*ارليت خوري
في مبادرة فريدة ولافتة هي أشبه بحدث فني، يقيم متحف جورج بومبيدو الباريسي الشهير معرضاً استعادياً فردياً للفنانة الفلسطينية العالمية الرائدة منى حاطوم. ولعل زائر المعرض الذي يشاهد اعمالها المعروضة يصعب عليه ان يضبط الشعور بالاضطراب الذي يتملكه.
الأعمال التي يضمها المعرض وهي مئة عمل موزعة على مساحة الفي متر وتمثل نماذج مما ابدعته الفنانة منذ عام ١٩٧٠ حتى اليوم، تتكون من ادوات ومواد بسيطة ومنها المصفاة والمبرشة والكرسي والأسلاك وقطع الصابون وغيرها من الأشياء الشائعة الأستخدام.
لكن مقدرة حاطوم الفنية تكمن في قدرتها على التلاعب بالتفاصيل وتحويلها بحيث تصبح اشكالاً يتعذر على الناظر اليها ألا يشعر بالضيق او الألم او عدم اليقين واحياناً التهديد.
واعمال منى حاطوم ليست اعمال صفاء وسكينة بل ان كلاً منها يحمل على الشك والتساؤل حول عالمنا الواقعي وما يلازمه من عدم استقرار واضطهاد ونفي وطغيان بما يوحي انها «تفخخ» كل ما تستخدمه لفنها وتحوله الى موقف وقضية.
والمؤكد ان حاطوم التي ولدت ونشأت في بيروت ثم فاجأتها الحرب الأهلية اللبنانية اثناء زيارتها للندن عام ١٩٧٥ وجعلتها تلتحق بمعهد الفنون الجميلة البريطاني، مشاكسة واستفزازية في فنها وهذا على خلاف طبعها البالغ الرقة والهدوء.
ويشكل المعرض الحالي محطة أساسية في مسار حاطوم الفني لكونها تصنف ضمن طليعة الفنانين المعاصرين عالمياً ويُظهر المرحلتين الرئيسيتين في عملها وهي مرحلة الفن الأستعراضي الذي اعتمدته في الثمانينات واستخدمت خلاله جسدها الذي كان عندها جزءاً اساسياً من كل عمل.
تقول حاطوم إنها كانت تنتمي الى فئة الفنانين الذين كانوا يقاومون الفن التجاري لكنها، هي التي ترفض التعليب والتصنيفات الجامدة، قررت التنويع وخوض فن البناء الإنشائي لكونها لم ترغب في أن تعرف بأنها فنانة استعراضية.
ويضم المعرض الحالي اعمالاً من الفترة الأستعراضية ومنها عمل عنوانه «جسد غريب» وهو كناية عن صور فحوص لأمعائها عبر آلة الـ «اندوسكوب» وهو عمل مثير للأرباك والفضول في آن.
العمل الآخر من اعمال المرحلة الأولى اعتمدت فيه حاطوم الفيديو والتسجيل الصوتي لتلاوة رسائل كانت تتلقاها من والدتها من بيروت اثناء الحرب وفيها تأثر بالغ من جراء ما كان يدور في لبنان والمنفى المزدوج الذي كانت تعيشه لانفصالها عن أرضها وجذورها الفلسطينية.
ومن أعمال الفترة الثانية وهي بالغة التعدد والتنوع عمل يحمل عنوان «مدن بثلاثة أبعاد» وهي خرائط حفرتها الفنانة وتظهر التفاوت بين ما كانت عليه بيروت بغداد وكابول وما حل بكل منها نتيجة الحرب. وهناك ايضاً الكوفية التي نسجت بخيوط بيضاء وشعر طويل اسود و «الشبابيك الـ ١٢» وتتكون من مطرزات لنساء جمعية «انعاش المخيم» معلقة على حبال لا يمكن التنقل بينها بسبب الأسلاك المثبتة في الارض والجدران، في ترميز الى مصاعب التنقل بين المناطق الفلسطينية.
وحاطوم بالطبع متمسكة بأصولها لكنها مثلما ترفض أسر فنها ايديولوجياً ترفض اسر هويتها فهي تريد البقاء على تماس مع كل ما يحصل في العالم وللآخرين ذاك ان المشاعر وتعابيرها تتساوى اياً كان مطلقها وهذه التعابير لا يمكن ان تكون وقفاً على جماعة دون سواها.
يستمر المعرض حتى ٢٨ ايلول المقبل.
_________
*الحياة