استلهام التراث الصوفي في الشعر الأردني المعاصر


د. أمين يوسف عودة*


خاص- ( ثقافات ) بالاتفاق مع مجلة الفجيرة الثقافية 
التجربة الصوفية لحظةٌ عابرة للزمان والمكان ولمحدودية التجربة الإنسانية

(مداخلة أولى: إضاءة):
ثمّة نزعةٌ فنية جارفة في العقدين الماضيين، نزع إليها الفنانون في الأردن، لا سيّما الشعراء منهم، تجلّت في استلهام التراث الصوفي عبر استدخال شخصياته البارزة وذات الطابع الإشكالي، وإعادةِ تشكيل مواقفها ولغاتها ورموزها وأساليب شعرياتها وفضاءاتها، على نحو يتفاوت فيه الشعراء بين مستغرقٍ في روح النص الصوفي ولذة امتصاصه وتقمّص حالاته الوجدانيةِ إلى حد الفناء فيه، ومع ذلك فإنّه يخرج منه منفصلاً عنه ومتصلاً به في آنٍ واحد. وثمة آخرون تلمح في نصوصهم روحَ التصوف لمحا تشف عنه الصورُ والرؤى وإن لم تقرأ فيه لفظاً أو معنى صوفياً مباشراً.
في كليهما يتراءى التراث الصوفي في تكويناته الشعرية الجديدة منصةً حاملة لهموم الشاعر المعاصر وأوجاعه الصغرى والكبرى، ورؤاه المعرفيةِ في الوجود وتناقضاته، وموقفِه منهما.
ويحق للمرء أن يتساءل، تُرى لِمَ سرت حمّى هذه النزعة في الكتابات المعاصرة الشعرية والسردية على السواء، وعند غير قليل من المبدعين في أرجاء الوطن العربي؟ .. سؤال آخر: هل تأثر الشعراء في الأردن بهذه النزعة تأثراً شكلياً، أم أنها كانت حاجةً ملحّةً وطوراً من أطوار البحث عن هوية ضائعة، وعن فن منسي قادر على أن يضخ في الشعريات المعاصرة دماً جديداً ؟ 
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تقتضي دراسة، بل دراساتٍ متخصصةً وشاملة لما كُتب في العقدين الأخيرين، ترمي إلى تقييم هذه التجربة الشعرية ذات النزعة الصوفية، كمًّا ونوعاً وكيفاً. ولا يسعني في هذا الموقف إلا أن أنوّه بدراسة رائدة في هذا المجال، بعنوان ” الخطاب الصوفي في الشعر المعاصر”، للشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى، وقد خصص فيها فصلاً طويلاً للمشهد الصوفي في الشعر الأردني، وقرأ فيه مجموعة من الشعراء قراءة ذوقية تأويلية مستبصرة. 
(جذور الخطاب الصوفي)
لم يكن اكتشاف الشعراء في الأردن ثراءَ الخطاب الصوفي بطبيعة الحال محض مصادفة، فقد كان “أدونيس، والبياتي، وصلاح عبد الصبور، ويوسف الخال وتوفيق الصائغ”، وغيرُهم الروّادَ الأوائل الذين تأثروا بخطاب التصوف الإسلامي، إلى جانب استلهاماتهم للشعراء الغربيين ذوي النزعة الرمزية والسريالية، واللتين تلتقيان في بعض الأساليب والرؤى الفنية والوجودية مع الخطاب الصوفي من حيث منازعه الرمزية وقضاياه العرفانية، ذلك أن التصوف أو النزعةَ الروحية في الإنسان ليست تخص أمّة من الأمم دون الأخرى، وإن تنوّعت الأذواق فيها والمشارب.
انتقلت عدوى استلهام الخطاب الصوفي، وتوظيفِ رؤاه توظيفاً فنياً معاصراً إلى الرواية العربية، ومع رموزها من الأدباء مثل “نجيب محفوظ، وجمال الغيطاني والطيب صالح”، وصولاً إلى الأديب المغربي الدكتور عبد الإله بن عرفة في مشروعه الروائي الذي أصدر منه مجموعة من الروايات، منها:”جبل قاف، وبحر نون، وبلاد صاد، والحواميم، وطواسين الغزالي، وسواها”. ولعلها من أحدث الإصدارات الروائية، التي اتخذت من التراث الصوفي فضاءاتِها السردية، لا سيّما تراثُ ابن عربي، وأبي الحسن الششتري، وابن سبعين، والغزالي، ولسان الدين بن الخطيب. وكذلك فعل القاص والروائي الأردني يحيى القيسي فيما كتبه في روايتيه: “باب الحيرة” و “أبناء السماء”.
إن العودة إلى التراث واسكتشافَ المناطقِ المهمشة فيه، والمسكوتِ عنها كالتراث الصوفي، يشكّل إغراءً لا يكاد يماثله إغراءٌ لطبيعة الفن الشعري، ولنزعات الشعراء النفسية والفنية والفكرية نحو الاختلاف والمغايرة، ونحوَ رسم صورة لذات الشاعر أو الفنان على سَمْتٍ متفرد ومشاكس، مستقًى من رغبة ضاربة في أغوار اللاوعي نحو التحرر مما هو ساكن وعادي ومألوف.
وقد بدا للشاعر أن اللحظة الصوفية لحظةٌ تمور بالثورة والحركة واستباحة المحظورات، وتسعى إلى تذويب الحجب بين الحق والخلق، وردم الهوة السحيقة بين المطلق والمقيد، بين الثابت والمتحول، بين الأزلي القديم والمحدث المؤقت. إنّ اللحظة الصوفية بعبارة أخرى تحاول أن تصالح بين الأضداد وتؤلّفَ بين المتخالفات، فترى في المنحنى مجلًى للمستقيم بالفعل والقول، وترى القرب في البعد والبعدَ في القرب. وهكذا أزعم أن الشعراءَ يحاولون – في فعل الكتابة والقول – محاكاةَ التجربة الصوفية التي يتوق سالكوها إلى الانعتاق من أسر العادي والمألوف والمقيد. إنهم – الشعراء- يلعبون بالكلمات والإسنادات لعباً فنياً؛ لينتهوا إلى خلق حالاتٍ وجدانيةٍ ومعرفية تبدو لمتلقيها مغرقة في الإبهام والغموض، لكنها في الآن ذاته تلمَس شيئا جوهريا وحميميا في دواخلنا، لا نملك القدرة على تكييفه بالقول أوالوصف.
إن التجربة الصوفية تنتهي إلى قول ما لا يقال عبر تجربة دينية وذاتية وإنسانية ومعرفية وفنية، وكذلك الشعراء ينتهون إلى قول ما لا يقال، ولكن عبر تجربة ذاتية وإنسانية ومعرفية وفنية. ثم إن التجربة الصوفية لحظةٌ عابرة للزمان والمكان ولمحدودية التجربة الإنسانية؛ لأنها تسعى إلى متاخمة المطلق بالفعل والقول، بينما تسعى اللحظةُ الشعرية إلى ذلك بالقول دون الفعل. 
وما يبدو معقولا أن هذا اللقاءَ الحميم بين التجربة الصوفية والإبداع الشعري، هو الذي دفع بشعراء الحداثة إلى البحث في منابع التراث عما يشاكلهم ويُدانيهم، فالطيور على أشكالها تقع.
مداخلة ثانية: زهير أبو شايب: وقال لي: أنت معنى الكون كله:
“وقال لي: أنت معنى الكون كله”، عبارةٌ للصوفي الكبير محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري والملقب “النفري” الذي توفي في القرن الرابع الهجري، وكانت له تجربةٌ صوفية نادرة وسامقةُ الذوق الروحي والفني، خلّدها في كتابه المعروف بالمواقف والمخاطبات. وقد احتفى الصوفي الأكبر “ابنُ عربي” بالنفري، وذكر أقواله في كتابه الفتوحات المكّية، ولشدة إعجابه به كتب على غرار مواقفه ومخاطباته فيما كتب. وفي العصر الحديث يلتفت أدونيس إلى النفري، ليؤسس شطراً مهمّاً من الحداثة الشعرية العربية على اقتراضه، وإعادة قراءته وتأويله وتقديمه بروح جديدة في دراساته النقدية وإبداعاته الشعرية.
كذلك يفعل زهير أبو شايب في ديوانه ” سيرة العشب” الصادرِ سنة 1997 ويضع عبارة: “وقال لي: أنت معنى الكون كله” في الزاوية اليمنى العليا من الغلاف. والغلاف بكل ما يشكّله من ألوان وخطوط ورسومات وكتابات، يُعَدّ عتبةً أولى مهمةً في استدعاء حدوس القراءة وتخميناتها؛ فالمتلقي العارف عندما يقرأ هذه العبارةَ يحدس بالتشكيل الفني والدلالي بما يؤسساه من بناء القصائد، ويشيعان فيها فضاءاتٍ تَستمدُ من نسغ العبارة مذاقَها العرفانيَّ وهويتها الصوفية، ولكن على نحو مخاتل لا ينبىء عن نفسه للمتلقي إلا بعد جهد ومكابدة.
في قصيدة بعنوان: “يحيا”، من قصائد الديوان المذكور، يذوب محتوى عبارة النفري:” وقال لي: أنت معنى الكون كله”، كما تذوب حبيبات السكر في كوب ماء، فلا ترى منه سوى الماء، وأما ما يكشف سرَّ الحلاوة فيه فهو ذوق الماء لا غير. هذا المثال تشخيص لحالة المتلقي عندما يلج عتباتِ القصيدة ويتواصلُ مع متنها، تواصل العاشق الفاني في معشوقه.
إن لحظة الفناء في النص وحدَها هي التي تسمح بكشف شيء من أسراره العصية، أو بتذوق شيء من سكره على سبيل الاستعارة. 
يعنون أبو شايب نصَّه بكلمة ” يحيا” ويكتب تحته بخط دقيق: ” خذ الكتاب بقوة” قرآن كريم. وهذه عتبة أخرى تحيل إلى فضاء ديني كما تحيل عبارةُ “النفري” المستخلصةُ من تجربته الصوفية. وجاءت كتابة كلمة “يحيا” بألف ممدودة لتدلَّ على الفعل لا الاسم، ولهذا دلالةٌ بينة على إرادة الحياة، وأينما كانت الحياة كانت الحركة، والصيغة الفعلية تدل عليها. وتشير الصيغة الزمنية للفعل المضارع يحيا إلى الديمومة، أي ديمومة الحياة والحركة والفعل التي هي قوام المعنى في الوجود. وكلُّ هذا مستضمر في قول “النفري”: وقال لي: أنت معنى الكون كله”؛ إذ لا حياة في الكون ولا معنى فيه بغير الإنسان. ومن نافل القول إن اختيارَ هذه القراءة الحدسية لا يلغي قراءات حدسيةً محتملة أخرى.
ثمة عتبةٌ ثالثة تنتصب في بدايات المقاطع الثلاثة الأولى في القصيدة، تتمثل في قوله: “واقف”. يقول في مقطع منها:
“واقف”
لا أشدّ الرحال
ولا أتجلّى
ولا أجعل الطين أشهى.
وأنا وارث السر
أحمل في غرتي كلماتي
وأفتش عنها.
ما تغيرت
ما وسعت غفلتي كلَّ شيء
ولا وسعتني صفاتي.
ما تغيرت
لكنني أتخفى إذا خفت
أو فضحتني صلاتي
وأرث السرّ
في غرتي كلماتي
وأفتش عنها
وأسوق الجبال قوافلَ كالنوق
نحو السماء التي كنتها
والسماءِ التي لم أكنها..!
ما يبدو جليا في كلمة “واقف” أنها تتعالق تعالقاً نصياً مباشراً مع مفهوم الوقفة عند “النفري” في كتابه “المواقف والمخاطبات”، الذي يتألف متنه من مجموعة من المواقف التي يفتتحها بقوله: أوقفني في موقف كذا وقال لي. فهو يقول على سبيل التمثيل في موقف أنت معنى الكون:
وقال لي لا تنظر إلى الإبداء ولا إلى البادي فتضحكَ وتبكي
،وإذا ضحكْتَ وبكيت فأنت منك لا مني.
وقال لي أنت معنى الكون كله.
وقال لي الحقيقة وصف الحق والحق أنا
ويقول في موقف الاختيار: 
أوقفني في الاختيار وقال لي كلهم مرضى
وقال لي إذا رأيت النار فقع فيها ولا تهرب،
فإنك إن وقعت فيها انطفت، وإن هربْتَ منها طلبتك وأحرقتك
والوقفة أو الموقف فسّره “ابن عربي” بقوله:” أعلم أنه ما من منزل من المنازل، ولا منازلةٍ من المنازلات، ولا مقام من المقامات، ولا حال من الأحوال إلا وبينهما برزخ، يوقف العبد فيه يسمى الموقف، وهو الذي تكلم منه صاحب المواقف محمدُ بن عبد الجبار النفري رحمه الله في كتابه المسمى بالمواقف، الذي يقول فيه أوقفني الحق في موقف كذا.
الموقف إذن حالةٌ برزخية تقع بين مرتبتين اثنتين، لا هي هذه ولا هي تلك، ولكنها في الوقت نفسه لها وجه إلى هذه ووجه وإلى تلك، وذلك كالخط الفاصل بين الظل وضياء الشمس، له وجه إلى الظل ووجه إلى الضياء. إن الخصيصةَ الجوهرية للبرزخ هي الوصل والفصل معاً، أي إنه يجمع بين الضدين. وما يظهر في المقطع الشعري الآنف يجلّي هذه الدلالةَ المركزية فيه وفي القصيدة كلها. فالإنسان الذي وصفه النفري بقوله أنت معنى الكون كله، أقول إن هذا الإنسان في منظومة الفكر الصوفي يمثل كينونة وجودية برزخية جامعة بين الحق والخلق، أو بين اللاهوت والناسوت، فالروح فيه لها تعلق باللاهوت، وطينته لها تعلق بالناسوت. وهو بهذا الاعتبار استحق أن يكون هو الوحيد خليفةً للحق تعالى دون سائر المخلوقات السماوية والأرضية.
إن المعنى الذي ننتهي إليه هو أن الإنسان برزخٌ جامع لضدين هما القدم والحدوث، ولهذا يرى الصوفية ولا سيما النفري وابن عربي أن الكون كلّه مضمر في الإنسان، ومن هنا جاءت عبارة أنت معنى الكون كله.
تتبدى هذا الرؤى في نص زهير ثاويةً بخفاء تارة، وتارة أخرى تعلن عن هويتها إعلاناَ مباشراَ، فمن مظاهرها السافرة قولهُ المتكرر في النص:
“وأنا وارث السر”
ولا ريب أن السرَّ الذي يتحدث عنه هو الإنسانُ بمعناه الصوفي الذي يحيل إلى كينونة الإنسان البرزخية بين الناسوت واللاهوت. ويحيل أيضا إلى مقولة النفري أنت معنى الكون كله. أما الناسوت فيبدو ماثلا في قوله:
واقف
لا أشد الرحال
ولا أتجلى
ولا أجعل الطين أشهى.
فالصوت الشعريُّ هنا واقف مع ناسوته الطيني، متمسمر فيه. والطين لثقله وكثافته يعوق الحركةَ ويحبس الروحَ ويحد من نزعتها الفطرية نحو الإشراق والتجلي والانفتاح على المطلق، على الرغم من أنه يدرك وراثتَه للسر، ويدرك أيضاً أنه يحمل كلماتِه ويفتش عنها في الآن نفسه. ثم يعلن أنه أوسعُ من صفاته، لأن الوصف وجهٌ من وجوه التقييد، وصوتُ القصيدة يسعى إلى التخلص من القيد، فالسر المحمول في الذات الإنسانية أوسعُ من أن يقيده وصف. وهكذا تتبدى مكابدة الإنسان ممثلةً في الصراع بين قطبين ضدين يتجليان في ما ينطوي عليه بالقوة، وما يستطيعه بالفعل:
أحمل في غرتي كلماتي
وأفتش عنها
ما تغيرت
ما وسعتْ غفلتي كلَّ شيء
ولا وسعتني صفاتي.
ثم يُلِمّ المقطع في جُمَلِهِ الشعرية الختامية بما يشي بتجلي اللاهوت في الناسوت أو بعبارة أخرى تجلّي السرِّ وقدرتهِ الهائلة على فعل ما يبدو مستحيلاً على قدرة الإنسان الظاهرة لا الباطنة. يقول:
“وأسوق الجبال قوافل كالنوق
نحو السماء التي كنتها
والسماءِ التي لم أكنها. “
فعندما يغدو الإنسان بالمفهوم الصوفي قادراً على إخراج حقيقتة التي تستضمر الكونَ كلَّه من وجودها بالقوة إلى الوجود بالفعل، فإنها عندئذ تمتلك سلطانَ كلمة كن، فيسوق الجبال بها سوق النوق، وتتصعد روحه نحو سمائها التي هي موطنها الأول، ونحو سماوات أخرَ لم تسمع بها أذن ولا رأتها عين ولا خطرت على قلب بشر.
هذه قراءة أولى تؤسس لقراءة ثانية موازية، لعلها تكون أكثرَ قرباً من محمولات النص الدلالية. وقد تقدم الكلام على الموازاة بين اللحظة الصوفية واللحظة الشعرية، وستكون هذه الموازاةُ هي مناطَ القراءة الثانية، وهي التي ستحدد مساريها التأويليَّ والدلالي.
وأوجز هذين المسارين في أن الشاعر زهير أبو شايب اقترض اللحظة الصوفية النِّفَّريَّة التي تتحدث عن حقيقة الإنسان غيرِ المرئية أو الباطنة القادرة على فعل ما يعده العقلُ مستحيلا، فيطير صاحبها في الهواء، ويمشي على الماء، ويحرك الجبال بإشارة من يده، ويقول للشيء كن فيكون، أقول اقترض الشاعر هذه اللحظةَ الصوفية التي لا يمتلكها هو، ليعيد تشكيلها في لحظة شعرية يمتلكها هو، ويصوغ نصَّه في لحظة تجلِ إبداعية، ليسوق الجبال قوافل نحو السماء التي كانها والسماء التي لم يكنها. أليست تمثل هذه الصورةُ مظهرا موازيا للطير في الهواء أو المشي على الماء أو تحريك الجبال ؟ .. هكذا تغدو القصيدةُ حيّزَ الشاعر اليتيمَ الذي يمارس فيه رغباتِه المستحيلةَ، وهكذا أيضا تتوازى اللحظتان، اللحظة الصوفية الفعلية واللحظة الشعرية الكلامية.
مداخلة ثالثة موجزة: الشيخ محمد سعيد الكردي
ثمة تراث شعري صوفي في الأردن، لا يقل أهميةً عن شعر الحداثة. بعضه مخطوط وبعضه الآخر مطبوع طبْعاتٍ قديمةَ نادرة الوجود. وهو على قلته يشكل إضافة مهمة ونوعية لمسيرة الشعر الصوفي أو التصوف في الأدب المعاصر في الأردن.
ويمكن النظر إلى شخصية الشيخ محمد سعيد الكردي باعتبار كونه من أهم الشخصيات الصوفية في القرن الماضي التي ساهمت مساهمة رئيسة في تأسيس الطريقة الهاشمية العلية الدرقاوية الشاذلية في الأردن انطلاقا من مدينة إربد. ويشهد له أقرانه ومعاصروه بإنه كان إماما لأهل الشريعة والحقيقة، جامعا لهما علماً وعملاً وحالاً ومقاماً وذوقاً. وقد توفي رحمه الله سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة وألف.
ما يعنينا في هذا التنويه الموجز بشخصية الكردي، هو أنه خلف تراثاً صوفياً مكتوباً، وأغلبه طبع قديماً، ومن بين المطبوع ديوانُ شعر صوفي بعنوان: القصائد الروحية في الأسرار الذاتية، نُشر نشرة متواضعة سنة 1965، ويضم بين دفتيه مائة وست وعشرين قصيدةً، من بينها موشحاتٌ وأزجال وتخميسات، في شتى الأذواق الصوفية والمعاني العرفانية والمدائح النبوية. ويسير فيها على طرائق التعبير الصوفي الرمزي تارة، وطرائقه المباشرة تارة أخرى. لكن القارىء للديوان يلمس في قصائده أسلوباً خاصاً بالشيخ يميل به نحو السهولة وتقريب المعاني واستنزالها في أطر غنائية متدفقة الإيقاع. وتبدو ثيمة الحب الإلهي هي الثيمةَ المركزية في الديوان.
ختاماً أقول: إن البحث عن مثل هذا التراثِ الشعري، وجمعَه وتحقيقة ونشرَه والتعريفَ به ودراستَه، ضرورةٌ إنسانية ومعرفية وتاريخية تعزز من غنى الثقافة والتراث الأدبي الصوفي في الأردن. 
أديب وأكاديمي من الأردن

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *