انتصاراً للساحرة الشريرة



*بسمة النسور

بمناسبة تمثيلها دوراً صعباً مركباً، تحلم سائر نجمات هوليوود الأكثر شهرة بتأديته، نظراً للجماليات الكثيرة المتوفرة في الشخصية، وكذلك مساحة استعراض العضلات الإبداعية المتاحة في شخصية الساحرة الشريرة (مالفست)، النسخة الحديثة المختلفة، المقتبسة بذكاءٍ يحترم العقل، ولا يمس نضارة المخيلة من فيلم الجمال النائم، أو الأميرة النائمة بحسب الترجمة العربية، وهو واحد من أهم كلاسيكيات (والت ديزني)، شركة الإنتاج الشهيرة، وقد تخصصت في آليات إدامة الطفولة إلى أبعد مدى ممكن، وأثرت مخيلاتنا المكتظة بعوالم تلك الشخصيات الشيقة المثيرة التي كبرنا على حبها، وهو الفيلم الذي أنتجت (والت ديزني) نسخته الأولى عام 59، وترجمت ودبلجت منذ ذلك الحين إلى جميع لغات العالم، ولم يتم الخروج في أي منها عن النص التقليدي الأصيل الذي يفصل، بشكل قطعي واضح، بين المتناقضات في الحياة. 
ورداً على سؤال في حوار تلفزيوني حول أكثر الوحوش التي تثير رعبها في الحكايات الخرافية، قالت المبدعة الجميلة، وهي التي تجسد ببلاغة فكرة اقتران الذكاء بالجمال والحس الإنساني النبيل والمرهف، إنجلينا جولي: الوحوش لا تخيفني أبداً، إنما يثير رعبي التكوين النفسي الهش للأميرة الطيبة المسكينة الساذجة البليدة، لأنها تعتقد، على الدوام، أن كل شيء على ما يرام، استنادا إلى يقين أن الأقدار منحازة لها بالمطلق. ومهما واجهت من صعابٍ وعوائق، فإنها ستخرج من أي مأزق بسهولة، بفضل تدخل الجنيات الطيبات المرابطات الراهنات أعمارهن في سبيل حمايتها. وتؤكد إنجلينا أنها، مثل طفلة صغيرة بخيال جامح، أحبت الساحرة الشريرة، بل فتنت بها، وبذلك الغموض والقوة والقدرة على تغيير المصير، وكذلك الغضب والأسى والكراهية وروح الانتقام والشر المحض الذي يحيط حضورها الآسر المجلجل. لذلك، تحمّست جداً للقيام بهذا الدور الذي يسرد حكاية تشكل الشر في الروح واستقراره، هوية وملامح فارقة. 
تكمن خصوصية هذا الفيلم البديع، وأهميته، في أنه ينطلق من حكاية الساحرة الشريرة نفسها، فينتصر لها ولعذاباتها وخيباتها الكثيرة، ويتبنّى إفادتها مصدراً موثوقاً، فيزيح النقاب عن الجانب الخفي المسكوت عنه، بتواطؤ جمعي، يميل إلى السهل والمكرس والمحدد، لنكتشف أن الساحرة الشريرة، وقبل أن يحلّ السواد في روحها، كانت امرأةً نقية القلب طيبة المشاعر، حسنة السيرة والسلوك، تعيش عاشقة لرجلٍ، اتضح أنه غير جدير بها، في سعادةٍ وهناءٍ وأمان وسكينة، في إحدى الغابات. وفي يوم تعرضت فيه بلادها إلى تهديد من غزاة أشرار، وعاثوا فيها خراباً وتقتيلاً، فاعتمدت على شجاعتها، واستثمرت قدراتها للدفاع عن أرضها، يحدث، في أثناء مجريات هذا الصراع الدائر مع قوى الشر، أن يقدم على الغدر بها وخيانتها الرجل نفسه الذي أحبته، وآمنت به، بكل جوارحها، فيقصّ جناحها، ويهديه إلى الملك الذي يزوجه ابنته الجميلة. اكتسح الألم الكبير قلبها، واعتصر كل مشاعر الطيبة والحب المقيمة فيه، وحوّله إلى حجر لا يلين، بل يتلذذ في لحظة انتقام بإيذاء الأميرة البريئة الجميلة. 
تقول ناقدة سينمائية أميركية إن إنجلينا ولدت لتؤدي دوراً كهذا. بالفعل، كلام دقيق إلى حد كبير، فقد أبدعت وتألقت وتجلت هذه الممثلة الفذة الاستثنائية عميقة الرؤية، كما لم تفعل من قبل، وقدمت دوراً أخّاذاً غير مألوف، سوف يقترن باسمها طويلاً. ولا ننسى كذلك الإمكانات الإنتاجية الضخمة، وكل عناصر الفيلم من نص وموسيقى وأداء تمثيلي رفيع لكل الممثلين، ساهمت في تجسيد هذه الحكاية الخرافية التي تخص الإرث الإنساني العظيم بواقعية ساحرة، من شأنها أخذ الأنفاس. ثمّة في الفيلم حوار ذكي، يفسر علاقة الحب الغامضة التي نشأت بين الأضداد، تهمس فيه الأميرة الراغبة في لقاء الساحرة المتوارية في العتمة (ظلك يتبعني منذ كنت طفلة. أدرك تماماً أنك موجودة قربي. تعالي، لا تخافي. ردت الساحرة بصوتها الهادر الحزين: لست خائفة. تتحداها الصغيرة قائلة: اخرجي إذاً في هذه اللحظة بالذات.
تجيب الساحرة الشريرة بحنو عجيب: عندها، سوف تخافين أنت.
______
*العربي الجديد

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *