مشهد من الفيلم
إبراهيم الملا
بعد عرض فيلمه الروائي الطويل الأول «دلافين» في الدورة الحادية عشرة من مهرجان دبي السينمائي، كتجربة إبداعية جديدة سبقتها تجارب متميزة وإسهامات واعدة في حقل الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة خلال العشر سنوات الماضية، يعمل المخرج الإماراتي وليد الشحي هذه الأيام على تنفيذ فيلم تحريك قصير يعتمد مواصفات خاصة ترتكز بشكل أساسي على تقنية (الستوب موشن) Stop Motion، والتي تعد من التقنيات والأساليب الصعبة والمكلفة والمرهقة فنيا، كما أن التجارب المنفذة بهذه التقنية في الإمارات ومنطقة الخليج تعد على أصابع اليد، قياسا إلى الأفلام الروائية التي ازدهرت وتنامت بشكل مطرد خلال السنوات الماضية.
حول طبيعة فيلمه الجديد والخبرة الذاتية التي اكتسبها بعد فيلمه الطويل الأول «دلافين» وتوقعاته للمشهد السينمائي المحلي في الفترة القادمة، تحدث الشحي لـ«الاتحاد»، وأجاب بداية عن سؤال متعلق بماهية وخصوصية (الستوب موشن) فوصفها بالتقنية المعتمدة على حركة الدمى والمجسمات التي يتم تجهيزها وتوظيفها كي تروي حكاية ما، يصوغها المؤلف أو المخرج بأسلوب يقفز فوق حدود الواقع ويتجاوزه نحو مناخات افتراضية ومتخيلة تقدم صورة مجسّدة للمعاني والأحاسيس المراد إيصالها للمتفرج.
وأضاف الشحي بأن مصطلح (الستوب موشن) يجمع بين مفهومين قد يبدوان متناقضين في الظاهر وهما: الثبات والحركة، وبالتالي فإن الجمع بينهما من خلال هذا التوليف الفني الجديد يعتبر صعبا ومعقدا، ولكنه يؤدي إلى نتائج مدهشة ـ كما قال ـ على صعيد البنية البصرية العامة التي تتحرك في فضائها هذه الدمى وتعبّر عن ذاتها وتروي قصتها من خلال هذا الفضاء الأشبه في النهاية بالأستوديو المصغر المعتنى بمحيطه وبتفاصيله الصغيرة جيدا، من أجل خدمة وتعزيز الخط العام للقصة.
وأوضح الشحي بأن الفكرة التي قامت عليها هذه التقنية موجودة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، وتم استخدامها في أفلام نفذت في تلك البدايات المبكرة بالأبيض والأسود مثل الفيلم الشهير (كنغ كونغ) ولكن شاع استخدامها مؤخرا، في أفلام التحريك التي لقيت رواجا كبيرا لدى جمهور الصالات السينمائية خصوصا بعد التقدم التكنولوجي وتطور المؤثرات السمعية والبصرية التي أضافت مزيدا من الإبهار والتشويق في هذه النوعية من الأفلام، وخصوصا تلك الموجهة بصيغتها التجارية لفئة الأطفال والمراهقين.
ونوه الشحي إلى أنه يعمل ومنذ ثلاثة أشهر للإلمام بالجوانب المهمة والأساسية لهذه التقنية مشيرا إلى أن كلفتها عالية ماديا وصعبة ومعقدة إجرائيا، حيث إن آخر أفلام هوليوود المنفذة بهذه الطريقة والمضاف إليها تقنية الأبعاد الثلاثية وشخصيات الغرافيك المساعدة، وهو فيلم «بارانورمال» الذي شاهده جمهور الصالات قبل عدة أشهر، كلف ما يوازي الستين مليون دولار، واحتاج إلى طاقم فني وصل عدده إلى 400 شخص.
وحول نوعية الحكاية التي يقدمها في فيلمه الجديد، أشار الشحي إلى أن فيلمه يخلو تماما من الحوار، ويعتمد بشكل كبير على المؤثرات السمعية والموسيقية وهو يروي حكاية أب مع ابنته يعيشان حالة عزلة كاملة عن الآخرين وفي بيئة إماراتية شعبية وقديمة، وأضاف بأن الدافع الأساسي من وراء تنفيذ هذا الفيلم وبهذه التقنية بالذات يتمثل في الجاذبية البصرية والتكوين الغرائبي الذي يسمح بتداخل الواقعي مع الخيالي، بحيث يشعر المشاهد أنه أمام دمى ومجسّمات تمتلك انفعالات خاصة بها، وتتوفّر على نزعة إنسانية تعبّر من خلالها عن مشاعرها بشكل عميق وملفت، يكسر الثنائية الجامدة والمتضادة بين المادة والروح، وبين الثابت ظاهريا والمتحرك وجدانيا.
وأوضح الشحي أنه ينوى المشاركة بهذا الفيلم في الدورة القادمة من مهرجان دبي السينمائي ضمن مسابقة المهر الخليجي للأفلام الروائية القصيرة.
وحول الصدى العام والخبرات الذاتية التي راكمها واستفاد منها بعد عرض فيلمه الروائي الطويل الأول «دلافين» في مهرجان دبي السينمائي والمتوقع أيضا عرضه خلال الفترة القادمة بصالات السينما المحلية، أكد الشحي أن أهم الإيجابيات التي استمدها من الفيلم هو تجاوزه لحاجز الخوف المصاحب لخوض غمار الأعمال السينمائية الطويلة، كما أنه امتلك خبرة مضاعفة وعاش تجربة ثريّة ومثيرة وحافلة بالتحديات منذ دخوله فعليا وفي الأيام الأولى لعمليات التصوير، مضيفا أن هذه المغامرة المتعلقة بتنفيذ فيلم روائي طويل أجّجت في داخله الرغبة للدخول في تجربة ثانية مع ذات المؤلف الذي صاغ حكاية فيلم «دلافين» وهو الكاتب والشاعر والسيناريست أحمد سالمين، وبأقل التنازلات والسلبيات والأخطاء التي واجهاها معا في التجربة السابقة.
وعن توقعاته لمسار الحركة السينمائية المحلية، أعرب الشحي عن قلقه وتخوفه من غياب الحاضنة أو الواجهة التي يمكن أن تستقبل نتاجات صناع السينما المحليين والخليجيين والعرب، خصوصا أن كل المؤشرات كانت تتجه نحو تكريس الإمارات كمنصة كبرى وحاضنة أساسية للسينما في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط بعد هذا التراكم الفني والنوعي للذائقة السينمائية.
الاتحاد