فيوليت أبو جلد: أرمِّم العالم بالشعر



*انديرا مطر


في مجموعتها الشعرية الأخيرة ترافق الشاعرة اللبنانية فيوليت ابو جلد المجانين الى عقولهم «لتعود بغنائم فادحة». تدور على طريقة الصوفيين بحثا عن يقين، سبيلا وحيدا للتعالي عن احزان متراكمة. عوالم ابو جلد مزيج من صور شفافة وحالمة مسكونة بلغة ثائرة وقلقة، كأنها احد عشاقها الذين «يصعدون بخفة ورشاقة الى الطابق الاعلى باحثين عن الحب، ما ان يصلوا حتى يكتشفوا ان ثمة حقائب جاهزة دائما لحب على وشك المغادرة».
بمناسبة صدور مجموعة فيوليت أبو جلد «ارافق المجانين الى عقولهم»، التقت القبس الشاعرة ابو جلد وأجرت معها هذا الحوار:

اذا اردنا اطلاق صفة شاعرة مشفوعة بنعت بعد اسم شاعرة.. ماذا تختارين؟ شاعرة ماذا؟
ـ بين أصابعي الحرائق والحقائق، وكل هذا الأسى الذي يسيل من المواويل الحزينة الى دمي. أنفقت قلبي على الأغاني وقدميّ على الهجران، أنا الشاهد العيان على كل ما لم يجر. بعد، أنا مزاج في شاعرة.
هل تقبلين ان تكوني امرأة وراء رجل عظيم؟
ـ وراءه أم أمامه، لم تعد هذه المشكلة أو هذه المقولة سائدة، السؤال الآن: من الرجل العظيم؟ أين هو؟ الإعلام، مواقع التواصل الاجتماعي، الحروب والثورات أسقطوا الجميع في أتون الثرثرة والتخوين. 
الحب في قصائدك كأنه مبطن برغبة في تركيب رجل خيالي.. اتوافقين على ذلك؟
ـ أغدر بالرجل، أنا ابنة الحزن، آمنت بعزلتي حتى عشقتني فإذا دعتني الريح الى ولائم لعناتها، استشهدت بآيات من جسده، وهو لا يدري.
أغدر به، أنا ابنة الحيرة، غامرت بي في لجة القلق، كل يوم أرمي به في بئر الصمت ثم أمدّ له حبل الكلام لأنقذه وهو لا يدري.
كل الذين أحببتهم سالت جروحهم على ابتسامتي وعلى نصوصي ومضوا، لا أركب، لا أخترع ولا أطرز، بل أنزف ما أكتب وأدمع ما أكتب.
فكل شيء يرقد في جوف الحزن طويلاً.. طويلا
يشيب الش.عر ولا تتعب أقدام الراقصات حول ناره،
لا تأخذ خصورهن مواقف حازمة،
الشاعرة لا تجيد إغلاق النوافذ ولا الهواجس.
لكن الرجال دائما في النهاية
يموتون في الحرب،
وفي الحب،
يموتون في القلب،
ويموتون في نص قصير.. قصير،
من كلمتين وهاوية.
شعرك انثوي ينساب رقة وعذوبة واناقة لغوية لافتة، متخفف من اعباء التركيب والتعقيد والتأويل. هل تتقصدين هذا الاسلوب؟
ـ أنا ابنة فيروز وسليلة وديان لبنان وجباله، جارة البحر ورفيقة مدينة جونيه بليلها الساحر وصباحها العابق بقهوة الأمهات الطيبات، أطوّع اللغة ولا أتركها تطوعني من ايماني بأن القصيدة هي المعنى قبل المبنى.
بين مجموعتك الاولى «همس ممنوع» ومجموعتك الاخيرة «ارافق المجانين الى عقولهم»، ما الذي طرأ على فضائك الشعري من حيث الصور واللغة والبنيان الشعري؟
ـ هربت من جمال اللغة الى لذة المعنى، من الحب الى فلسفته، من الجسد الى رحلته، من الايمان الى الأسئلة، من الدين الى المحبة، من المعتقدات والتقاليد الى الحرية، من المجتمع الى عالم الطيور، من اليقين الى الشك، من التعقيد الى البساطة، من المرأة الى الشاعرة، من الشاعرة الى الانسان، من الانسان الى إله يغطي أكتاف الشعراء ليلا برقة، هم العراة الأزليون على هذه الأرض الشبقة.
تغمزين في شعرك الى ثورة.. ثورة على من؟
ـ الشعر الحقيقي ثورة، ثورة على القبح وعلى الحروب، فكل ولادة ثورة على الموت. كل قصيدة فتنة،كل جمال زعزعة واضطراب. أنا ثائرة لأني حائرة وقلقة وخائفة ومرعوبة، أكتب لأني لا أفهم ما يجري ولأن ما يجري لا يفهمني. قرعت أجراس الشعر بيدين مشققتين، أدمتني هذه الموسيقى، كل هذا البياض لا يشعل نارا أعرف، إنه حتى لا يرسم موقدا على الحائط، لكني أبتسم ما استطعت الى الابتسام سبيلا وأحب باتساع الحب وجروحه. ربما نموت جميعا بطلقات عشوائية من قنّاص مخمور لكني أنحت ضحاياي بي، أرسمني بلادا وأرفرف علما في قلوب أحبتي.
تقولين: أكتب لأني لا أفهم ما يجري، لأن ما يجري لا يفهمني. لأني حائرة وقلقة وخائفة، هل يرافقك القلق الى ما بعد الكتابة؟
ـ النص مخدر سريع لعملية جراحية مستمرة، هو لحظة انقطاع النفس في لهاث متواصل. الكتابة هي البحث والأسئلة والتقصي، هي ملاحقة اللامنطقي في المنطق، والجدوى في اللاجدوى. الكتابة نقمة على النعمة ونعمة في النقمة. لأكتب علي أن أرافق المجانين الى عقولهم كي أعود بغنائم فادحة، الكتابة هي كل هذا اللا انتماء الوحشي.
على مفاصل الأسئلة الحادة أنا نوبة صرع في رأس الخيبة، أتقلّص مثل نصّ على باب نصّ أوجع.
من برأيك يفهم المرأة اكثر الرجل الشاعر ام المرأة الشاعرة؟
ـ المرأة خمرة مضلّة، تزهر على عتبات الأسئلة، المرأة عمر من الرقص حول المعاني، لا يفهمها رجل ولا امرأة ولا يرصدها علم النفس ولا المجتمع، كاملة الحيرة هي فأي يقين يكفيها؟ نحن السارقات، إذا مشينا على الجمر اكتَوَت أقدام الشعراء. إذا نهبنا الكروم ماتوا من شهيّ لدغاتنا.
* «ارافق المجانين الى عقولهم» هي المجموعة الخامسة للشاعرة ابو جلد.
________
*القبس 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *