إبراهيم الكوني: «الشعار» سُعاَر سمّم العالم وحوّل المبدع إلى داعية


*منى الشمري

الكويت ـ  أكد الروائي الليبي إبراهيم الكوني أن المأساة التي تعيشها المنطقة العربية والعالم في اللحظة الراهنة سببها هيمنة الأيديولوجيا بما تحمله من تعصب، وقال إن الأيديولوجيا سممت العالم، وحولت المبدع إلى داعية يحمل مجرد شعارات، واصفا أي شعار بالسعار.

جاء ذلك خلال لقائه بجمهور الكويت في جلسة أدارها الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي. 
وقال الكوني: أنا أديب عربي، أكتب بالعربية، وهويتي عربية، وفي الوقت نفسه لديّ هوية طارقية، الطوارق ليسوا مجرد قبيلة كما يشاع في الإعلام العربي، الطوارwق أمة عريقة مثل العرب والفرس والروم، لكن نزعة نفي الهويات موجودة في كل بقاع الأرض، والإعلام العربي عن قصد أو جهل يقلل من بعض الهويات ومنها الطوارق.
اضطراب الهوية
ثم تحدث الكوني عما سماه «اضطراب الهوية» فقال: «الهوية بالنسبة لي ليست عرقية، بل جوهر الإنسان، والهوية الحقيقية هي القضية الثقافية التي هي قضية اللغة، من يكتب بلغة بحكم قانون الأدب ينتمي إلى هويتها، وبحكم أنني اتقن عدة لغات فأنا عربي وطارقي وروسي وألماني، الحكم يجب ألا يكون بالعرق، وإنما التباهي يجب أن يكون بالثقافة ولغة الروح. 
وعرج الكوني بحديثه على بدايات هذا الاضطراب، فقال إنه نشأ في الصحراء الكبرى، ثم بعد تقسيم الاستعمار الفرنسي للصحراء بين أربع دول عاش في ليبيا، وبسبب التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء انتقل للعاصمة عام 1969 ثم في العام التالي انتقل إلى أوروبا التي ما زال يعيش فيها حتى اليوم.
لغة المعجم ميتة
وعن غرابة عنوان كتابه «بيان في لغة اللاهوت» أجاب الكوني: «هذه هي اللغة العربية، يدهشني أن العرب لا يعرفون لغتهم، في اللغة العربية لغة مستترة تحمل عمقا روحيا فريدا، اللغة الكلاسيكية ليس لها علاقة باللغة المعاصرة، نحن نقرأ الأدب القديم من خلال المعجم، واللغة التي تقرأ من خلال المعجم ميتة، مهمة المبدع أن يطور اللغة ويكتشف العناصر الكلاسيكية وعصرنتها لتلائم الواقع الجديد. وأضاف، أحب العربية لأنها لغات ولهجات، وعلى كل من يتعامل مع هذه اللغة أن يستنطقها كي يستخرج كنوزها. وإن كانت اللغة الكلاسيكية أصبحت لغة «منسية» يجب أن يعاد إحياؤها وهذا هو دور المبدع.. فالمبدع لا يكون مبدعا ما لم يطور اللغة ويخلق بها روح الشعرية ويكتشف عناصرها الكلاسيكية والمنسية. 
الروائي ناصر الظفيري تحفظ على وصف الكوني للهوية باللغة، مفضلا إطلاق «مستشرق» أو «مستغرب»؛ لأن اللغة في رأيه أداة وليس هوية، ورد الكوني بأنه يعرف يقينا بأن اللغة أداة لكنها قبل ذلك هي وجود وكينونة، ولا وجود لأحد خارج اللغة، ولذا فتعلم لغة جديدة بمنزلة عيش حياة إضافية.
للصحراء.. فروض الولاء والطاعة
وعن سؤال إن كان على المبدع أن يكون معلما؟ رد الكوني: «القلة في عالمنا العربي ما زالت تثق في الصحراء، قلة تقدم لها فروض الولاء والطاعة، عندما وصلت إلى الكويت زرت الصحراء وقدمت لها فروض الولاء والطاعة، الصحراء هي اليابسة الأولى ووطن الروح التي قدستها كل الكتب السماوية. و»المبدع ليس داعية. وطن المبدع العزلة والصحراء، أن يقول الحقيقة، مهما تحدثنا عن الجماليات والروح الغنائية في الأدب فلا يعني هذا شيئا ما لم يسوق رسالة إنسانية والحقيقة هي الغاية النهائية.
الفرق بين الميثولوجيا والأيديولوجيا
وسألته ليلى العثمان عن وجود الأسطورة الصحراوية في أعماله، رد الكوني: «الأدب لم يخالف ما قاله أرسطو بأن «رأس الأدب الأسطورة»، الأسطورة تقنع الناس، وهي التي كونت وجدانهم، الميثولوجيا هي التي أوجدت الأديان أوجدت اللاهوت بينما الأيديولوجيا أوجدت الطاغوت». وأشار الكوني إلى أنه أثناء دراسته أدهشته نظرية «أن الرواية تنتمي إلى المدينة وليس الريف»، حيث شعر بأن هذه النظرية تحكم عليه بالقتل، فهو لا يعرف إلا الصحراء، ونسف بكتاباته عن الصحراء هذه النظرية، مشيرا إلى أنه كتب روايات متعددة الأجزاء بمنزلة الملاحم.
وتطرق إلى مفهوم الاغتراب مشيرا إلى أن هناك أنواعا مختلفة مثل، اغتراب الهوية والاغتراب الوجودي… موضحا أنه عاش طفولته حتى سن العاشرة في الصحراء الكبرى ثم انتقل إلى واحات جنوب ليبيا ومنها إلى طرابلس التي لم يمكث فيها سوى ثلاث سنوات، ومن ثم سافر للدراسة في معهد غوركي للآداب في موسكو، وواصل اغترابه في أوروبا من سويسرا إلى أن انتقل قبل ثلاث سنوات إلى إسبانيا.. وهو ما تطلب منه التحدث بأكثر من لغة منها الروسية التي قرأ بها معظم الآداب العالمية والفرنسية والألمانية. مؤكدا أن هذه الحزمة من الاغترابات لعبت دورا مركزيا في تكوينه الروحي… حتى غدت هويته هي العالم نفسه… حيث يبقى السؤال الآن عن هذا المخلوق من طين الذي نفخ الله فيه.. ما مهمته في الوجود؟ 
في ما تحدث الكوني عن علاقته بالصحراء وقال: «إننا مازلنا في عالمنا ننظر بسلبية إلى الصحراء، ونستعمل مفردة (التصحر) بدلالة سلبية، رغم ما للصحراء من أفضال على البشرية، ففيها ظهرت الرسالات السماوية ووفرت لنا الماء وحتى الطاقة التي تضيء العالم كله اليوم. واليابسة مقدسة في جميع الكتب المقدسة وفي الميثولوجيا، فكلمة (جيو) اليونانية تعني الرابية أو المكان المرتفع عن سطح الماء… فهي الأرجوحة التي انفصلت بنا عن غمر الماء. ومن ثم فهي وطن الحرية، وفي سفر الخروج يأمر الله الفرعون بأن أطلق شعبي ليعبدوني في البرية.. فأرض الميعاد هي الحرية، والحرية لا وجود لها إلا في الصحراء.
سر عشق الصحراء
وقال عن سر اختياره للكتابة عن الصحراء: «عندما درست الآداب في معهد غوركي كانوا يحدثوننا عن نظرية الرواية بوصفها فنا مدنيا.. لا ينتمي إلى الريف أو الصحراء.. وفي الوقت نفسه يطلبون منا أن نكتب عما نعرفه.. وأنا لا أعرف سوى الصحراء.. وهذا يعني أن تلك النظرية حكمت عليّ بالموت فقررت أن ألقي بقفاز التحدي ولم أكتب عن الصحراء رواية واحدة، بل روايات ملحمية من أجزاء عدة… واكتشفت أن المدينة ليست أساس الرواية، بل هي لغز اسمه الإنسان… فكل إنسان هو رواية في حد ذاته. وكل صحراء لها حق الوجود وحق أن تقول كلمتها، فليس أجمل من طبيعة الصحراء لأنها عارية ومكشوفة ولا تخفي شيئا.
الشعارات تقتل الرسالة الحقيقية
وتحفظ الكوني على مفهوم الأيديولوجيا وشعاراتها وقال إن الشعارات تقتل أي رسالة حقيقية… ولم يعرقل النهضة العربية مثل الشعارات الأيديولوجية والنتيجة ما يحدث اليوم. ومأساتنا أننا في العالم العربي نسيس كل شيء، ونختصر الوجود كله في كلمة واحدة هي السياسة أو الشعار.. في حين أن الوجود أرحب من ذلك ويفترض أن تكون السياسة أصغر هامش فيه، وللأسف معظم الأدب العربي مسيس ومثل هذه النصوص هي تقارير وليست أدبا، لأن الأدب لابد أن يقوم على الأسطورة والاستعارة لا المانفستو. 
وردا على سؤال اعترض الكوني عن الكتابة بالعامية المحكية مثلما دعا سعيد عقل، مؤكدا أن العربية ثرية بما يكفي كلغة أدب كما أنها لغتنا المشتركة. وأكد أن اسماء المبدعين الليبيين لا تقتصر عليه فهناك أيضًا الصادق النيهوم وأحمد الفقيه ويوسف الشريف وغيرهم. 
ورفض الكوني في نهاية اللقاء التطرق إلى علاقته مع القذافي، مؤكدًا أنه تطرق إلى علاقته التي شهدت مدًا وجزرًا مع القذافي في سيرته المطبوعة في أربعة أجزاء، ويمكن الرجوع إليها بدلًا من أن يدعي كلامًا الآن كي يبدو بطلاً.
_________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *