*هشام بن الشاوي
خاص- ( ثقافات )
هناك من يعتبر رقمنة الكتب نوعا من القرصنة، لأنها تشكل تهديدا للحق الأدبي للمؤلف، كما أن الرقمنة قد تقدم صورة غير أمينة للمصنف المنشور عبر الإنترنت، لأنها تنطوي على قدر من التدخل والتصرف غير الموجودين في العمل المطبوع، في غياب المعالجة الفنية، التعديل والترتيب، وأغلب الكتب المقرصنة، عبارة عن نسخ ضوئية، التقطت عبر الماسح الضوئي، ويوفرها قراصنة الكتاب بالمجان، عبر مواقع التحميل العالمية، في صيغة PDF. ويلجأ جمهور القراء إلى هذه الكتب المقرصنة، لأنها مجانية، ويتعذر، أحيانا، العثور على نسخ إلكترونية يمكن شراؤها بطرق شرعية، لأن أغلب دور النشر العربية لا تريد المجازفة بالنشر الإلكتروني، وتتمسك بالبديل الكلاسيكي، ويقبل القراء على هذه الكتب أيضا، بسبب سوء التوزيع والتسويق، أو بسبب الرقابة الجمركية، التي تمنع دخول بعض الكتب، وتعتبرها من “الممنوعات”، والأغلبية الساحقة من القراء ترحب بهذه النسخ المقرصنة، في حالة الكتب النادرة أو القديمة، التي اختفت من السوق، منذ سنوات أو عقود، بعد طبعتها الأولى.
يعتبر الروائي الشهير باولو كويلو أشهر مناصر للقراصنة، حيث قرصن، عن عمد، العديد من أعماله على الإنترنت، حتى تتاح للعديد من قرائه، ممن يعجزون، لأسباب مادية أو بسبب الرقابة في بلدانهم، عن الحصول عليها، وهو ما أغضب ناشري أعماله في البداية، لكن النتائج كانت مذهلة، حيث ارتفعت نسبة مبيعات النسخ الورقية، كما أن الروائي العالمي لا يتردد في إرسال نسخ إلكترونية مجانية لبعض كتبه، لمن يطلبها من قرائه محدودي الدخل، بل يشجع أن يقوم شخص فقير في نيودلهي بنسخ وبيع كتبه، معتبرا أن إيجاد طريقة لكسب الرزق بعمل شريف ومفيد، كهذا، أهم من قضية قرصنة كتبه، فضلا عن قيام صاحب “الخيميائي” بطرح أعماله، باللغة الفارسية، مجانا على مدونته الشخصية، لمن يريد تحميلها إلكترونيا، بعد قيام السلطات الإيرانية بحظر كتبه في إيران.
كويلو لم يبخل بالتعاون مع موقع عالمي لتحميل الكتب المقرصنة، حيث اعتبر أنه كلما قرصن الناس الكتب، كان الأمر أفضل، وقد دعا قراصنة العالم للاتحاد، وقرصنة كل كتبه قائلا : “أرّحب بكم لتحميل كتبي مجّانا، وإن أعجبتكم الكتب يمكنكم شراء النسخة الورقيّة منها، هكذا سنخبر دور النشر أنّ الجشع لن ينفعها”، وشبّه كويلو ما يحدث مع الكتب بهوسنا بالأغاني، إذ كلما سمعنا أغنية على المذياع أكثر، تحمّسنا لشراء الأسطوانة والأمر نفسه يحصل في الأدب. فكلما قرصن الناس كتاباً أكثر، كان الأمر أفضل! إن أعجبتهم بداية الكتاب، سيشترون النسخة الورقيّة في اليوم التالي، لأنّ قراءة نصوص مطوّلة على شاشة الحاسوب أمر متعب جدّاً.
على الطرف الآخر، يعتبر الروائي “توماس غانزيغ” أن وجود كتاب على مواقع التحميل شيء غير مرغوب فيه، لكن يجب تقبل بالأمر والتأقلم معه، لأن اللجوء إلى القضاء غير مجد لوقف القرصنة.
بينما هناك، من يرفض فكرة النسخة الإلكترونية جملة وتفصيلا، مثل الروائية البريطانية الشهيرة جيه كيه رولنج، صاحبة روايات هارى بوتر، التي رفضت أن تطرح نسخا من رواياتها بأية صيغة إلكترونية خوفا من السرقة.
ومن جهته، يرى مؤلف روايات الجريمة “دافيد هوسون” أن أرقام القرصنة على الإنترنت غير معروف بالدقة، أما الرقم الحقيقي فهائل، “وقد تزايد زيادة هائلة في العام 2010. ربما لأن الكثير من الناس يشترون أجهزة القراءة الإلكترونية، وكل ما كتبته مطروح على شبكة الإنترنت”، ويشبّه هوسون قراصنة الكتب بالمجموعات المنظمة للغاية، ولا يعتبرهم مجرد عصابة من الهواة.
شخصيا، وبسبب تجارب سيئة مع النشر في المغرب وخارج المغرب، مثلا : ناشر عربي غريب الأطوار، كان قد وعدني بتسليم ما تبقى من نسخ كتابي، وحين التقيته بعد عام، أنكر وعده لي، بل الغريب أنه في المرة الأولى، قام ببيع نسخة من النسخ التي أرسلها لي الناشر، ووضع ثمنها في جيبه ! وعلى الرغم أن بعض الناشرين زملاء اكتووا بنار الكلمة، أجدني اتفق مع الكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف، الذي كان يجاهر على التلفزيون، ويصف الناشرين باللصوص والمحتالين، والغريب أن بعد رحيل صاحب “بيوت واطئة” ضاعت حقوقه الأدبية، بعدما صارت عدة دور نشر عربية تتاجر بميراثه الأدبي، بلا حسيب ولا رقيب.. في غياب شبه تام للمطالبة بحقوقه من طرف ورثته، وأيضا بسبب الأسعار الخرافية لمنشورات بعض الدور الكبيرة، لا أتوانى عن تحميل كتاب يروقني، بضمير مرتاح.
أحيانا، أجد بعض إصداراتي متاحة للتحميل المجاني، ولا أبالي.على الأقل، قد يحظى الإصدار بقراء آخرين، ولن أجدني مدعوا من طرف الناشر لأخذ مرجوعاتي، وبالتالي، تحمل مشاق السفر، وحمل كتب مكدسة في صندوق، وهو ما يعني نفقات إضافية وشقاء مجاني، فتخليت عنها، ليفعل بها ما يشاء.
دائما، يذرف الناشرون دموع التماسيح، وهم يرددون موشح الصعوبات التي تعاني منها صناعة الكتاب في العالم العربي، ولا يتوقفون عن البكاء، ومع ذلك لم نسمع ولم نقرأ أن ناشرا أفلس أو مهدد بالسجن.