محمد علاوة حاجي
قد لا ينتبه المارّ من شارع “أحمد رضا حُوحو”، وسط الجزائر العاصمة، إلى أن ذلك المبنى الصغير والبسيط، هو مقرّ جمعية “الجاحظية” التي ارتبطت باسم الروائي الجزائري الطاهر وطّار (1936 – 2010)، الذي أسّسها رفقة مجموعة من الكتّاب الجزائريّين سنة 1989، وظلّت ترفد المشهد الثقافي في الجزائر طيلة عشريتين.
تأسّست “الجاحظية” بعد سنة واحدة فقط من أحداث الخامس أكتوبر 1988، التي تلتها تحوّلات سياسية واجتماعية كبرى في الجزائر. في ذلك العام، كانت قد مرّت خمس سنوات على إقالته من الحزب الواحد حينها، “جبهة التحرير الوطني”. وفي مذكّراته الصادرة بعنوان “الحزب وحيد الخليّة” (2007)، يعترف وطّار أن مشروع “الجاحظية” أنقذه من هاجس الانتحار الذي راوده في تلك الفترة.
جمع المشروع الثقافي عدّة كتّاب ومفكّرين، منهم واسيني الأعرج ومرزاق بقطاش والحبيب السائح وزينب الأعوج وعبد الحميد بورايو وعبد القادر بوزيدة ويوسف سبتي. لكن وطّار وحده من استمرّ فيه. اغتيل سبتي في التسعينيات في ظروف غامضة، بينما انسحب البقيّة بسبب خلافات دبّت بينهم.
وبمعدّل عشر ساعات من العمل اليومي، استطاع صاحب “اللاز” تحويل مقرّ الجمعية إلى محجّة ثقافية لا تنقطع عنها الفعاليات. باتت “الجاحظية” تُصدر ثلاث مجلاّت هي “التبيين” و”القصّة” والقصيدة”، وأطلقت “جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي” و”جائزة الهاشمي سعيداني للرواية”. إضافة إلى مكتبتها التي تضمّ آلاف العناوين، كان مقرّها معرضاً دائماً للفنون التشكيلية باسم الفنان الجزائري الراحل محمد خدّة.
بعد مرور خمس سنوات على رحيل وطّار، الذي تحلّ ذكراه اليوم، تبدو “الجاحظية” كما لو أنّها باتت جُزءاً من الماضي. توقّفت مجلّتا “القصّة” و”القصيدة”، ومعهما جائزتا الشعر والرواية، ولم يعد للجمعية البريق نفسه، بينما تُطالب عائلته بتكريمه وإطلاق اسمه على جوائز أدبية ومؤسّسات الثقافية. يُؤشّر ذلك، أيضاً، إلى الفراغ الذي تركه في الحياة الثقافية.
لكن رئيس “الجاحظية” الحالي، محمد تين، يجيب على سؤال لـ “العربي الجديد” عن أسباب خفوت حضور الجمعية قائلاً: “هناك عزوف إعلامي عن تغطية نشاطاتنا بعد رحيل وطّار، فغياب الإعلام عن الفعاليات الثقافية يجعلها وكأنها لم تُقم أصلاً”.
يضيف تين: “نشاطات الجمعية الثقافية لم تتوقف بعد رحيل وطار. بالعكس، أصبحنا نقيم نشاطين أسبوعياً، بعد أن كان نشاطاً واحداً في السابق”. يوضّح أيضاً: “تصدر مجّلة التبيين كلّما سمحت الظروف وتوفّرت الإمكانات، بعد أن أدمجنا معها مجلّتي القصة والقصيدة”.
يتحدّث تين عن ملتقى يُقام في الـ 22 آب/ أغسطس الجاري، في إطار “قسنطينة عاصمة الثقافة العربية” بمناسبة رحيل وطّار، بمشاركة كتّاب وأكاديميين، منهم عبد المجيد الربيعي وحسن الغوري من تونس، ومحمد الزاوي الذي أنجز فيلماً عن الكاتب قبيل رحيله، وواسيني الأعرج الذي يشارك بمحاضرة حول “ما لم يُنشر من حياة وطار” تتضمّن نصوصاً وحوارات أجراها معه خلال رحلة العلاج الباريسية، وشريف لدرع حول “الجانب المسرحي في كتابات وطّار”.
العربي الجديد