*إستبرق العزاوي
صدرت حديثا ًللقاص العراقي المغترب نشأت المندوي عن دار ميزوبوتاميا – بغداد، المجموعة القصصية الجديدة حينما يتكلم الجسد” وتقع المجموعة في 96 صفحة من القطع المتوسط وتنوعت موضوعات القصص ومعالجاتها السردية، في إطار حالة من التجريب، إستندت الى آليات سردية تماهت بين حالة التهويم والاسلوب الشاعري عبر حالات الوصف الدقيق لمشهديات مختلفة، واتسمت اللغة بطاقة تعبيرية أكسبتها بعدا ًدلاليا ًساهم في تنشيط حال التأويل.
وعمد القاص الى إيجاد حالة من التوازن بين آلية اشتغاله، ففي الوقت الذي حافظ على عنصر تنامي الحدث للدفع ببنية السرد قدما ًنحو تخوم نهايتها التي جاءت معظمها مفتوحة على احتمالات مختلفة، نراه يهتم بجماليات المعمار اللغوي والايقاع بإستخدام الصور الموحية في عملية الوصف والبوح، ويحاول توظيف عنصر المجاز في بعض النصوص التي اقترب نسيجها اللغوي من لغة القصيدة الشعرية.
ولاشك أن هذه الاستخدامات جاءت بوصفها أساليب إيحاء وطرق تعبير ومحاولات لخلق صور جمالية تجذب القارئ لمتابعة نسق الحكاية وتحولاتها الدرامية، والمـتأمل لنصوص هذه المجموعة القصصية يمكنه رصد ثمة رسائل حول موضوعات متعددة الأغراض، منها اجتماعية، وثقافية، وعقائدية.
ويبدو جليا ًأن القاص نهل من ذاكرة المراهقة والشباب المبكر بعض المواقف العابرة التي تحمل معاني َموضوعية قاوم بتطويعها ضمن إطار مفترض لمشروع حكائي تقاسم أطرافه الواقع والخيال في خلطة جميلة تحمل مزايا السرد الحديث وتنوع الخطاب فيها عبر وجود أكثر من صوت فضلا ً عن صوت بطلها الرئيسي (الراوي).
ومن المظاهر الملفتة في هذه المجموعة هو تجسد الثنائية بين الجموح الرومانسي المغلف باللغة الشاعرية، والنزعة النثرية فضلا ًعن مظاهر النزعة القصصية التي اعتمدت على الانضباط اللغوي الدقيق الذي يستهدف إبراز المعنى عبر تراكيب مكثفة ومضغوطة مع الالتزام بالقالب الفني للقصة القصيرة التي مازال الكثير يراهن على وجودها بفعل إزدهار سوق الراوية ورحابة فضائها.
فالحكاية في هذه المجموعة تبرز كملمح أساسي ضمن مساحة المتن من خلال أسلوب القص الذي يعمل على جذب القارئ عبر سياق حكائي مختزل بالأحداث ومُسهب في تصوير تفاصل الحدث وملابساته والذي يُعد المكان أحد أبرز العناصر التي ساهمت في تفعيل خيوط الحدث لا سيما حينما يتجلى المكان أحيانا ًبوصفه بطلا ً لبعض الحكايات، فالمكان برز في بعض نصوص هذه المجموعة كحالة ساهمت في تفعيل طاقة النص وتشكيل مفرداته السردية.
القاص اشتغل على إيجاد منظومة لغوية مكثفة ضمن سياق لغوي راعى خلالها ترتيب الاحداث إستنادا ً الى مسبباتها وما يتمخض عنها من مخرجات منطلقة من بؤرة مركزية غالبا ًما تنطلق منها وجهة النظر، ولكن ذلك لم يغيبْ تعدد زوايا النظر، فمن الحوار الداخلي للراوي تنبثق أحيانا ً أصوات لشخصيات موجودة.
وفي المحصلة حاول القاص أن يبني َعالما ًقصصيا ً خاصا ًمن خلال مقترحاته الجمالية على فضاء النص بدءاً من اللغة ومرورا ًبإختيار الشخصيات وتوجهاتها الفكرية، وإنتهاءً بمخرجات الصور التي اجترحها خياله لانتاج سيمياء مشهده القصصي الذي يريد إيصاله الى المتلقي.
وتضمنت المجموعة بضعة نصوص قصيرة جدا ًلم تتجاوز الثلاثة سطور خرجت بلغة تلغرافية تعبيرية تحمل مضامينها الانسانية من خلال عبارات مكتنزة ضمن قالب فني امتزجت نكهته بين قصيدة النثر وأنماط حداثة القصة القصيرة جدا ًفي هذه المجموعة بدا واضحا ًأن القاص المندوي إنحاز الى عالم الحداثة فحاول توظيف ما أمكن من وسائل للخروج بخطاب سردي منفتح على فضاء حداثي.
________
*ميدل إيست أونلاين