“سيلفي”..هل تنجح الدراما في ما أخفق فيه الإعلام الرسمي؟


* منى شكري

بمجرد عرض الحلقتين الثانية والثالثة من المسلسل الكوميدي الناقد “سيلفي” اللتين تعالجان قصة أب بسيط يحاول إنقاذ ابنه و”عقله” من براثن التطرف، حتى تعرّض بطل العمل الفنان السعودي ناصر القصبي لهجوم وحملة تحريضية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وصلت حد تكفّيره والتحريض على قتله من تنظيم “داعش”، باعتباره يسيء للإسلام ويستهزئ بالتنظيم.

وكان أنصار التنظيم أطلقوا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” هاشتاغ # مطلوب_رأس_ناصر_القصبي_للمجاهدين، ودعوا إلى قتله، أو إيذائه، ليكون عبرة لكل من يحاول الاستهزاء بالتنظيم!
ومن أشهر التغريدات المتداولة بهذا الصدد “أقسم بالله لتندم يا زنديق.. لن يرتاح بال المجاهدين في الجزيرة حتى يفصلوا رأسك عن جسدك والأيام بيننا”.
من ناحية ثانية، انتشر هاشتاغ # ناصر_القصبي_يستهزئ_برجال_الدين، كالنار في الهشيم عبر “تويتر” أيضاً، حيث كال كثير من المغردين الشتائم للفنان في تغريدات اتهمته بـ “الزندقة”، وأخرى “لعنت وشتمت” مكفرين بطل العمل ومؤلفه ومتهمينهما بالإساءة إلى الدين، في حين دافع آخرون عن طرح العمل الدرامي الذي ضرب على وتر فضح الممارسات الوحشية للفكر المتطرف وتلك التي تُقترَف باسم الدين.
ومن بعض التغريدات التي تتبعتها “ذوات” يقول أحدهم: “أراد لمسلسله الشهرة، فلم يجد إلا الدين ليوصله لذلك وما علم أنه قد يؤدي به إلى هلاكه في الدارين”، وغرد آخر موجهاً الحديث للقصبي أيضاً “سلمت منك كل العقائد الفاسدة، ولم تجد إلا أهل السنة والجماعة، اللهم من عليه بالهداية أو خذه أخذ عزيز منتقم”.
البعض اعتبر ما أقدم عليه فريق عمل “سليفي”، الذي حقق أعلى المشاهدات والتغريدات خليجياً، أثمر وكان أشد تأثيراً مما قدمه الإعلام الرسمي من جهود ضد التطرف، معتبرين ذلك أكبر تأكيد لدور الفن في التغيير الإيجابي، باعتباره رسالة تتعدى حدود التسلية والإمتاع.
وجاء رد القصبي على التهديدات بقوله عبر تغريدة له: “حسابي الآن يطفح بالشتامين والمهددين واللاعنين بكل فنون اللعن والتهديد والشتم، فأقول لهم قليلاً من الهدوء ورمضان كريم وترى حنا بأول يوم”.
وكان القصبي صور في مسلسله الذي يُعرض على قناة “إم بي سي” داعش بأنه يشجع على “جهاد النكاح”، ويدعو إلى القتل العشوائي لكل من هو “كافر”، ويفضح ممارساتهم الشاذة باسم الدين؛ “هنا في أرض الجهاد، تكسب الدنيا والآخرة،يوجد مهاجرات جميلات لنكاح الجهاد”! وفي مشهد آخر يبدأ أشخاص يؤدون أدوار مقاتلين متشددين في “سوق لبيع الفتيات” في انتقاء بعضهن من صف طويل من “السبايا”. ويعلو صوت القصبي الذي بدا لهم ساذجاً قائلاً “يا جماعة.. هذولا أطفال.. حرام عليكم.. خافوا الله”. ليرد عليه منظم المزاد “استغفر ربك”!
لتبلغ الحكاية ذروتها في المشهد الأخير، عندما يضع الابن السكين على رقبة “القصبي” متطوعاً لذبحه، والوالد في عالم آخر ينظر إلى الأفق، وهو يرقب نفسه ويلاعب ابنه طفلاً على الأرجوحة في واحدة من أكثر اللقطات الدرامية العربية تأثيراً!
“ذوات” تستطلع في هذا التقرير آراء عدد من الكتاب والباحثين حول كيف يمكن للفن أن يفضح ممارسات “داعش” ووحشية الفكر المتطرف؟ وما هي أبعاد التهديدات التي تلقاها بطل العمل الدرامي “سيلفي” على حلقتين كشف فيهما عن أفعال التنظيم الوحشية، وهل في ذلك دلالة على فشل الإعلام الرسمي في محاربة هذه التيارات؟ وما سبب انحياز البعض ضد الفن، عندما يتطرق لظاهرة مرتبطة بالدين، إلى حد الدفاع عن “الإرهاب”؟
تطهّر ظاهري
الباحث في الفكر والفلسفة الأكاديمي د. نارت قاخون، أوضح أن دور الدراما في كشف منظومة التخلّف والفساد في الواقع العربي ظاهراً وباطناً “مهم ومحوري”، إذ ينبغي للدراما أن تقوم به حقّ القيام، إن كان القائمون عليها على قدر هذا الوعي والمسؤولية.
وينوه إلى أن ما قدّمه الفنان ناصر القصبي من تجسيد لوحشية “داعش” وخروجها عن كلّ سياق إنسانيّ ودينيّ وحضاريّ “أمر يُحمد له”، لكن هذا التجسيد لا ينبغي أن ينسينا أنّ الأمر أعقد وأعمق من هذه المعالجة “الاختزالية” التي تنجح في إثارة ردود الأفعال السريعة المتشنّجة “المتطرّفة”، سواء من الرافضين لما قدّم، أو المؤيّدين له؛ مشيراً إلى أن “منظومة الخطاب الذي تقدّمه بعض المحطات أحد أهمّ أسباب الظاهرة الداعشيّة في الواقع الذي نعيش”، متابعاً تقوم هذه المحطات بـ “تأسيس الأرضية للفكر الداعشي برعايتها للفكر السلفي من جهة،ورعايتها للنمط الاستهلاكي الرأسمالي التشييئي الذي يختزل الإنسان في كونه “شيئاً” قابلاً للتسعير والربح” من جهة أخرى.
ويبين قاخون لـ “ذوات” أن ما قدّمه القصبي في أعماله السابقة وفي عمله الذي يعرض حالياً من نقد لمنظومة الفكر السلفي المتطرّف الذي ترعاه المؤسسة الدينية لا يشكّل أكثر من “تطهّر ظاهريّ” يكتفي بنقد “ظاهر” هذا الفكر دون أصوله الفكريّة والماديّة، لافتاً إلى أنّ الغاية من مثل هذه البرامج تقديم صورة عن “التنوّع المسكوت عنه في المجتمع السعوديّ”.
ويتابع “هي غاية أوافقها جزئياً، وكنت أرى أنّها غاية يمكن دعمها، لكنها في المآل تنتهي إلى تقديم تنوّع شكليّ لا يمسّ الجذور المؤسّسة لهذه الظواهر الداعشيّة المنتشرة في النسق الثقافي والديني والسلوكيّ في الواقع العربيّ”.
ويرى قاخون أن القاعدة الإعلاميّة تقول: إن السخرية من ظاهرة ما لا تؤدي إلى إضعافها، بل إلى تقويتها أحياناً كثيرة، ومعيار الأثر هو أن ننظر إلى أثر مثل هذا العمل في المتلقّين، فسنجد أنّ الرافضين للظاهرة الداعشيّة هم أكثر الناس احتفاء بالعمل، لكن في المقابل فإنّ المتعاطفين مع هذا الفكر المسكونين بالداعشيّة زادهم العمل إيماناً بأنّهم على حقّ، ودليلهم: انظروا هذا “العمل” وهل يهاجم إلا الحقّ؟، ومن هنا لا يظنّ قاخون “أنّ هذا العمل سيدفع المتعاطفين مع الفكر الداعشيّ إلى مراجعة فكرهم والفكر الداعشي، بل سيتمسكون به أكثر”.
ولكن بعيداً عن ذلك كلّه، يرفض قاخون بكلّ الأشكال هجوم السلفيين على عمل “سليفي”، وحملتهم التكفيريّة، بل يرفض بكلّ قوّة أن يُنظر إلى أي نقد للداعشية بوصفه نقداً للإسلام، بل هو مؤمن بحرية الفن في النقد، “فالفن لا يواجه إلا بالفن”.
واقع لا خيال
وكان القصبي صرّح في لقاء أجري معه عبر برنامج “تفاعل كوم” :”إن الحامي هو الله ،وإن عمل سيلفي هو جهاد أيضاً في اعتقادي، ضد من يعتقدون أنهم يجاهدون”.
وتابع “مهمة الفنان هي كشف الحقيقة حتى ولو كانت على حسابه، وهذا ثمن يجب أن ندفعه. ولو كنا غير جادين لبقينا في بيوتنا”.
أما كاتب العمل خلف الحربي، فبين في اللقاء ذاته أن “الخوف ليس على حياته وحياة ناصر القصبي، وإنما الخوف الحقيقي هو على أمن البلد وعلى أبناء البلد الذين يذهبون ولا يعودون”.
واعترف الحربي بعجزه عن تصوير كل “بشاعات داعش”، منوهاً إلى أن “ما عرض في “سيلفي” قليل من كثير موجود في الواقع وليس من الخيال”.
لا شيء خارج النقد
وفي السياق ذاته، ترى الروائية الأردنية سميحة خريس أن الموقف السلفي من الفن عموماً، ومن تكفير ومهاجمة عمل “سيلفي” في الحلقات التي تتناول ما تقترفه “داعش” من جهة ثانية، “منسجم تماماً مع التفكير التكفيري”، مشيرة إلى أن هؤلاء لا يعتدون أصلاً بالفن ويحرمونه ولا يطيقون الطرح النقدي.
وتؤكد خريس أن للفن “دوراً مهماً، فهو الأكثر قدرة على التأثير وإقناع العامة في ضرورة التغيير شريطة أن يقدم بذوق وجمال وبصورة راقية تجذب المتلقي وتخاطب عقله ووجدانه”.
وفيما يتعلق باستعداد البعض للدفاع عن الفكر “الإرهابي الداعشي” وتبرير سلوكياتهم والانجراف مع ميولهم نحو “تكفير الفنانين”، فتعزوه خريس إلى “الخوف والجهل الذي ساد أوساطاً كثيرة، ممن يتمتعون بنظرة ضيقة ترى من جانب واحد، ممن يظنون أنهم يدافعون عن الدين غير أنهم يشوهونه ويصورونه كما لو كان عماء”. مشددة على ” أن لا شيء خارج النقد، والأهم لا شيء خارج التفكير”.
نفايات فكرية !
من جهته، يرى الروائي والإعلامي الأردني يحيى القيسي أن مأساة العرب اليوم تكمن في أمرين؛ التطرف الجاهل الذي يحتمي بالقداسة، والغياب الفادح للنخبة، والنوم عن دورها المأمول، وفي ظل هذين الأمرين يخوض الخائضون، ويتنطع العوام لردود الفعل الأولية من الصراخ والشتائم والتخندق مع هذه الجهة أو تلك فيما يضيع الحق، ويتوغل الشر بلا هوادة
ويتابع القيسي حديثه لـ “ذوات” أن كثيراً من الفنانين والأدباء تخلّوا عن دورهم، ورضوا بالغياب بحجة أن “أمر الدين لا يعنيهم من قريب أو بعيد، وخصوصاً أولئك الذين يجاهرون بالإلحاد من اليساريين، ولم يعرفوا أن سيف الشيطان سيطالهم قريباً إن لم يسهموا في إيقافه بفكر مضاد وتنوير للمجتمع عن الخطر الداهم”.
وينبه إلى أن الركون إلى مسيرة التخلف التي تقودها فئة من المتطرفين المضللين القتلة، وغياب الفعل المضاد سواء عبر الفن أو الكتابة أو الإعلام إضافة بالطبع إلى العمل الميداني “سيزيد من تعقيد الأمر على أرض الواقع”، منوهاً إلى أن المخيال الداعشي “يرش على الموت سكر” كما يقول المثل، ويحرض مجموعة من اليائسين على قلب هرم ماسلو رأساً على عقب، حيث يغدو الموت خياراً بديلاً للحياة، ذلك أن الترويج لحياة أخرى مع ملذات حسية صارخة يبدو حلاً سريعاً ومؤثراً عند الكثير من المتدينين التقليديين والمحبطين.
ويشدد على أن مأساتنا اليوم لا تكمن في أولئك الدواعش الظاهرين بكل إرثهم الذي يبدو بائساً ومضللاً، وبعيداً عن الدين القيم الذي ينحاز لإعمار الأرض ونشر السلام والأخلاق، بل في أولئك الداعشيين الذين بربطة عنق أنيقة وحذاء ملمع فيما تعج رؤوسهم بالنفايات الفكرية، وهم على أهبة الانفجار، مثل أية سيارة مفخخة في أية لحظة، لهذا ينبغي العمل في مسارين، الأول لأولئك الظاهريين، والثاني لأصحاب التقية الباطنيين وهذا أمر يجب أن يبدأ الآن حتى لو فات الأوان!
الإعلام والصورة
الكاتب الفلسطيني د. أسامة عثمان، يقول لـ “ذوات” أول ما يتبادر إلى الأذهان في هذه المواجهة بين عموم الناس و”داعش” الوسيلةُ المستخدَمة، وهي الإعلام والصورة، فكما برعت “داعش” في توظيفه وتوظيفها بتقنيَّة مُبهرة، فإن الردَّ الدراميَّ عليها جاء أيضاً، ذا فاعلية تتَّسم بالعموم والتكثيف المبسِط. كما جاء معتمداً على مفاهيم بسيطة ومشهورة على ظاهر الكفِّ، عن الإسلام وطابعه الحريص على الروح الإنسانية بعامّة، وروح المسلم الذي لا يجوز تكفيره، واستحلال دمه، بمجرَّد الشبهة، أو حتى الاختلاف.
ويقول عثمان عند الحديث عن أبعاد التهديدات نتوقف على كيفية تلقِّيها، والتفاعل معها، ليس من قِبَل بطل العمل نفسه فحسب، بل من المحيط الثقافي والإعلامي والعلمي؛ حتى لا يكون “داعش” هو الخصم والحكم.
ويتابع: ربما لا يدلُّ ما تلقّاه ناصر القصبي من تهديد بالقتل على فشل الإعلام الرسمي، بالضرورة، وإن دلّ على كثافة التأثير الذي أحدثتْه الحلقتان؛ ذلك لما للدراما، ولا سيما التي تتمتَّع به الحلقات قصيرة الوقت، والمتسلطة على نحو واضح وصارخ وكوميدي ناقد على ظاهرة ما، من جاذبية ونفاذ. وسبق لأعمال دراميّة مصرية أنْ أحدثت هزَّةً مماثلة في مصر، إبّان ازدهار (الجماعات الجهادية) في التسعينيّات من القرن المنصرم.
ويستدرك عثمان إن الإعلام الرسمي والخطاب الثقافي عموماً قد يعاني قصوراً في مواجهة “ظاهرة داعش”؛ لأنه يتناولها إمّا تناولاً سطحياً بالأدوات القديمة التي تكتفي بإطلاق أحكامٍ قِيَمِيَّة، كالإرهاب والإقصاء وغيرها، دون النظر في الأفكار ذاتها التي يجذب بها هذا التنظيمُ أفراداً، أو شباباً، من أنحاء العالم.
فالخطاب المواجِه لداعش يتطلَّب، وفق عثمان، تنوعّاً واعتماداً على الجوانب المختلفة في الظاهرة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً. وعلى نحو علميٍّ أولاً، دون التهوين من الأساليب الإعلامية، لكن المستندة، أو المستفيدة من تلك المعطيات السابقة، وغيرها.
وبخلاف ما سبق، قد يتناول الإعلام الرسمي ظاهرة داعش تناوُلاً متجنبّاً الخوض الجادَّ في الأسباب والظروف التي ساعدت وتساعد هذا التنظيم الهشّ فكرياً، ولكنه المتَّسم بالذكاء الانتهازي، ولا سيما الإعلامي في استثمار التوازنات المختلَّة،أو المُفتَقَدة، وأبرزُها، بحسب عثمان، ما يحدث للسنة في العراق وسورية من تهميش. أو تلك المظالم التي تحدث داخل المجتمعات على خلفيّات اقتصادية، والإخفاق في استيعاب الشباب، وجدانياً وعملياً.
تلك الاختلالات التي يُسهِم الإعلامُ نفسُه في تظهيرها؛ من خلال تركيزه على البعد الاستهلاكي والإبهار؛ ما قد يعزِّز الشعورَ بالحرمان والتهميش، ويدفع إلى البحث عن مناطق أخرى، ولو سلبيَّة للأسف، للتحقُّق والفعل.
فالخطاب الرسمي يحتاج، وفق قول عثمان، إلى أدوات خطابية ذاتية، كما أنه غيرُ مستغنٍ عن خطاب سياسيٍّ مُواز، بل عن ممارسة مُحَوْكَمة، وليس قوانين فقط، بل وممارسات منزَّهة عن الطائفية.
ويرجع عثمان أسباب البعض في الانحياز ضدّ الفن إلى صورة الفن المسبقة لديهم، من كونه وسيلةً للتسلية والتهريج، أو أنه وسيلة للإفساد الخلقي، وَفق المرجعيَّات المتحكمة في هذه الفئات، وقد يجدون؛ للأسف غير قليل من الأعمال الفنية التي تشهد لهم، هذا الأمر يولّد لديهم حساسية مسبقة، قد يحرمهم، من رؤية كلِّ عملٍ على حدة، وقد يدفعهم توجسهم إلى المبالغة في التخوُّف والهجوم الاحتياطي المتأهِّب ضدّ أيِّ خوف غير واعٍ من المساس بالدين أو المقدَّسات، وعدم القدرة على الفصل بين تجسيد ظاهرة ما، وتأييدها معها، وعدم القدرة على التفريق بين نقد الأشخاص المشتغلين في الدين مثلاً، وبين نقد الدين نفسه.
حريّة الفن.. مسؤولية الفنان
من جانبه يشير الكاتب والناقد العراقي ماجد السامرائي إلى أن الفنان العربي، وبالتالي الإنسان العربي، لم يعش أزمة حرية تعبير كالتي يعيشها اليوم. لقد “فتكت” بالاثنين معاً، الفنان والإنسان، قوىً لا يمكن النظر إليها إلا كونها قادمة من خارج التاريخ، وتعمل، بـ “وسائل الفتك” التي تمتلك، على إخضاع كل شيء لإرادتها، وتلبية ما تريد وبه ترغب. أما إذا “زلّت” بفنان رؤيته، وبكاتب كلمته، ولم تجد فيهما الانطباق والتطابق مع ما ترى، فإن “القصاص” هو الحكم الذي تُسريه عليه!
ويتابع السامرائي حديثه لـ “ذوات” حين كنّا بالأمس القريب نعيب على “النظام الشمولي” الذي فرضه وجود “الحزب الواحد” على رأس السلطة، في ما يتخذ من مواقف (وصفناها بالقاسية) إزاء “حرية التعبير”، لم نكن نلتفت إلى “الشمولية الإسلاموية” التي تُحاصر الفنان والمثقف وحرية التعبير في غير بلد ومكان من بلداننا.. ذلك أن انشغالنا بما كنا نراه الأكبر، والأوسع، والأكثر رفعاً لشعارات الحرية الزائفة، ومصادرة كل حرية خارج “حريته”، قد أبعدتنا عن هذا الذي يظهر اليوم، فيحصرنا في محيط ضيّق، ويُحاصر كلمتنا فلا يُتيح لها الامتداد بما تحمل من ضوء لكي لا تكشف ظلاميته.
ويردف غير أن انهيارات “المعسكر الشمولي”، و”تداعي الانكسارات” في البلدان المقلِّدة له، أتاح لهذا “البديل الكامن” أن يتكلم باسم الدين، وينسب إلى الدين ما ليس منه.. ويجد في غياب “المثقف التنويري”، وتراجع الرؤية الثقافية التي كان أسس لها، فرصته التي لا فرصة من بعدها، متخذاً منحيين، إن قال كل منهما بالاختلاف مع الآخر وتخالف المسارات بينهما، فإنهما يلتقيان عندما يعملان على إشاعته من تجهيل وإشاعة ما هو ظلامي.. وهما: منحى “الأصولية” التي أحيت المَيْتَ، واستعادتْ المُتَخطّى من “أحكام السلف”.. ومنحى “الطائفية المذهبية” بما يحكمها من انغلاق، وتنفرد به من مقومات “التفكير الاتباعي”، فهي “تُقلّد” و”لا تُبدع”.
هذه الحالة التي نعيشها اليوم بأشد صورها ارتداد للظلامية والظلام، نواجهها بأشد حالاتها إرهاباً. فهي لا تكتفي بتقديم ما لها من “أطروحات”، وإنما تضع البندقية إلى جانب الكلمة، والسيف حدّ الحنجرة. وواضح مصير من ينطق بما لا تريد وفيه تذهب!.
أمام هذا تكون مهمة الفن هي الأصعب، ودور الفنان هو الأشق.. ليسأل كل منهما، ونسأل معهما: هل في مقدورنا اليوم بناء عالم حقيقي؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه الفنان والفن في ما تتطلّع إليه الإنسانية من مسار جديد للتاريخ نريد مشاطرته فيه؟
_______
*ذوات

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *