عمَّان: حفريات نقدية في الخطاب الإسلامي




علي عبيدات


خاص ( ثقافات )

عمَّان: حفريات نقدية في الخطاب الإسلامي للبحث عن خلاص
رعى رئيس الجامعة الأردنية الدكتور أخليف الطراونة افتتاح المؤتمر الدولي الأول تحت عنوان “مؤتمر الخطاب الإسلامي الأول: واقعه، مضامينه، أفاقه” بتنظيم مركز زمزم للدراسات ممثلاً برئيسه الدكتور رحيل غرايبة وبالتعاون مع كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وجاءت فاعليات المؤتمر مقسمة على يومي الثلاثاء والأربعاء 24-25 نوفمبر 2015.

قضايا شائكة ناقشها باحثون وأكاديميون عرب بحضور الطلاب والمهتمين بمضامين الأوراق البحثية التي تناولها المنتدون، فكان الخطاب الإسلامي وأزمة التلقي والتأويل والتطرف والنقد الديني والتنوير صبغة المؤتمر العامة، وكان نصيب الإعلام كبيراً لدوره في بلورة خطاب متزن ضمن أعمال المؤتمر الذي غطته العديد من الجهات الصحفية العربية نظراً للتوقيت المهم الذي جاء الحديث فيه عن الخطاب الإسلامي تزامناً مع الأعمال الإرهابية التي ساهم انحراف الخطاب بارتفاع وتيرتها.

حفريات نقدية ورؤى تنويرية في أغلب الأوراق البحثية، تناولها المنتدون في جملة محاور المؤتمر التي كان أبرزها تعريف الخطاب الإسلامي بخصائصه ومفهومه بالنسبة للآخر والمرأة والطفل والمجتمع، وعن أدوات الخطاب أيضاً عبر مقارنة بين واقع الخطاب الديني اليوم وأصله في النصوص الدينية قبل التأويل المنحرف الذي انتهجه المتطرفون ليكون تطرفهم تحت غطاء ديني، باعتبار هذا التأويل أصلاً في الآثار المأساوية التي خَلُصت إلى اختلاط الإرهاب بالنص الديني وشرعنة العنف.

وكان من أهم أهداف المؤتمر أن تقدم مادة علمية للهيئات التربوية والتعليمية في مؤسسات الدولة لتساعدها على ترسيخ السماحة والوسطية في المجتمع، وتطوير وتجديد الخطاب الإسلامي عبر خطاب يحترم الآخر وينادي بالتعايش لخدمة المجتمع والمساهمة في حل مشكلاته التي صار أبرزها اليوم الإرهاب وأعمال العنف.

وقال منسق عام المبادرة الأردنية للبناء “زمزم”- الدكتور رحيل غرايبة إن الخطاب هو لغة التواصل بين الأفراد والشعوب، وهو وسيلة التعبير عن الرأي وإقناع الآخرين به، ومن خلاله يحصل التفاعل بين مكونات المجتمع، وهذا الخطاب قد يكون خطاباً واعياً راشداً يجمع ولا يفرق يبني ولا يهدم، ينأى بالمجتمعات من أن تكون ساحات صراع تستباح فيها الأرواح وتنتهك فيها الأعراض، وإما أن يكون خطابا مغلقاً ينظر إلى الآخر نظرة دون واحتقار، فهو إقصائي في تصوره عنيف في سلوكه، يعظم جوانب الخلاف والاختلاف، ويتعسف في تفسير المواقف والآراء.

وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية هايل داوود إن الأمة تمر بمنعطف تاريخي حاد ولّد مفاهيم مشوشة أدت إلى العنف وإراقة الدماء على عقول الشباب وحتى بعض الخطباء والمفكرين محققين أهداف أعداء الأمة في تمزيقها وتفتيتها.

وأكد داوود على أن الخطاب الإسلامي هو المحفز للسلم الاجتماعي وتعزيز ثقافة التسامح والمحبة والتعاون والتعددية والحوار والاختلاف وقبول الآخر وإشاعة السلم بين بني البشر والتأكيد على حرمة الدم وبيان أهمية المواطنة والانتماء والكلمة الطيبة اللينة، إلى جانب التصدي لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تنشرها الجماعات المتطرفة. 

وبدوره، قال راعي المؤتمر رئيس الجامعة الأردنية الدكتور أخليف الطراونة إنه لا مناص من تحمل المسؤوليات للدفاع عن الإسلام وقيم التسامح والاعتدال ومحاربة الغلو والارهاب من خلال تعزيز الحوار وتجديد الخطاب الديني الذي أمسى أغلبه غير منسجم مع الواقع وتحدياته، وغياب التجديد افسح المجال أمام الخطاب المتشدد الذي يتصف بالإرهاب والانغلاق والتحيز للمذهب والجماعة.

وقال الطبيب والباحث في القضايا الاجتماعية الدكتور أحمد الأبيض من تونس إن المنتج الفكري الإسلامي لا يزال أسير التقليدية والتأطير والانحصار في سطحية الأمور وغير قادر على مواجهة التجديد والقضايا المستجدة. فالممارسة تكون مستهدية بالنظرية، لكن تطور الممارسة بنجاح يجعل الممارسة هي الهادية للنظرية ومطورة لها باعتبار التجديد قاعدة في الإسلام، وما سوى ذلك استثناء يثبت القاعدة”.

وتطرق الأبيض إلى تأويل وتفسير النص الديني قائلاً: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” تعني أن الله لا يكلفك إلا ما يسعك؛ بمعنى أن الآية على عكس ما فسر البعض أنها دعوة للتقاعس، إنما هي تحفيز للبذل ضمن القناعة بأن كل ما وجب هو ضمن الوسع”.

وحول تأثير الخطاب الإسلامي في القضايا العربية الإسلامية، استشهد الدكتور عبدالله كنعان بضعف الخطاب الإسلامي اليوم أمام تصرفات الكيان الصهيوني قائلاً: “لا يوجد خطاب إسلامي موحد تجاه القضية الإسلامية، وإنما هناك خطاب لكل مشروع إسلامي بشكل مختلف عن الباقين، وطالما أن الكيان الصهيوني فوق القانون الدولي وخارج المحاسبة الدولية على جرائمها فلن يكون هناك استقرار في العالم، كما أن أي دراسة لقرارات الشرعية الإسلامية الصادرة عن مجلس التعاون الإسلامي بخصوص القدس تقودنا إلى أنها خطابات إنشائية هدفها امتصاص غضب الشارع فقط لا غير”.

وقال الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الكيلاني في ورقته البحثية “الخطاب الإسلامي رؤية مقاصيده”: “يغيب عن الخطاب الحالي، مفاهيم الحرية والمساواة والعدل وحقوق الشعوب في اختيار ممثليها، رغم أن القرآن أعطى هذه المفاهيم مساحات واسعة. كما أن مقاصد الشريعة هي الحكم والفيصل، في التمييز بين الخطاب الإسلامي الحقيقي وبين الخطابات غير الإسلامية الدموية والفاسدة والشاذة”.

من جانبه قال عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الخطيب إن المؤتمر يهدف إلى الوقوف على مواطن القوة والضعف في الخطاب الإسلامي، وتحديد وسائل وآليات تطويره، من خلال الفصل والتمييز بين النصوص الدينية المقدسة وبين الخطاب الإسلامي البشري الذي يستند إلى أصل الدين وإنتاج خطاب إسلامي معتدل يحترم الآخر ويقبل قيم العيش المشترك.

وتناول الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش الأبعاد والجوانب السياسية للخطاب الإسلامي قائلاً: “أشجع المشاركة في السلطة، عندما تكون مشاركة مبنية على خطة واضحة. ومشاركة الإسلاميين لم تكن قائمة على خطة واضحة. وحول الإعلام ودوره يضيف العموش: “ما ينشر في وسائل الإعلام لا يعبر عن الخطاب الحقيقي للإسلام”، مؤكداً أن الحديث عن خطاب إسلامي لا يمكن أن يحدث بمعزل عن السياسة.
وحذر العموش من “خطر وجود المشروع الفارسي في المنطقة إلى جانب المشروعين الصهيوني والغربي”، فهذه المشاريع زادت من حدة وبشاعة التعامل مع الخطاب الإسلامي مستشهداً بالصراعات المذهبية بين السنة والشيعة، وأن هناك فرقاً بين الشيعة عموماً والشيعة في إيران، التي تنادي بالتقارب المذهبي منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران “لكن هذا كله كذب” على حد قوله.

أما الأمين العام لدائرة الإفتاء العام الدكتور محمد الخلايلة فاعتبر أن ما “شهده العالم الإسلامي من فوضى الفتاوى خلال الأعوام الأخيرة، انعكس سلباً على الخطاب الإسلامي”، وذلك لأسباب عديدة، من بينها “مس الفتاوى للثوابت الأساسية والقطعية للدين الإسلامي التي تحرم قتل النفس، ووجود خلل في شريعة بعض العلماء الذين أدخلوا السياسة في الفتاوى”.

العديد من الأوراق البحثية تناول المنتدون فيها أهم قضايا وأزمات وإشكاليات الخطاب الإسلامي اليوم، ولماذا وصل الحال بهذا الخطاب إلى أن يكون أرضيّة صلبة للمتطرفين، بإشارة إلى كارثيّة الإعلام غير المهني ودوره في تأزيم الخطاب، وكذلك مكانة وكينونة الآخر وموازين القوى وأصحاب الأطماع السياسية الذين ساهموا بتشويه وجه الخطاب الحضاري والإنساني، وغيرها من أركان الخطاب التي وقف عليها المنتدون والمشاركون بالحوار والبحث، للخروج بمادة علمية ستطرح على الجهات المعنية لتصحيح مسار الخطاب وعصرنته.

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *