*باسل العودات
أثرت الثورة على السينما السورية في الصميم، فتقريبا توقف الإنتاج الحكومي الذي كانت تضطلع به المؤسسة العامة للسينما، وقليلة جدا هي شركات الإنتاج السينمائي الخاصة، على عكس الإنتاج الدرامي، فيما كثرت إنتاجات المعارضة السورية السينمائية، وخاصة التوثيقية والقصيرة منها، لكنها انطلقت كلها نتيجة استخدام الناشطين لكاميرا الموبايل لتغطية أحداث الثورة وانتقلت العدوى للسينمائيين، هواة ومحترفين، لاستغلال هذه التقنية مع مناخ الثورة لصناعة نماذج سينمائية تحظى بالإعجاب في بعض الأحيان، وبلا مبالاة أحيانا أخرى.
سينما توثيقية
كثير من المخرجين السوريين غادروا سوريا إلى دول اللجوء بسبب قربهم من الثورة وأفكارها، وحاول بعضهم مواصلة عشقه السينمائي، فصنع أفلاما غالبيتها قصيرة ذات تكلفة منخفضة نظرا لصعوبة إيجاد تمويل لأفلام الثورات، وكانت نتائج غالبية هذه الأفلام متواضعة بحجم تواضع تمويلها، فيما نجح البعض بالحصول على تمويل أكبر من مؤسسات أوروبية وصنع ما اعتبره البعض محاولات شبه ناجحة، لكنها لم تقدّم أكثر من وصف توثيقي أو جزئية تسجيلية لما مرت به سوريا من كوارث خلال الثورة.
يشدد الكثيرون على أنه من الصعب الحديث الآن عما يسمى سينما الثورة السورية، فغالبية السينمائيين السوريين باتوا غائبين عن السينما السورية، ومن بقي أنتج سينما توثيقية لم تترك أثرا حقيقيا، ولم تقدم رسالة واضحة سوى عرض للمأساة ولم تساهم في تغيير الواقع أو الرأي العام.
المخرج فجر يعقوب، يرى أن السينمائيين السوريين مازالوا في الساحة السينمائية العربية ولم يغادروها رغم انقسامهم إلى تيارين واتجاهين متناقضين، ولكنه شدد على أن الكارثة السورية لم تعد تنفع معها الأفلام الناقصة بسرديتها مهما ظهر عليها من شجاعة.
وقال يعقوب لـ”العرب”، “لم يغب السينمائيون السوريون عن الأزمة حتى في ظل انقسامهم من حولها. وإن نبت في ظهر السينما جناحان؛ أحدهما أطلق على نفسه “سينمائيو الداخل”، والآخر “سينمائيو الخارج”، فإنه من المؤكد أن هذا الأمر ظل يشي بإمكانية أن تدب السينما في روح الاتجاهين ليقولا شيئا عن مكيدة الصراع الذي جر البلاد إلى كل هذا الخراب”.
وأضاف “الأزمة قد تكون تعدت السينمائيين السوريين، لقد تجاوزت منطق السرد وحنكته ودهائه، وما يحدث اليوم على الأرض السورية من تقتيل للروح السورية وتهشميها بالفؤوس والسيوف والبراميل المتفجرة وكل الأسلحة التي لم تخطر يوما على بال السوري المعتدل والمتسامح والمتعدد بطبعه، لن تنفع معها الأفلام الناقصة بسرديتها مهما ظهر عليها من شجاعة: حقيقة كان ذلك أم ادعاء”.
غياب الهوية
يحاول فجر يعقوب تبرير عدم استفادة السينمائيين في سوريا من الأزمة لتوجيه الرأي العام، حالهم كحال بقية المثقفين، ويرى أن قدرتهم على ذلك محدودة، وقال “إنتاج الفيلم لا يوازي إنتاج قصيدة أو لوحة، الفيلم معضلة إنتاجية كاملة يتقاسمها المنتج مع من يشاء، إذ ثبت أن هناك تصورات تسبق الإنتاج وتحيل كل التفاصيل المتعلقة به إلى منمنمات إنتاجية لا يمكن حتى للمخرج أن يحلم بها”.
ويواصل موضحا “أعتقد أن المخرج الذي تشير إليه بإصبعك وإمكانية أن يلعب دورا توجيهيا، ينتمي بدوره إلى ثقافة حزبية منخرطة في ماض منهك وبعيد نسبيا عما يدور اليوم، إن السينما التي قد نبحث عنها لمحاولة معرفة ماذا حدث قد تتأخر قليلا لتعبر عن نفسها، ولنودع تلك الثنائية المستحيلة الرطبة التي جرجرت البلاد إلى موت سريري شبه كامل”.
وفيما يرى البعض أن الأفلام التسجيلية والتوثيقية التي أنتجت خلال الأزمة السورية هي سينما تجريبية مختلفة، يرى آخرون أنها مجرد محاولات عبثية عابرة ظهرت فقط لسد النقص، ووجدت طريقا لها نتيجة خلو الساحة من العمل الجاد.
ومع ذلك يرى المخرج يعقوب أن الأفلام التسجيلية والتوثيقية المنتجة خلال الأزمة موزعة بين المجالين، وقال “ليست سينما تجريبية مختلفة ولا هي محاولات عبثية عابرة لسد النقص، أعتقد أنها محاولات يقف وراءها سينمائيون وهواة على حد سواء، وفي الحقيقة هي لا تمتلك هوية حتى يمكن إعمال النقد فيها، فبعضها مستجلب من (اليوتيوب) والهواتف النقالة، وبعضها صور في أمكنة الحدث خصيصا لقول شيء، وبالتالي يمكن إحالة بعضها على علماء الاجتماع ليقولوا شيئا عنها إن سنحت الفرصة لعمل ذلك”.
وتابع “ما يحدث من زلزال في الوعي والقيم والأخلاق يحتاج إلى وقت طويل حتى تقول السينما عنه شيئا في العمق، أما تلك المحاولات التي وثقت وتوثق فهي لا تقف بعيدة عن الريبورتاجات التلفزيونية الحارة التي تريد أن تقول كل شيء دفعة واحدة، وإن بدت أنها في حال استنطاق لما يجري بالاستناد إلى مخزون بصري وسمعي صار تقليديا صرفا”.
______
*العرب