية غير منقطعة لصالح سياقات تفرضها طبيعة الخطاب البشري الذي ينتظر الصوت وليس الصّدى في حين الخطاب الشعري ينتظر الصوت والصدى ويسعى إلى تحويل الصدى من أحاسيس وأفكار ومشاعر وإنفعالات وتأثيرات من حقل اللاشعور إلى حقل الشعور الحر:” ضربَتِ العرافةُ ” ودعَها ” بحجرِ الرصيف/ فشتمَتْني / قلتُ: ليس ذنبي إن لم يكن في المدينة رمال/ ضحكتْ: ليس ذنبي أن هذا ” بختكَ !”/ فطالعكَ صخر/ ونصيبك رصيف”.
المقطع السابق من ديوان الشاعر لؤي ماجد سلمان ” يسألونكَ عن الشعر” الصادر عن دار التكوين – دمشق لعام 2015 الذي اعتمد فيه بدلاً من العتبات الكلاسيكية التي هي من خَلق الشاعر نفسه إلى أبيات شعرية ومقولات لشعراء وكتّاب من التراث العربي مختارة تدعم توجهه التنظيري، إن صح القول، في رؤيته الشعرية فنجد ، مثلا، مقولة أبي عابد الكرخي :” النثر اصل الكلام، والنظم الفرع، والأصل اشرف من الفرع، والفرع أنقص من الأصل” وهذه التعبات تلقي بظلها على كيفية القراءة كمنارة على شاطئ توعّر وتعوّرت آباره:” يقولون: الحياة قصيرة/ هرول أيها الموت/ حتى لا تضيع فرصتك؛ فهذه الألفية؛ قررت منذ ولادتها/ أن تجرح عذريتها/ بسكين”.
تدخل الحرب إلى نصوص لؤي سلمان من الباب فيما تدخل الحبيبة من النافذة وكأن الحرب هي الصوت الأصيل والحبيبة هي صدى لصوت مات منذ زمن لكن هذا الصدى رويداً، رويداً يصبح صوتاً يكسر جلف الرصاص ويحوله لرصاص لدرء الحسد أو قلم رصاص بدلاً من فوهة البندقية عبر مسرح مدينة دمشق الذي لم يوقف الركح فيها عن زراعة الياسمين في أصص كانت في الأصل أغلفة نحاسية لقذائف وقنابل:” مخطئ من يظن/ أن أقلام الحبر ذاكرة أقوى من الرصاص/ لا أيها الموت/ وألف لا/ غداً سأشتري قلم رصاص”.
بسألونك عن الشعر:
ديوان غنيّ بالتجربة وطامحٌ إلى أنّ الشعر لا توجد أرض عصيّة عليه سواء أكان نظماً أم نثراً، يحققّ في الشاعر لؤي ماجد سلمان خطوة ثابتة في تأصيل تجربته الشعرية بعد ديوانه السابق ” لفافة الوقت – 2012″ المنفتحة على اليومي المحايث للغة والذي يرفدها بماء الخلق والزّمني الذي يسمح لها بالتشكّل ينابيعاَ وأنهاراً وبحيرات وأختم بشعر استشهد فيها الشاعر في عتبة أولية لدعبل الخزاعي:” يموت ردئ الشعر من قبل أهله/ وجيده يبقى وإن مات قائله”.