المشهد الشعري العربي في العام 2015: جوائز نادرة ومهرجانات شاحبة




*مفيد نجم

سؤال الشعر في عمقه ومعانيه ليس سؤالا سياسيا بل هو سؤال في صميم الإبداع الذي يرتقي باللغة والمخيلة الشعرية إلى مستوى الإبداع الذي يتمثل هذه الروح الجديدة للكفاح من أجل انتصار قيم الحياة والجمال.

شعراء كثيرون غابوا عن المشهد الدامي، وشعراء آخرون أسقطت هذه الانتفاضات أقنعة الحداثة والمدنية وصليب الوجع الإنساني الذي كانوا يدعون أنهم يحملونه حتى في منامهم.
وفي الوقت الذي كنا نتوقع خلاله أن تنضمّ أصوات العديد من الشعراء، الذين طالما بشروا بالحداثة ومجد الإنسان إلى جماهير الانتفاضات العربية لتعزيز نضالها، وجدناهم يكشفون عن باطن فاسد وخبيث أسقط عن وجوههم تلك الأقنعة الكاذبة، فقد أعادتهم هذه الانتفاضات إلى حقيقتهم التي حاولوا طويلا أن يزيفوها.
إذن ما الذي فعله الشعراء هذا العام والدم العربي يملأ الساحات والشوارع، وما الذي أضافوه إلى تاريخ الحركة الشعرية العربية من معنى وقيمة جمالية وفكرية، تعبر عن وعي جديد يستلهم من الروح الباسلة لشباب أرادوا أن يصنعوا التغيير ويستعيدوا دورهم في بناء أوطانهم الحرة، فهل استطاع الشعر أن يكون صوتا للحرية ونشيدها الذي يصوغ لهذه الملحمة، التي يتآمر عليها الجميع، معانيها ودلالاتها؟.
جوائز ومهرجانات محدودة
مازال الشعر يعاني على مستوى الجوائز والمهرجانات الشعرية من قلة الاهتمام، على خلاف ما تشهده الرواية من تسابق كبير بين المؤسسات الرسمية والخاصة لاستحداث مزيد من الجوائز حتى أصبح من الصعب فهم مبررات هذا الانحياز بعد أن كان الشعر يمثل ديوان العرب.
هذه الظاهرة الغريبة تمثل خروجا عن التقاليد الثقافية في بلدان كثيرة تشبهنا، تقيم سنويا مهرجانات الشعر العالمي التي يحضرها شعراء عرب، لا يجدون في بلدانهم من يحتفي بهم أو بتجاربهم، رغم أن العديد ممن يمثلون الشعر العربي في هذه المهرجانات هم من شعراء العلاقات العامة، الذين يجيدون تسويق أنفسهم.
أزمة الشعر هذه تعكس في الواقع أزمة الثقافة العربية، التي تعاني من غياب الدور الفاعل لمؤسسات العمل الثقافي المدني والرسمي بسبب غياب التمويل أو هيمنة رأس المال عليها ما يجعلها خاضعة لشروطه وأهدافه. والغريب أن المهرجانات التي تقام على قلتها تعاني أيضا من قلة الاهتمام الإعلامي، ومحدودية الندوات النقدية المواكبة لها، ما يعكس وضع الشعر الذي يكاد يغيب عن أغلب الصفحات الثقافية في الصحافة العربية.
مهرجانان اثنان شهدهما هذا العام، المهرجان الأول هو مهرجان الشارقة للشعر العربي، الذي مازال محافظا على تقليده السنوي إذ يُدعى إليه شعراء عرب من مختلف الأقطار العربية، وتصاحبه عادة ندوة نقدية يتناول فيها نقاد عرب القضايا الشعرية العربية المختلفة، حتى يمكن القول إنه التقليد العربي الوحيد الذي يحتفظ للشعر بدوره في الحياة الثقافية والأدبية العربية.
أما المهرجان الثاني فهو مهرجان طنطا للشعر العالمي، وهو حديث الولادة حيث لم يستطع أن يشكل إضافة مهمة على مستوى حضوره أو عنوانه، فقد دعي إليه هذا العام تسعة عشر شاعرا من بلدان مختلفة، وأقيمت على هامشه ندوة تكريمية للشاعر العراقي صلاح فائق بمناسبة صدور ديوانه “رباعياتي” عن دار نهضة مصر الجديدة. وعلى الرغم من أهمية هذا المهرجان إلا أن حجم التغطية الإعلامية المواكبة له لم تكن في مستوى الأهمية، التي نتمنى أن يعمل القائمون عليه في السنة القادمة على تدارك هذا الوضع وتعزيز دوره تكريما لدور مصر الثقافي والشعري الرائد.
وعلى هامش احتفاليات مهرجان عكاظ السنوي أقيم مهرجان شعري شارك فيه عدد كبير من شعراء وشاعرات السعودية كانت أبرزهم أشجان الهندي.
ندوات ورحيل
أقامت مجلة “الجديد” التي تصدر في لندن ندوة تكريمية للشاعر العراقي صلاح فائق بمناسبة إصدار المجلة لديوانه الجديد “غيمة في غرفة الضيوف”، شاركت فيها مجموعة من الأسماء الثقافية العربية تناولت بالنقاش تجربة الشاعر، الذي تحدث بدوره حول تجربة الزهد بعد اعتكافه وابتعاده، بعيدا هذه المرة حتى عن لندن، وقد اختار الفلبين مستقرا على مدى نحو عقدين من الزمن. ومن الذين تكلموا في ذلك اللقاء الناقد خلدون الشمعة، والشاعر والناقد فاروق يوسف، والشاعر أزراج عمر، والناشر والكاتب الصحفي هيثم الزبيدي ناشر مجلة “الجديد”، ورئيس تحريرها الشاعر نوري الجراح، ودار في تلك الندوة حوار معمق تمحور حول واقع الثقافة العربية وتحدياتها في ظل الظروف والأحداث العاصفة التي تشهدها المنطقة.
وتقديرا لتجربة الشاعر الغنية والمتميزة صدرت مختارات من أعماله بالعربية، وكانت قد صدرت ترجمة بالإنكليزية قام بها المترجم المصري- الأميركي ماجد زاهر. كذلك صدرت هذا العام في سان خوسيه بكوستاريكا مختارات بالأسبانية من قصائد الشاعر نوري الجراح، وجرى الاحتفاء بشعره في إطار المهرجان العالمي للشعر في كوستاريكا.
ومع نهايات العام كان لافتا أن تخصص مجلة “الجديد” اللندنية عددها التاسع للاحتفاء بالشعر العربي الحديث وظواهره الجديدة، وقد حمل غلاف المجلة عنوانا لافتا هو “هل غادر الشعراء -100 شاعرة وشاعر من العالم العربي- خطابات وقصائد من قاع الهاوية”.
وفي تقليد متبع سنويا صدرت مع نهاية هذا العام نتائج جائزة سلطان العويس، التي ذهبت فيها جائزة الشعر إلى الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ عن مجمل أعماله التي اعتبرتها الجائزة إضافة إلى الشعر في الإمارات والخليج العربي والوطن العربي كما جاء في حيثيات لجنة التحكيم. وهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها شاعر من الإمارات العربية بهذه الجائزة.
جوائز كثيرة تقدمها جهات وشخصيات عربية لكن لا تحظى بالاهتمام المطلوب، أو إنها ذات طابع محلي، أو متواضعة القيمة. إن غياب الاهتمام الإعلامي بهذه الجوائز نابع من غياب المنافسة الحقيقية بين التجارب الشعرية أو الرغبة في تعزيز دورها في تنشيط ودعم الحركة الشعرية العربية، كما هو الحال في جائزة اليونسكو للشعر والتي أعلن عن نتائجها في باريس وفازت بالجائزة الأولى عن الشعر المكتوب بالفرنسية الشاعرة ريتا باسيل وهي من أصل لبناني، في حين فاز بالجائزة الأولى عن فئة الشعر المكتوب باللغة العربية الشاعر علاء حسنين وفاز بالجائزة الثانية نزار شهاب وهذه أسماء غير معروفة في أوساط الحركة الشعرية العربية.
فجعت الأوساط الثقافية العربية هذا العام برحيل مجموعة من الأسماء الشعرية الهامة، التي تمثل أجيالا مختلفة من الشعراء العرب، كان أبرزهم الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد في منفاه، حيث يعد الشاعر واحدا من رواد الشعر الحديث في العراق. ورحل أيضا الشاعر العراقي مؤيد الراوي الذي ينتمي إلى جيل الستينات في الشعر العراقي في منفاه أيضا، وكأن قدر الشعراء والأدباء العراقيين أن لا ينتهي تاريخ المنافي في حياتهم ومماتهم.
وفي مصر رحل الشاعر عبدالرحمن الأبنودي الذي يعدّ واحدا من الشعراء الغنائيين أيضا وصاحب الصوت العربي الذي ظل ينحاز إلى الفقراء في شعره. وكان الشاعر المصري حسن فتح الباب قد سبقه في الرحيل، بعد معاناة مع المرض، وهو من أصحاب التجارب المبكرة في الشعر الحديث في مصر. كما شهد هذا العام رحيل الشاعر جهاد هديب بعد صراع مع المرض لم يمهله طويلا ليستكمل بعضا من أحلامه الضائعة.

إصدارات شعرية
توزعت الإصدارات الشعرية في هذا العام على نوعين بعضها كان تكريما لشعراء رحلوا وتقديرا لتجاربهم، فقد صدرت بمناسبة معرض بيروت الدولي للكتاب الأعمال الكاملة للشاعر الفلسطيني معين بسيسو الذي يعدّ واحدا من أعلام الشعر الفلسطيني. كذلك صدرت الأعمال الكاملة للشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين عن دار المتوسط. أما النوع الثاني من الإصدارات فكان عبارة عن أعمال شعرية جديدة حاولت من خلالها المؤسسات الثقافية تعزيز حضور الشعر في الثقافة العربية، وتأمين فرص أفضل لنشره، كما ظهر ذلك في المبادرة التي قامت بها مؤسسة بلومزبري القطرية للنشر، حيث أصدرت ثلاثة دواوين شعرية لثلاثة من الشعراء العرب من فلسطين وتونس والعراق.
الديوان الأول كان للشاعر الفلسطيني غسان زقطان بعنوان مشاة ينادون إخوتهم ويتناول فيه جوانب من الواقع الفلسطيني، والديوان الثاني كان للشاعر والأكاديمي التونسي محمد الغزي بعنوان استجب إن دعتك الجبال يستلهم فيه تجربة الشاعر المعتمد بن عباد وخروجه من الأندلس، بينما كان العمل الثالث للشاعر العراقي هاشم شفيق ويستعيد فيه حضور الأشياء العراقية الغائبة انطلاقا من مكان إقامته في لندن.
لقد كان نصيب الشاعر العراقي صلاح فائق من الإصدارات الشعرية هذا العام كبيرا فقد صدرت له أربعة دواوين شعرية واحد منها كان إعادة نشر لديوان صدر سابقا بعنوان “رباعياتي”، وذلك تكريما لتجربة حافظت على مسيرتها الثرية والمميزة.
ومن الأعمال الجديدة التي صدرت هذا العام أيضا ديوان الشاعر اللبناني شوقي بزيع “إلى أين تأخذني أيها الشعر” على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب. وصدر للشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي ديوان “زهر الرمان”. كما صدرت الأعمال التالية: ديوان “حياة مجردة من الابتسامة” للشاعر السوري فادي سعد.
ديوان “كسماء أخيرة” للشاعر السوري عماد الدين موسى، ديوان “يوم لا ظل إلا حلمي” للشاعر عائض الكعبي. وكان قد صدر للشاعر العراقي أديب كمال الدين ديوانان اثنان في بيروت هما “في مرآة الحرف” و”رقصة الحرف الأخيرة”. كما صدرت الأعمال الكاملة للشاعر عن نفس الدار ضفاف البيروتية.
الغائبة والروائيون
سجل هذا العام غيابا واضحا للإبداع الشعري النسائي ولا سيما بالنسبة إلى الأسماء المكرسة في المشهد الشعري، بينما كانت الأعمال الأخرى التي صدرت في إطار السائد الشعري من قصيدة اليومي والوجدانيات والتأمل، دون أن نلحظ وجود أعمال جديرة باستعادة حضور المرأة ودورها في إغناء التجربة الشعرية العربية. كما اعتدنا على ذلك في السنوات القليلة الماضية.
غواية السرد واستحواذها على المشهد الأدبي لم تقتصر على الجوائز والاحتفاليات، بل تجاوزت ذلك إلى الشعراء الذين انتقلوا إلى كتابة الرواية، كان آخرهم الشاعر الفلسطيني غسان زقطان الذي صدرت له رواية “حيث اختفى الطير”، يتحدث فيها عن جوانب إنسانية من التجربة الفلسطينية.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *