ما يطلبه القراء



*بسمة النسور



على سبيل التجربة، وانطلاقاً من القناعة بأهمية الاشتباك المباشر مع القارئ، كونه الجهة المستهدفة في نهاية الأمر، ولعلها محاولة غير بريئة مني للتخلص من أعراض الشك في جدوى فعل الكتابة من أصله، وهي حالة طبيعية وعابرة، تنتاب الكاتب بين حين وآخر، لأسباب كثيرة لن يتسع السياق للخوض فيها، حاولت إجراء استفتاء صغير في صفحتي على “فيسبوك”، رجوت الصديقات والأصدقاء فيه تقديم اقتراحات حول المواضيع الجديرة بالالتفات أكثر من غيرها، من وجهة نظرهم، على أن يتم ذلك قبل أن ينتهي فنجان النسكافيه الأسود الثقيل الخالي من أي إضافات. 
في دقائق، انهالت الاقتراحات والأفكار المتنوعة، وردني الاقتراح الأول على الخاص من إعلامية أردنية شابة غاضبة، تتحدث بحرفة وعصبية عن ظاهرة التنمر التي انتقلت من الشارع إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي توهمنا، في البدء، أنها مساحات حرية وانطلاق إلى أن تكشفت، في أحيان كثيرة، عن فضاء قاتم كريه، لا يخلو من كراهية وحقد وتعصب وإقصاء واستخفاف واغتيال لمجرد ارتكاب خطيئة الاختلاف. 
نازح سوري حانق وعاتب كتب من الحدود التركية، معبراً عن استيائه من الإشارة إلى فنجان النسكافيه الذي ينم عن ترف لا يليق بكاتبة، تزعم انحيازها للمستضعفين. وحثني، بتهذيب كبير، على أن لا أنسى هموم النازحين السوريين المهجرين في أصقاع الأرض ومآسيهم، فيما الطاغية المذعور يسطو على شعارات الثورة في خطابات استفزازية، متوهماً حصانة واهية مزنرة ببنادق الإرهاب الداعشي المأجور، في سبيل إنعاش ومد أيام الاستبداد الذاهبة إلى زوال وشيك، متشبثاً بكرسي متهالك، تخدمه عناصر الحزب الإلهي الذي تنكر لله والإنسان في آن، واصطف مع القتلة والمتاجرين بدماء الشعوب. 
مواطن أردني غيور لم يخل خطابه من حرقة قلب يقترح مناقشة ظاهرة العنف المتنامي في الشارع، محيلاً الظاهرة إلى تجاهل المواطنين تعليمات السلامة العامة، مناشداً أجهزة الدولة المختصة إلى فرض رقابة مشددة وعقوبات رادعة، في قضية اقتناء الأفراد الأسلحة النارية، والتي يستخدمونها باسترخاء تام وعجيب في قلب العاصمة والمدن والقرى، في أثناء مواكب الأعراس الكثيرة ومواكب الناجحين في شهادة الثانوية العامة، ولا يحول سقوط ضحايا كثيرين في كل مناسبة دون استمرار متلازمة الرصاص والفرح، كان آخرها طفلة لم تتجاوز الثلاث سنوات ترقد في غيبوبة تامة، بعد أن اخترقت رأسها رصاصة طائشة في عرس مجاور. 
فتاة عشرينية طالبت بالتصدي لظاهرة التحرش اللفظي، يقوم بها شبان بلا أخلاق، ما يؤذي مشاعر الفتيات، ويحد من حريتهن في التنقل والحياة بصورة طبيعية، تحترم إنسانيتهن. أصر أحد المتقاعدين من المتابعين للشأن العام على بحث أسباب الغلاء الفاحش الذي أرهق المواطن، وجعله عاجزاً عن تحقيق الحد الأدنى من الحياة الحرة الكريمة، كما أشار إلى حقيقة استغلال و فساد وغش تجار تفضح السلطات، بين حين وآخر، محاولتهم لإغراق الأسواق بالبضاعة الفاسدة منتهية الصلاحية، غير عابئين بحياة المواطنين التي هي آخر همهم كما يبدو. 
عبّر شاب نزق عن امتعاضه من موجة الحر غير المسبوقة التي ضربت المنطقة، ممتعضاً من الوجود الكثيف للمغتربين الذي يتسبب بازدحامات مرورية خانقة على مدار الصيف. وشكر رش سيارات الدولة المياه الباردة، تخفيفاً على المواطنين، معتبراً ذلك لمسة إنسانية جميلة، على الرغم من أنه لم يخف امتعاضه من سيل المهرجانات التي أقيمت في العاصمة، معتبراً ذلك إسرافاً لا ضرورة له، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة. وسخرت كاتبة تميل إلى الضجر من الربط غير العبقري بين ثوب نانسي عجرم الذي ارتدته في مهرجان جرش وتململ جوف الأرض في البحر الميت غضباً، وتساءلت بعجب عن سر التسامح الذي أبدته الأرض نفسها إزاء ثوب مايا دياب، وهو الأشد جسارة، وقد تمايلت على خشبة المسرح الجرشي نفسها، في ظل التزام الكرة الأرضية الحياد التام. 
________
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *