واسيني الأعرج وبوعلام صنصال؟ «2084» صدفة أم سرقة؟



مايا الحاج

ما إن اختار الروائي الجزائري واسيني الأعرج صفحته الفايسبوكية منبراً يشكو من خلاله «سرقة» أدبية تعرّض لها قبل أيام، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمواقف متنباينة حول حدثٍ لم تتضّح تفاصيله بعد. فالروايتان – المسروقة والمسروق عنها – لم تصدرا بعد. لكنّ غلاف رواية بو علام صنصال الذي نشرته دار «غاليمار»، وهي أعرق الدور الباريسية، ضمن حملة دعائية لأعمال ستصدر عنها خلال الموسم الأدبي المقبل في فرنسا، كشف عن تطابق بين عنوانها الرئيسي «2084» وعنوان رواية واسيني المفترض صدورها خلال معرض بيروت المقبل.

التشابه في العناوين، وفي الأفكار أحياناً، ليس أمراً مستغرباً في الأدب، فهو موجود ومُباح من خلال تسميات ومصطلحات تُشرّع هذا الفعل، منها التناص والتطابق وتوارد الأفكار وغيرها. وفي مثل حالة عنوان «2084» يغدو الأمر طبيعياً على اعتبار أنّ كتّابا وروائيين كثرا اعتمدوه في أعمالهم الأدبية والعلمية، استناداً الى عنوان رواية جورج أورويل الأشهر «1984»،. ومن تلك العناوين: «2084، سعادة خلف العذاب» لجان شارل ديسرتين، و«الجمهورية الإسلامية في فرنسا، 2084» لباتريك بيتال و«2084، المريخ عالم جديد» لروبرت كايسير… لكنّ التطابق هنا لا يقف عند العنوان الرئيس فحسب، بل إنّ العنوانين الفرعيين لكلتا الروايتين متقاربان إلى حدّ التماهي في المضمون: «العربي الأخير» (واسيني الأعرج) و«نهاية العالم» (بو علام صنصال).
هذه المصادفة هي التي أذهلت «صاحب لوليتا»، ودفعته إلى أن يكتب على صفحته، وهو الناشط فايسبوكياً، أنّ هذا التشابه هو «أسوأ خبر تلقّاه ذاك اليوم»، معتبراً أنّ صنصال اقتبس روايته الجديدة عن فكرةٍ صرّح عنها إعلامياً قبل سنة تقريباً.
لم ينعت واسيني الأعرج مواطنه الفرنكوفوني بأنّه «سارق»، لكنّ الاستفهامات الكثيرة في نصّه «الاستهجاني» يشي باتهام مبطّن ضده: «هل هي مجرد صدفة؟ ربما؟ يخلق من الشبه أربعين؟ هل الصدفة تصل إلى حد التطابق؟».
سجال
قرّاء واسيني الأعرج ومعجبوه الافتراضيون سجلّوا موقفهم من القضية قبل أن تكتمل معالمها. كتّاب وقرّاء آخرون دخلوا في السجال وأعربوا عن آراء متباينة، وكان من بينهم روائيون استغربوا أن يُقدِم كاتب في حجم صنصال وريادته على فعل السرقة الأدبية بهذه البساطة والعلنية. بينما وجد بعضهم الآخر أنّ لا مكان لأي اعجوبة في توارد فكرة هي في الأصل صدىً لرواية معروفة تسكن في ذهن كلّ قارئ عربي وعالمي. فلماذا لا نقول إنّ صنصال أخذ فكرته عن جورج أورويل تماماً مثلما فعل الأعرج؟
في اتصال معه، أجاب صاحب «مملكة الفراشات» عن هذا السؤال من دون أن يخفي تأثير أورويل وسحره عليه. يعترف أنّه أخذ منه تقنية الاستباق الزمني ليحكي من خلالها عن أوضاع العرب في عام 2084، معتبراً أنّ من حقّ صنصال أن يتأثّر بالمرجع نفسه «1984». لكنّ المفاجئ هو التلاقي في كلّ شيء: الفكرة العامة، العنوان الرئيس، العنوان الفرعي… هذا ما لفت انتباهه وجعله يتساءل عن حقيقة ما حدث. وعما إذا كان يُسمّي الأمر توارد أفكار أم تناصاً أم سرقة أدبية، أجاب واسيني الأعرج في حوار مع «الحياة» قائلاً: «دعيني أسجّل اعترافاً خاصاً. الروائي بوعلام صنصال صديق وروائي كبير، واشتركنا في ندوات كثيرة، علماً أنني أختلف معه في اشياء كثيرة ثقافية وسياسية، وهو له وجهة نظره في قضايانا العربية وهي لا تعبّر عن وجهة نظري. لكنني سجلت انزعاجاً خاصاً على حسابي في الفايسبوك عندما بعثت لي صديقة تعرف جيداً ما أنا في صدده روائياً منذ سنة. فأنا أكتب عملاً حول مآلات العرب المستقبلية، وفي ذهني أن تكون الرواية ناقوس خطر لمن أراد أن يسمعه. وسبق أن تحدثت عن هذا المشروع على مدار السنة، بدءاً من عنوان الرواية حتى فكرة النص، لكنّ التفاصيل بقيت سرية طبعاً. فوجئت بأنّ عنوان رواية بو علام هو عنوان روايتي نفسه، والفرعي مشابه في معناه أيضاً، مع علمي أنّ صنصال لم يكن يستخدم العناوين الفرعية في أعماله السابقة، على خلافي أنا. ثم إنّ فكرة النص قريبة جداً من فكرتي وفق ما قرأت مما كُتب على ظهر الغلاف. ومع هذا كلّه، أنا لم أتحدث عن سرقة رواية، ولا أعتقد أن صنصال بهذا الغباء، لكنّ ما رأيته أثارني جداً ولا يزال».
ولكن، ما معنى إثارة كلّ هذا الجدل حول عنوان صار في الأساس مرادفاً لفكرة الاستباق الزمني، على خلفية « 1984» لجورج أورويل؟ يجيب: «هذا صحيح. إنّ فكرة التقاطع في 2084 لم تعد جديدة أبداً، بل هي فقط علامة عن زمن افتراضي آت. اكتشفت أن ثمة روايات استعارت هذا التاريخ، لكنّ فكرة ربط هذا التاريخ بتفاصيل المآلات العربية في شكل خرافي وافتراضي هو ما جعلني اتحسس حياله. أنا أعرف موقف صنصال ورؤيته التي ترى في العرب كومة من التخلف تهدد اليوم الديموقراطيات الأوروبية وينسى أن هذا الإرهاب الخطير لم ينزل من السماء، وإن كان وجد أرضية خصبة للتطور والنمو في بلادنا. وأولئك الذين يسعون إلى محو الحضارة في العراق وسورية وليبيا – أي أمكنة التواجد الداعشي – ليسوا اكتشافاً عربياً ولكنه اميركي/صهيوني/ أوروبي. وعلينا أن نكون عمياناً لئلا نعترف بهذه التفاصيل. هذا الوضع صُنع لنا كي نموت فيه نهائياً، والعرب أنفسهم يساعدون اليوم على هذا الموت. انها أسئلة نختلف فيها جذرياً، ولكن لكلٍّ رؤيته. إنما أن يتطابق العنوان الأصلي والفرعي والموضوعة؟ فهذا يثير انتباه أي شخص عاقل».
أمّا في ما يخصّ رواية صنصال، فهي تدور وفق ما جاء في كلمة الناشر، في أمبراطورية كبيرة تُدعى «آبستان»، نسبةً إلى رسول اسمه «آبي»، نقل التعاليم العلوية إلى الأرض. يعيش أهل هذه الأمبراطورية تحت نظام رقابة صارم، لا مكان فيه للأفكار الذاتية والتأملات الشخصية. إلاّ أنهم ينعمون بسعادة الإيمان من دون طرح أيّ سؤال، إلى أن يجيء «آتي» ليشكّك في المسلمات ويُثير الصخب بأسئلته عن الوجود والأديان. وعلى منهج أورويل، يشتغل صنصال روايته بغية فضح الأصولية الدينية المهددة لكل أنواع الديموقراطيات.
اتهام وأدلّة
لا يتهّم واسيني الأعرج – الكاتب الحائز أخيراً جائزة «كتارا»- مواطنه صنصال بالسرقة جهارةً، بل يقول إنّ عليه التريّث إلى حين صدور الروايتين لقراءة تفاصيلهما واكتشاف حقيقة هذا الالتباس. لكنّه، في المقابل، يُقدم أدلّة كثيرة تُشير إلى أنّ الحاصل لا ينمّ عن صدفة عابرة أو تشابه بسيط، بل عن «سرقة» متعمّدة، خصوصاً أنّ ما نُشر عن رواية صنصال يدلّ على تقارب في أجوائها مع رواية الأعرج، ومنها المكان المتخيّل «أربستان»، المقصود بها بلاد العرب.
وعمّا إذا كان سيُعدّل عنوان روايته، خصوصاً أنها لم تُطبع بعد، أكّد الأعرج أنّه لن يُغيّر شيئاً. هو منكّب على الانتهاء من الرواية، مع الحفاظ على عنوانها الأصلي: «2084- العربي الأخير».
وفي ظلّ هذه المعمعة التي تركت جدلاً في صفوف المثقفين والقرّاء، وجدت بعض الأصوات فرصة للتنديد بصنصال على خلفية زيارته إلى إسرائيل قبل ثلاث سنوات، وتصريحاته التي تُغازل الغرب على حساب الحق الفلسطيني/ العربي المُغتصب. وكأنّ هذه المناسبة جاءت لتفتح على صنصال أبواب نيران لم تنطفئ بعد منذ مشاركته في «مهرجان الكتّاب الدولي» في القدس تزامناً مع ذكرى تأسيس إسرائيل (احتلال فلسطين) في منتصف أيار (مايو) 2012. زيارة وصفها الجزائريون – قبل الفلسطينيون- بأنها «فضيحة».
وبعد استطلاع رأي الأعرج مفصّلاً، حاولنا جاهدين الاتصال بصاحب «قسم البرابرة»، عسى أن يكون له رأي قد يوضح من خلاله التباساً أُثير حول اسمه. لكنّه لم يجب على اتصالنا، وعلمنا من مترجم أحد أعماله أنّه لا يردّ على المكالمات الهاتفية منذ فترة معينة. وبعد التواصل مع أحد المسؤولين في دار «غاليمار» التي يتعاون معها، جاء الردّ بأنّهم سيأخذون موافقته قبل ابلاغنا بطريقة الوصول اليه، لينتهي الأمر أخيراً بالتنصّل من هذا الموضوع. هل اختار الكاتب الصمت سلاحاً في وجه ضوضاء تُثار غالباً حول اسمه؟ أمّ أنّ الروائي الفرنكوفوني يخشى مواجهة الصحافة العربية خوفاً من نكء جرح «خطيئتة» القديمة؟
الحياة

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *