*عبد الرحيم التوراني
خاص- ( ثقافات )
ما أن أفاق الموظف (جرير تامسنا) في وسط الليل لإفراغ مثانته، حتى وجد نفسه وقد تحوّل إلى أرنب.، أطل على غرفة نوم أولاده فوجدهم أرانب صغيرة بيضاء. صاح بأعلى صوته مرتجفا، فاستيقظت زوجته وأمه مذعورتين، هما أيضا تحولتا إلى أرنبين. انخرطتا في بكاء وأنين، تبعهما الأطفال ببكاء وصراخ.
صاح جرير الأب:
– ليس هذا وقت النحيب ياعالم
تدخلت أمه:
– لقد أصابنا سحر شيطاني عظيم لا ريب
– اتهمت الزوجة جارتهم القاطنة بالشقة المجاورة:
– هذه الأيام صادفت أكثر من مرة جارتنا السعدية ترش سائلا أسود بعتبة باب شقتنا..
قاطعها الزوج:
– وأنت بقيت تتفرجين على فعلها.. أهذا هو دورك في حماية زوجك وأولادك وأسرتك؟
ردت الزوجة الأرنب:
– أبدا، لم أكن متفرجة.. كنت أقوم فورا بمسح ما رشته السحارة من سائل..
تدخلت والدة جرير تامسنا :
– لو أخبرتني يا منحوسة للقنتك ما يجب عليك فعله في مثل هذه الحالة لإبطال السحر ..
ضاق جرير بجدال المرأتين: – دعونا من هذا اللغو.. هل لديكم حلا الآن لإبطال السحر وعودتنا إلى طبيعتنا الآدمية..
صمت الجميع. عادوا للبكاء والأنين ..
دار جرير بوسط الدار ثم لما طلعت الشمس خرج. دق جرس شقة جارتهم السعدية. سمع نحيبا وشجارا خلف الباب. لما فتحت له الجارة فوجئ بها، هي وكامل أسرتها وقد تحولوا إلى أرانب أيضا ..
جاءت زوجة جرير تامسنا وأرادت الاعتداء على السعدية:
– أرأيت أين أوصلتنا أعمالك الشيطانية يا سحارة؟
علق جرير:
– وانقلب السحر على الساحر.
ظلت الأرنب السعدية فاغرة فمها لا تدري بما ترد
ثم تشجعت وقالت::
– أنا لم أفهم شيئا مما تتفوهان به
ثم صعق الجميع لما رأوا السلالم والمصعد وقد امتلأت بالأرانب. فهموا أن السحر الشيطاني طال جميع سكان العمارة.
أطلت السعدية من النافذة فصعقت، صاحت:
– الشارع كله أرانب
اتصل جرير بقريب له في الحي البعيد من المدينة، فأتاه الجواب بأن المدينة كلها تحولت إلى أرانب. شيء لا يصدق.. ولا في الأفلام ..
سمع صوت إنذار عبر مكبرات الصوت :
– على جميع المواطنين المكوث ببيوتهم وعدم مغادرتها، السلطات العليا بالبلاد تعمل على تسوية الوضع وتخليص المواطنين من اللعنة التي أصابتهم، على الجميع البقاء أمام شاشة التلفزيون والراديو، رئيس البلاد سيخاطبكم بعد قليل.
لكن جرير قرر الخروج، لا يمكنه أن يتأخر عن موعد عمله. لما اقترب من الحي الراقي الذي توجد به الشركة التي يشتغل بها، سمع عواء ذئاب ونباح ثعالب، فتراجع خائفا هاربا إلى بيته.
ظهرت مذيعة ببغاء على شاشة التلفزيون تخبر المشاهدين أن ساكنة الأحياء الراقية تحولوا إلى ذئاب وثعالب مفترسة، وعلى ساكنة الأحياء الشعبية أن لا يقتربوا من تلك الأحياء المتوحشة.
وظهر مذيع كلب أغبر تكلم وقال إن الحكومة، في انتظار فك السحر وعودة الأمور إلى طبيعتها، تعمل جاهدة على استيراد كميات كبيرة من الجزر والخس لتوفير التغذية الضرورية لمواطنيها الأرانب
وفي ركن من أحد أزقة الحي اجتمعت قنافذ ملتحية، قال كبيرهم:
– لطالما نبهنا هؤلاء القوم بأن عدم اتباعهم لطريق الله سيسلط عليهم غضب الإله. ها هو الرب انتقم منا ومسخنا.
ورد عليه قنفذ أعمى:
– اللهم يا رحمان لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
في هذه الأثناء تقرر اجتماع أعضاء البرلمان، فوجئ الجميع بتحول البرلمانيين مع أعضاء الحكومة إلى قردة وخنازير.
اتهم رئيس القردة الدول المجاورة التي تحسدنا ويغيظها ما تتمتع به بلادنا من خيرات فلاحية ومعدنية، وما تتمع به دولتنا من استقرار سياسي وأمني عز نظيره في منطقتنا، بل في العالم أجمع.
تدخل خنزير بري باقتراح تنظيم هجوم بري كاسح على الدول المجاورة.
قال نائب قرد:
– يجب أولا حصر أنواع الحيوانات التي تحولنا إليها.
وأضاف:
.. – علينا تنظيم عملية إحصاء للسكان لنعرف من نحن وكم.
وتكلمت زميلته القردة العجوز من حزب الموز:
– أنا أساند اقتراح زميلي النائب المحترم، وأسأل هل تحول بعض أفراد الشعب إلى نسور أو أسود ليكون الهجوم ضد أعداء بلادنا حاسما و….
قاطعها خنزير وزير يحمل حقيبة وزارة الغابات:
– للأسف الشديد لم تصلنا إلا أخبار تحول الطبقات الشعبية إلى أرانب، وتحول الأغنياء إلى ذئاب وثعالب، فيما تحول البرلمانيون والوزراء، كما ترون، إلى قردة وخنازير..
ثم تابع مستدركا:
أما الكلاب والببغاوات فجلهم كانوا من الصحافيين وأسرة الإعلام..
وأضاف الوزير الخنزير:
– لقد وصلت تقارير عن تواجد مجموعة من الأفاعي والضفادع والبعوض عالقة بالطريق السيار على بعد كيلومترات من العاصمة …
بقيت الأرانب تنتظر خطاب الرئيس، ووصول شاحنات الجزر والخس التي وعدت بها حكومة الخنازير، لكن شيئا من ذلك لم يحدث..
وعلى شاشة القنوات الرسمية كانت تبث برامج حيوانات الغاب، وبرامج عن الحيوانات الأليفة والداجنة. كما تم بث أصوات نباح عبارة عن أناشيد وطنية لشد عزم الأمة.
في الليل هجمت الثعالب مع الذئاب على الأحياء الفقيرة وافترست عددا من المواطنين العزل الأبرياء. وأطلقت صفارات الإنذار لصد هجوم الذئاب والثعالب، وإيقاف تقدمها صوب القصر الرئاسي ومجلس البرلمان ومقر الحكومة..
بعد شد وجذب انصاعت الخنازير والقردة لقرار التفاوض مع الذئاب والثعالب، وأسفرت المفاوضات عن إقرار السلم الاجتماعي، وتعيين عدد الأرانب وصنفها المسموح بافتراسه، ومنها مجموعة من الأرانب المعتقلة لأسباب نقابية وسياسية، والأرانب المعطلة المرابطة أمام مقر البرلمان والوزارات.
في هذه الأثناء أدركت الأرانب خيانة القردة والخنازير، وبدأت تفكر في الاعتماد على نفسها، ونزع الخوف منها، والسبيل إلى الحصول على تسليحها الذاتي.
أصبحت البلاد محط اهتمام العالم، وصلت أعداد كثيرة من الصحافيين والمراسلين الأجانب والقنوات التلفزيزنية العالمية لتغطية الحدث الاستثنائي الغريب.
فيما انتشرت إشاعات عن رئيس البلاد وأسرته، فمنذ تحول الساكنة إلى حيوانات لم يظهر للرئيس أثر، ولم يتوجه للشعب بخطاب كما وعد، بل إن ذكرى عيد ميلاده مرت من دون احتفالات شعبية.
البعض روج خبر فرار الرئيس وأسرته خارج البلاد قبل الجائحة اللعينة، آخرون قالوا إن الرئيس وعائلته تحولوا إلى أسود. لكن قناة أمريكية بثت صورا لحشرات القراد التي تعيش على امتصاص دماء الحيوانات، وذكرت أنها صور حصرية ملتقطة بأحد المنتجعات لم تحددها مكانها، وأكدت أنها صور للعائلة الحاكمة.
وكان الخبر الرئيسي في نشرات الأخبار الدولية هو قرار مجلس الأمن بإبادة البلاد المتحولة كي لا تنتقل العدوى إلى باقي دول العالم.
.