بعد 45 عاما على صدور روايتها الأولى وانشغالها بالصحافة والمقالات الاجتماعية تعود الكاتبة المصرية إقبال بركة برواية “ذاكرة الجدران” التي يمكن اعتبارها سجلا أدبيا لمصر طوال 100 عام، ولكن المؤلفة تعتبرها استكمالا لانشغالها بقضيتي المرأة والوحدة الوطنية.
وتبدأ الرواية بغربة نفسية وأسى ووحدة يشعر بها “مكرم” وهو “محام فاشل” اعتزل مهنته وقطع صلاته بمن حوله بعد موت زوجته “فيولا” وهجرة أقرب أصدقائه فلا يجد عزاء إلا في استدعاء التحولات الاجتماعية والسياسية لمصر منذ جاء جده “عوض جيد عبدالمسيح” من محافظة أسيوط الجنوبية إلى العاصمة لإتمام صفقة بيع محصول القطن فسحرته القاهرة وبنى بيتا في حي الزمالك الراقي، وسرعان افتتنت زوجته “دميانة” أيضا بالمدينة.
وتنتهي الرواية بأحد فصول الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم الرئيس السابق حسني مبارك في بداية عام 2011 فيسجل السطر الأخير أن الرواية “تمت ومازالت الثورة مستمرة” وهي نهاية مفتوحة على احتمالات وتطورات أخرى.
وإقبال بركة التي تخرجت في قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية عام 1962 لها أكثر من 20 كتابا بين رواية ومجموعة قصصية وأدب الرحلات والقصايا العامة وتولت عام 1993 رئاسة تحرير مجلة “حواء” أقدم مجلة عربية نسائية وانتخبت رئيسة للفرع المصري لنادي القلم الدولي واستقالت لتتولى رئاسة لجنة المرأة في نادي القلم الدولي.
ورواية “ذاكرة الجدران” التي تقع في 284 صفحة متوسطة القطع أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب وهي مهداة “إلى كل الحالمين بمستقبل أفضل لمصر بعد 25 يناير و30 يونيو”، في إشارة إلى أكبر احتجاج أنهى حكم مبارك، كما أدى عام 2013 إلى عزل الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.
وقالت إقبال بركة “تفرغت تماما لهذه الرواية. وضعت كل خبرتي وتجاربي وقراءاتي فتدفقت معي (أثناء الكتابة) وبعد صدورها أشعر أنني استعدت لياقتي الإبداعية”.
وأضافت أن “الإخلاص لعمل أدبي يستعرض تحولات مصر عبر ثلاثة أجيال ليس سهلا وخصوصا في الكتابة عن طبقة برجوازية لديها من الأنانية ما يجعلها ترفض فكرة الثورة” ويتمثل في رفض الجد لثورة 1952 ورفض الجيل الثاني لاحتجاجات 2011 ولكن الجيل الثالث يتمرد وينخرط في المظاهرات مطالبا بالتغيير.
ولا تنتصر الرواية لزعيم مصري منذ صعود سعد زغلول رمزا لثورة 1919 مرورا بجمال عبدالناصر قائد ثورة 1952 ولكنها -بسبب تعدد أبطالها وتباين وجهات نظرهم- تطرح زوايا مختلفة للرؤية وتقييم المواقف ولا يكون الاتفاق على شيء إلا في الصفحات الأخيرة حين تقرر خادمة أن “ترابط” في ميدان التحرير وتتبعها “هانم” أرستقراطية باحثة عن ابنها المصاب في الميدان فيتبعهما المحامي بطل الرواية إذ “شعر أنه مقبل على حياة مختلفة عن كل ماسبق من عمره”.
وتقول الكاتبة لرويترز إنها حاولت أن تكون “محايدة. أحببت ان أبدي آراء على لسان الشخصيات وكان يعنيني في نهاية الأمر أن أكون أمينة لفن الرواية”.
وتضيف أن الرواية استكمال لانشغالها بقضية “الوحدة الوطنية” بين المسلمين والمسحيين في مصر، وقضية المرأة، حيث أصدرت في السنوات القليلة الماضية كتبا منها “الإسلام وتحديات العصر” و”الحجاب.. رؤي عصرية” و”المرأة المسلمة في صراع الطربوش والقبعة”.
ويتقاسم أحداث الرواية أفراد عائلتي عوض جيد عبد المسيح وصديقه المحامي سليم البنداري الذي كان يرى أن مصر تحتاج في بداية الثلاثينيات إلى “مستبد حكيم ووطني يقود شعبها إلى التمدين” حيث كان من المعجبين بأفكار الكاتب المصري ذي التوجه الاشتراكي سلامة موسى (1887-1958.(
وترصد الرواية جانبا من مصر الليبرالية في حفاوتها بالنساء المجيدات في الطب والأدب والفنون.
وتميل الرواية إلى الإشادة بتلك الفترة وتسجل حنينا خاصا لكل من عاشها دون أن يشعر بالتفرقة بين المواطنين وفقا لدينهم وتحتفي بالوزير مكرم عبيد (1889-1961) الذي قال إن مصر “وطن يعيش فينا قبل أن تكون وطنا نعيش فيه” وسمي بطل الرواية “مكرم” تيمنا بعبيد وهو محام عاش سنوات الزهو حين “كان المرشح القبطي يفوز في دوائر كلها مسلمون”.
كما ترصد أيضا ما يسميه أحد أبطال الرواية “صرعة التدين” مع صعود جماعة الإخوان المسلمين إضافة إلى التمييز الطبقي الذي تمثل في أن “النادي الخديو الرياضي (الجزيرة)… للأجانب فقط وحظر على المصريين” فما كان من النادي الأهلي المصري إلا أن “اقتص للمصريين” بقرار جمعيته العمومية في الرابع من يناير 1924 قصر عضويته على المصريين.
وفي حين يرى البعض في ما جرى في يوليو تموز 1952 انقلابا وينتقد عبد النصر يرى آخرون أنه “لا مستقبل لهذا البلد بعد وفاة ناصر. لقد تراجع السادات عن كل ما أنجزه ناصر” ورغم انتماء الجد عبد المسيح لحزب الوفد فإنه بكى عبد الناصر عند وفاته قائلا إنه “بطل قومي بلا شك وإن كانت بعض أخطائه فادحة”.
أما خلفه أنور السادات فيرى بطل الرواية أنه تسبب في الهوة بين المسلمين والمسيحيين بتصريحات منها أنه “رئيس مسلم لدولة مسلمة.. ولكنه نال جزاءه فقد عقره الثعبان الذي رباه.. وضع بذرة الخراب وخلفه (مبارك) سينميها”.
وأتت احتجاجات 2011 لتمنح أبطال الرواية أملا بعد أن غيرت طبائعهم إذ أصيب الشاب يحيى حفيد سليم البنداري ثم اختفى فتضطر أمه بهيجة “هانم حرم السفير وحفيدة الباشا وسيدة المجتمع” للذهاب إلى الميدان ويلحق بها “عوض” “وشعور بالفرح اجتاحه” وأحس بإقباله على دنيا جديدة.
والكاتبة التي قالت “خطفتني الصحافة من الأدب” لها ست روايات أخرى صدرت أولاها عام 1970 بعنوان (ولنظل أصدقاء إلى الأبد).
وقالت إنها متفرغة الآن تماما لرواية تكاد تنتهي منها “هي رواية عمري.. أريد أن أترك للجيل القادم شيئا يقول إننا انشغلنا بمصر بما يليق بها”.
ميدل ايست أونلاين