بسمة شيخو في شهقة شعر


*باسم سليمان



خاص ( ثقافات )
الشّعر كالماء يكذّب الغطّاس، لكن الشّعراء ليسوا كالظّلال التي تسقط في الماء؛ فتعوم وإن كانت لا تعرف السباحة، هكذا تبقى العلاقة بين الشّعر والشّعراء في مدّ وجزر، تارة يغرقهم الشّعر في مائه ويلفظهم أشنيات سوداء عطشى على شطّه الصخري وتارة أخرى يعومون فوق مائه كضوء المنارة يغرون السفن بالرسو الآمن أو يدفعون بحّارة القراءة لكي يقذفوا بأنفسهم في اللجّة بعد أن سحرتهم حورية ماء هربت من تيه عوليس.
في ديوان ” شهقة ضوء ” للشاعرة السورية بسمة شيخو الصادر عن دار التفكير الحرّ لعام 2014، يشهق الحبر/ الشعر ولادته على الصفحة البيضاء، يمدّ يده إلى قمر الدلالة كما يفعل الطفل متلمساً البعد الثلاث، فبسمة شيخو تتلمّس حَبْو الدال و ومشي الدلالة في قصيدتها، توسع ذمّة المحاكاة لتضع بصمتها الخاصة في شعرها وتبعد يدها عن حافة طاولة النصّ المقول سابقاً، رويداً، رويداً غير هيابة من طعم الملح عندما تغمرها موجة الشعر، فتنبت من تحتها تشهق المحاولة والدربة:” كعصاٍ في يد أعمى/ يمسكني لأدله على الطريق/ كيف أخبره أنني لا أملك عيوناً”.
لاريب أنّ المذهب الرومنسي كان رداً على فداحة الوجود وكيف لا يعود إلى الظهور بعد سنوات الحرب التي تلوك بلد الشاعرة، فنجد قاموس الديوان يتعالق مع كلمات أكسبها، استخدمها في حيز أدبي معين دلالات تشي بالهروب من المعطى الوجودي الآني كما حدث مع المذهب الرومنسي، فنجد كلمات : القمر – الزهور – النجوم – العصافير ” ضمن النسق القار، فالحرب لا تهدم فقط البناء وتقتل الإنسان بل تدمر عمارته الثقافية، فيطالها الشّك وعدم اليقين وهذا ما يبرر للشاعرة هذا المنحى، فهي تبحث عن كلمات ودوال ودلالات لم تلوثها الحرب ولم تخضع لتجاذبتها العنيفية ويمكن القول أن بسمة شيخو عبر قصائدها تقدم استقالة من معجم ثقافة الحرب وإن تسللت ظلالها إلى بعض القصائد لكنّها ظلال يُحتمى بها من رمضاء الحرب:” سأغني / حتى يتعب ذاك القنّاص/ ويختار غيمة قريبة/ يغفو فوقها/ ويغادر”. 
تعوّل بسمة شيخو على الحبّ مقصية “راء” الحرب وإن كانت “راء” الرؤية مفضّلة عليها عماء الحب مع حبيب يمتهن الفراق والبعد وكساحرة تستخدم أشياء الناس ليأتي سحرُها مفعوله، تفعل بسمة شيخو نفس الشيء، فتحضر أشياء الحبيب وبنقس الوقت تدرك أنّ سحرها ليس باتجاه واحد، فأشياء الحبيب هي ذاتها، فسحر الكلمة لا يقع على سامعها وقارئها بل على قائلها أيضاً، وهذا التعاور يسم معظم القصائد، ففراق الحبيب يصبح فراقها وغيابه يصبح غيابها وحضوره يصبح حضورها:” يطول الغياب/ أتسلّى برمي جمرات شوقي/ عالياً في السماء/ ليحسبوها نجوماً—يطول الشوق/ فأنفخ في الصور/ وأخرج أجداث من أحبّ”.
شهقة ضوء: 
عودة على بدء والقول إنّ الشعر يمثل فرادة الفرد أحسن ما يكون، فهو صوت خاص مهما أصابه من لبوس الأنساق وعليه بقدر ما يصبح غنمة سوداء تخرج عن القطيع معرضة نفسها لأنياب الذئب غير خائفة من الجروح، صارخة في وجه تجار الصّوف، يتجلى جوهره كبدر التمام.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *