«ماليفيسنت» ..أنجلينا جولي في أسطورة الجمال النائم


لنا عبد الرحمن
غالباً ما يتم تقديم الحكاية الخرافية من وجهة نظر تصف طبائع الأشخاص، وتكشف حقائقهم من البداية سواء أكانت للطيبين أم الأشرار.. لكن هذا المنظور في التعامل مع الأساطير والقصص الخرافية بدأ يأخذ منحى آخر مع قيام شركة «ديزني» بإعادة تقديم أفلام مُستوحاة من حكايات خرافية، يتم تناولها من وجهة نظر مُنسجمة مع الزمن المعاصر وتقنيات السينما الجديدة، وأكثر غوصاً في تحليل الدوافع النفسية للأبطال، وأثرها في تصرفاتهم، كما رأينا من قبل في فيلم «ساحر أوز العظيم»، الذي أُعيد تقديمه في 2013.

وفي هذا العام، تُعيد شركة «ديزني» في فيلمها «ماليفيسنت» (MALEFICENT) للمخرج روبرت سترونجبرج؛ تقديم قصة مُستوحاة من أسطورة «الجمال النائم»، في فيلم ثلاثي الأبعاد تؤدي أنجلينا جولي فيه دور الساحرة الشريرة. الحكاية الأصلية قدمتها استوديوهات والت ديزني في عام 1952 ؛ وتحكي عن زوجة أب استعانت بالسحر، ووضعت السم في تفاحة لتحكم على شابة صغيرة بالنوم حتى قدوم شاب يحبها ويمنحها (قبلة حب حقيقي) لإبطال مفعول السحر.

فيلم «ماليفيسنت» يعيد صياغة هذه الحكاية، أو الاستفادة من علاقة السحر بالحب. ولعل هذا هو الخيط المشترك بين فيلم «الجمال النائم» (1952)، وبين «ماليفيسنت» (2014)، أي إعادة التأكيد على أهمية الحب في الشفاء من الشرور واللعنات. لكن ثمة ما ينبغي التوقف بشأنه قبل الخوض في حكاية «ماليفيسنت»، هو أن هذا الفيلم يمنح الساحرة الشريرة فرصة للكلام عن نفسها، إذ تطل برأسها بعد مرور كل هذه السنوات على ذيوع صيت شرها، لتسرد روايتها. تميط اللثام عن وجه آخر لها، مؤكدة أن لحكايتها أكثر من وجه. في «ماليفيسنت» أيضاً يمثل «الحب» طاقة الحياة والموت، التدمير والبناء، بينما طغت فكرة «الجمال» فقط على أسطورة «الجمال النائم»؛ فالفتاة الجميلة تحصل على لعنة زوجة أبيها الشريرة بسبب جمالها الفائق، في حين أن «ماليفيسنت» يخوض في الطبقات التحتية للنفس البشرية بما يتجاوز الشكل الخارجي بحثاً عن أسباب أعمق لهبوب رياح الشر. هكذا يتداخل عالم الخرافة، مع النزعات الإنسانية المُوْغِلَة في القِدَمِ، من جشع، وأنانية، وغريزة الطموح، والرغبة في المجد… لتظل عاطفة الحب النقي، أو «إكسير» الحب وسيلة الشفاء الوحيدة.

«ماليفيسنت» هي جنيّة طيبة ذات جناحين كبيرين ، تعيش في عالم الخيال والأحلام في مملكة «المورو»، مع كائنات خرافية، وزهور مُتكلِّمة، ونباتات مرحة، وضفادع وطيور محبة لها؛ ماليفيسنت أيضاً هي حامية المملكة من الغزاة البشريين الذين ينوون القضاء عليها. لكن حين يطرق الحب الباب تختلف المعادلات، هكذا تلتقي ماليفيسنت وهي في السادسة عشرة من عمرها بشاب بشري في مثل سنها، تَجَرَّأَ على الاقتراب من مملكتها، ولأنها بريئة وطيبة، لم تفكر أن تبادله العداء، بل تقع في حبه، ويتبادلان قبلة حب يقول إنها: «قبلة حب حقيقي»؛ لكنها لم تكن كذلك.

بعد هذا المشهد، وبعد انتقال ماليفيسنت من المراهقة إلى الشباب تظهر شخصية أنجلينا جولي، ويبدأ تركيز المخرج على المشاهد التي تظهر فيها جولي لتكون بؤرة الحدث على مدار الفيلم. نعرف أن الشاب البشري غاب عن حياتها لسنوات، لكنه يعود فجأة مُدَعياً أنه يريد تنبيهها بأن الملك البشري للمملكة المجاورة يريد قتلها، وسلب جناحيها. وللمرة الثانية لا يكون صادقاً معها، فحين تثق به ماليفيسنت، وتستعيد معه عهود الحب، وتستلقي إلى جواره بعد أن يدفعها إلى الشرب من كأس ما، تنام لساعات، ثم تصحو على الحقيقة المُفْجِعَة، أن الشاب الذي أحبته ووثقت به غدر بها وقطع جناحيها، ليقدمها للملك كي يرضى عنه ويزوجه ابنته، ويصبح ملكاً من بعده. تدرك ماليفيسنت أن طمعه البشري بالسلطة جعله يتخلى عن حبه لها، بل يطعنها بقوتها، ويجردها منها. هكذا تتحول إلى جنية شريرة، وتصر على الانتقام من حبيبها السابق مهما كان الأمر. تفقد ثقتها بالحب وتعلن رؤيتها الجديدة: «الحب الحقيقي غير موجود»؛ وتنتظر بلهفة كي تأتيها فرصة الانتقام، حين يتزوج عدوها اللدود من ابنة الملك ويُرزق بطفلة صغيرة تُدعى «أورورا»، وفي يوم احتفاله بقدوم مولودته تأتي ماليفيسنت إلى الحفل، وعلى مرأى ومسمع من سكان المملكة، تكشف عن نواياها ولعنتها: «حين تكمل الطفلة عامها السادس عشر، ستجرح إصبعها بإبرة وتنام نوماً أبدياً، لن تستيقظ منه إلا بحصولها على قبلة حب حقيقي». ولأن ماليفيسنت تؤمن بأن الحب الحقيقي غير موجود، وأنه السبب بشقائها، ترى أن لعنتها ستكون دائمة، وأن الأميرة الصغيرة ستظل نائمة للأبد، هكذا يتحقق انتقامها.

يواجه الملك لعنة ماليفيسنت بأن يرسل ابنته برعاية ثلاث من الجنيات إلى الغابة، لتحيا هناك في مكان آمن، لكن ماليفيسنت تَتَمكَّن من الوصول للطفلة، بل وتنقذها أكثر من مرة من خطر الموت، بهدف أن تعيش كي يتم الانتقام كما أرادته الساحرة.

ووفق مقولة «انقلب السحر على الساحر»، فإن الطفولة والبراءة التي تراها ماليفيسنت في عيني «أورورا» الصغيرة، تجعل قلبها يهفو لها. تكبر الطفلة التي اعتادت رؤية الساحرة من دون أن تدرك أنها السبب في لعنة قادمة سَتَحِلُ بها، هكذا تُنسَجُ بينهما وشائج عاطفة محبة حقيقية وغامضة في آنٍ واحد. ماليفيسنت تدرك أن «أورورا» ابنة عدوها، وتصر على الانتقام حتى النهاية، لكن في الوقت عينه تشف روحها لمرأى الطفولة البريئة الخالية من الأحقاد، ولعل المشهد الأول الذي جمع بينهما في الغابة أول مرة يكشف كيف أن ماليفيسنت ترى في «أورورا» ما يذكرها بنفسها الماضية التي مزقها الحب.

قبل أن تَحِلّ اللعنة على الأميرة الصغيرة، تلتقي صدفة مع شاب في مثل سنها يعبر الغابة بحثاً عن مملكة أبيها، تظن ماليفيسنت أن هذا الشاب هو من سيمنح الأميرة (قبلة حب حقيقي)، وحين تقع لعنتها بالفعل وتبدأ أورورا بالنوم الأبدي، تأمر ماليفيسنت بإحضار الشاب الصغير، لكنه حين يقترب ويمنح الأميرة قبلته، لا تستيقظ، وتستمر في نومها، مما يعني أن عاطفته غير صادقة. تيقنت الساحرة أن لعنتها لن تزول، بسبب غياب الحب، وفي مشهد إلى جانب سرير الأميرة النائمة تعترف فيه بندمها على ما قامت به، وتتعهد بالبقاء بالقرب منها، تقترب وتمنحها قبلة على خدها، حينها تستيقظ أورورا، لأن ما تحمله لها ماليفيسنت من عاطفة حقيقي جداً، بدليل أنها أزالت لعنة السحر.

ثمة فكر «نسوي» مباشر يتمكّن المشاهد من التوقف أمامه بعد نهاية الفيلم؛ ولا ندري إذا كان هذا مقصوداً. الرجل على مدار الفيلم محور الشر، وحتى حين يبطل السحر فإنه يزول بتأثير (الجنية- المرأة) التي صنعته أيضاً، أي أن الرجل في «ماليفيسنت» ليس له دور إيجابي في حياة البطلتين، سواء كانت الجنية، أم الأميرة الصغيرة.

يركز الفيلم على أداء أنجلينا جولي، بحيث يبدو تمثيل سائر الممثلين إلى جانبها باهتاً جداً. توجد أيضاً عيوب في السيناريو، والإخراج، وتقطيع المشاهد، لدرجة أن الفكرة الرئيسية تبدو أحياناً في خلفية الحكاية أو تنقصها تتمة ما، في مقابل التركيز على ملامح أنجلينا جولي وأقوالها وتحركاتها.
عن مجلة الدوحة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *