خلافات اتحاد الناشرين الأردنيين تعصف بمعرض عمّان؛ فهل تتخلى المؤسسات الرسمية عن دورها؟


*منى شكري

خاص- ( ثقافات )

من يراقبُ المشهدَ الثقافيَّ الأردني عبر نشاط وفاعلية المؤسسات الرسمية والمعنية؛ يُصاب بالكمد، لغياب الاستراتيجيات بعيدة المدى فيما يخص التظاهرات الثقافية على اختلافها والتي تقع غالباً فريسة غياب التخطيط والتنظيم وخلافات غامضة من وراء الكواليس لا تعبأ بالعواقب التي لا تقود إلا لمزيد من الجهل والتطرف. لتتقاعس أو تتخلى تلك المؤسسات عن دورها كخط من خطوط مجابهة المد الظلامي، ولا تضطلع بدورها الحقيقي في نشر المعرفة والتصدي للنكوص الثقافي والاجتماعي السائد. 
فرغم أن موعد معرض عمّان الدولي للكتاب في دورته السادسة عشرة لم يتبق عليه أكثر من ثلاثة أشهر، ما تزال لا تلوح في الأفق أي بوادر لتحضيرات تليق وتتناسب مع هذا الحدث الثقافي البارز على مستوى المملكة الذي لم ينقطع عن موعده منذ انطلاقه. وما يزيد الطين بلة أن مصادر أكدت لثقافات أن المعرض لن يقام هذا العام، لخلافات داخلية في “اتحاد الناشرين الأردنيين”!! و”دعم خجول من قبل الجهات الرسمية”!!
وعلى أثر تلك الخلافات قدم رئيس “الاتحاد” الناشر حسن صالح استقالته، بسبب ما أسماه “تهرب” بعض أعضاء الهيئة الإدارية من حضور الاجتماعات التي تتعلق في إقامة المعرض الأمر الذي يؤدي إلى “المماطلة والتسويف لانقضاء الوقت دون الاستعداد لهذا الحدث الثقافي الجلل”، وفق صالح الذي أوضح في تصريح خاص بثقافات أنه “حريص على إقامة المعرض تنفيذاً لقرارات الهيئة العامة للاتحاد لعام 2013 بإقامة معرض عمان سنوياً، لما تقتضيه المصلحة الوطنية والمهنية الأردنية.
وفي الوقت الذي قال فيه صالح لـ ( ثقافات ) إن المعرض “لن يقام في ظل عدم إبداء أي حماسة لإقامته من قبل بعض الأعضاء في الاتحاد علماً أنه نشر تعميماً على الاتحاد والجهات المعنية ليكون المعرض في الفترة الواقعة بين 19 آب (أغسطس) 2015 حتى 29 من الشهر نفسه، إلا أن وزارة الثقافة الأردنية ممثلة بمدير الدراسات والنشر الكاتب والروائي الأردني هزاع البراري، أكدت لثقافات أن الوزارة “على علم أن اتحاد الناشرين بدأ خطوات إقامة المعرض هذا العام. والذي يقام في شهر أيلول (سبتمبر) موعده الرسمي”. 
وأوضح البراري أن وزارة الثقافة “لا تتدخل بشكل مباشر في إدارة وتوجيه المعرض. فهو فعل خاص بهيئة ثقافية نقابية مستقلة وفاعلة هي اتحاد الناشرين اﻷردنيين”. مشيراً إلى أن الوزارة “تقدم دعماً مالياً وتسهل عمل إدارة المعرض رسمياً من خلال المخاطبات الرسمية”.
وبين البراري لثقافات أن (الاتحاد) “مر بمحطات خلاف داخلية لكنه اﻵن يقوم بمهامه القانونية”. داعياً الناشرين للالتفاف حول المعرض وتجاوز الخلافات ﻷن هذا الحدث “عنوان ثقافي أردني كبير. وفعل له مردود مهم فكرياً وإبداعياً واقتصادياً. وله أهمية كبيرة في هذه المرحلة الحرجة في ظل الفوضى المحيطة وحالات التكفير والظلامية واﻹرهاب مما يجعل للمعرض فعلاً ثقافياً تنوريا مهما”.
وفي معرض ردّ وزيرة الثقافة الأردنية الدكتورة لانا مامكنغ على منشور لرئيس تحرير ثقافات يحيى القيسي والذي نشره على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مخاطباً الوزيرة قائلاً: “معالي الوزيرة..أرجو أن لا يمر العام بدون أن يقام معرض الكتاب في عمان..هو يوفر فرصة حقيقية لعشاق الكلمة وللمثقفين أيضاً ولطلبة المدارس..المعرض بحاجة إلى تطوير وترسيخ ومأسسة بغض النظر عن الخلافات التي تعصف بالناشرين وأمزجتهم .. نتمنى تشكيل لجنة عليا لإدارته من كل الجهات الرسمية والقطاع الخاص لإنجاحه .. الموضوع سمعة وطنية ثقافية لا يمكن التفريط بها …”، ليأتي رد الوزيرة: “سنعمل كل ما بوسعنا لإنجاح المعرض بالتعاون مع الجهة المنظمة وهي اتحاد الناشرين”.
يبدو أن السجال الدائر يشير إلى غياب التنسيق وعدم الجاهزية وإلقاء كل جهة المسؤولية على الأخرى، ما يعني أن تلك الخلافات أو ذلك التخبط العشوائي قد يعصف بالمعرض الذي يشكل الوجه الحضاري للبلد ويصب في المصلحة العامة على الأصعدة المختلفة.
رئيس اتحاد الناشرين صالح، أوضح أن هناك “مصالح جانبية لمن لا يرغبون بإقامة المعرض” والمصلحة التي يجب تغليبها “خدمة الجمهور والناشر” من جهة و “الارتقاء لمستوى الحدث على صعيد الدولة باعتبار المعرض احتفالية ثقافية وواجهة حضارية يجب أن تليق بالأردن” من جهة أخرى. 
ونوه صالح إلى أنه قدم كتاباً لوزارة الثقافة مطالباً الوزارة بتشكيل لجنة عليا للنظر في شأن المعرض وأعد تقريراً أشار فيه إلى أهمية إقامته والواجبات التي تلقى على عاتق المؤسسات الرسمية والأهلية، إلّا أن رد الوزارة جاء “بعد تقديم استقالتي بتشكيل لجنة”، لافتاً إلى أنه لم يجد الدعم اللازم.
وشدد صالح على أهمية دور الاتحاد في دعم الثقافة والتواجد في المعرض غير أن هذا الفعل يجب أن يُناط بوزارة الثقافة كجهة رسمية “وهو ما نفقتده بالأردن” !
من جانبه أوضح مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر ماهر الكيالي لـ( ثقافات )، أن ما يدور في أروقة وأوساط الناشرين أن المعرض “لن يُقام هذا العام لأكثر من سبب”، أهمّها أن الخلاف داخل الهيئة الإدارية في اتحاد الناشرين استفحل بعد أن قدم رئيسها حسن صالح استقالته”، فضلاً عن أن الجهات التي تدعم معرض عمان وهي؛ وزارة الثقافة وأمانة عمان ومؤسسة شومان “لا تبدي أي حماس نحو المعرض”. إلى جانب أن بعض الناشرين الأردنيين يقول إن إقامة معرض سنوي للكتاب “لا مبرّر له على ضوء قلة العناوين الجديدة الصادرة منذ معرض العام الماضي” !!
وأكد الكيالي أن معارض الكتب بحاجة إلى تضافر جهود جميع المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص؛ لأنها تمس بسمعة البلد، منوهاً إلى أن الارتجال وتأجيل الأمور ليسا من مصلحة أحد.
وكان معرض عمان الدولي للكتاب أقيم العام 2014 في دورته الخامسة عشر بالعاصمة الأردنية في الثالث من أيلول وتواصل حتى الثالث عشر من الشهر نفسه، بمشاركة 500 دار نشر أردنية عربية وعالمية، وأقيمت الندوات الفكرية والثقافية وتواقيع الكتب ضمن فعاليات المعرض.
وعن ضبابية الرؤية وانعدام التخطيط والتردد في تنظيم معرض عمان للكتاب هذا العام، فتشير وفق  الكاتب باسم الطويسي، إلى تراكم عدم الاهتمام بالجانب الثقافي، وتضيف المزيد من التراجع على الأداء الرسمي خلال السنوات الناضية وهذا التراجع تتحمل مسؤوليته المؤسسات الرسمية والأهلية على حد سواء.
وأوضح الطويسي في تصريح لثقافات أن صناعة الكتاب في الأردن لها مستقبل وعلى الجهات المعنية أن تعي أن أمام عمان فرصة كبيرة جداً لتتحول إلى نقطة او مركز إقليمي لصناعة الكتاب في الوقت الذي تتراجع فيه المراكز المعروفة تاريخياً بهذا المجال سواء في دمشق أو بيروت أو دمشق نتيجة الظروف الأمنية والسياسية ما يعني أن هناك فرصة قوية للأردن وللقطاع الثقافي الاردني بأن يغتنم هذه الفرصة ويستثمر فيها في مجال الصناعة الثقافية.
وشدد الطويسي على أن موضوع الكتاب ونشر ثقافة القراءة وسط المجتمع الأردني لم يعد مجرد ترف معرفي للنخب فحسب، بل هو حاجة ضرورية وسط حالة الانتكاسة التي تشهدها المنطقة، متابعاً أن ما نشهده اليوم ليس انتكاسة سياسية واستراتيجية، وإنما سؤال التطرف سؤال ثقافي بامتياز ويحتاج إلى إجابة ثقافية أيضا بامتياز وعندما نتحدث عن تردد في تنظيم معرض ثقافي فهذا أمر مخجل لصالح القرار الثقافي سواء الرسمي أو الأهلي!.
وعن مخاطر تجاهل أو إلغاء معرض عمان للكتاب قال الكاتب والقاص والمسرحي الأردني مفلح العدوان لـ ( ثقافات )، إن ذلك سيكون خسارة كبيرة للأردن وللثقافة، ومن المفروض بعد دوراته الكثيرة أن يكون قد تمأسس بشكل منظم، حيث لا يخضع للأهواء أو الظروف التي تجعله كل سنة مهدداً بشكل يضع كثيراً من علامات الاستفهام حول التعامل مع الكتاب، والتفاعل مع الثقافة.
وأوضح العدوان: “ربما كان من المفترض أن تتبنى وزارة الثقافة أو أمانة عمان، تأسيس وتجهيز مكان دائم للمعارض، أسوة بكثير من الدول، وتكون (أرض المعارض) هذه حاضنة لمعرض الكتاب، ولغيره من المعارض التي تغطي جميع القطاعات في المجتمع، كما أنه لا بد من دعمها مادياً ومعنوياً؛ لأن مثل هذه المعارض، وأخص هنا بشكل أكثر معرض الكتاب، حاضنة لتهذيب المجتمع، وامتصاص جرعات العنف والتطرف، ومنارة للتنوير والتثقيف وخلق نشء حضاري مبدع مثقف، وبالتالي فالوظيفة هنا تراكمية، وهي مهمة للدولة وللقطاعات الثقافية وللمجتمع بشكل عام”.
وفي الوقت الذي أكد فيه صالح أن البوادر تشير إلى “عدم إقامة المعرض”، مرجعاً ذلك إلى “لا أحد ينادي بنفس قوي لإقامته”، إلا أنه يوجه نداء لوزارة الثقافة بضرورة استدراك الأمر وإقامة المعرض ولو تأخر عن موعده لشهر تشرين الأول المقبل، فالمهم، وفق صالح، أن يقام ويخطط له تخطيطاً جيداً لما لهذا الحدث من أهمية في عرض الإنتاج العربي والأردني المحلي والخارجي للجمهور بأقل الأسعار، بالإضافة إلى استقطاب المعرض الناشر العربي، إذ تشكل عمّان حالياً سوقاً عربياً هادئاً منتجاً، وصناعة النشر الأردنية تنافس منافسة قوية صناعة النشر العربية اللبنانية والمصرية التي بدأت تتراجع مؤخراً.
وأمام هذا الواقع ندعو الجهات الرسمية والمعنية، سيما وزارة الثقافة وأمانة عمّان لتحمل مسؤولياتها وأن تشكل ورقة ضغط حتى يرى المعرض النور، وتمارس بذلك دورها التثقيفي والتنويري المفترض، وألا تتنصل من مسؤولياتها الرسمية والأدبية وتُعمِل مِعوَل المعرفة في جدران الجهل الذي أغلق عقول الكثير من المضلَّلين وأوصلنا إلى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية، كما عليها ألا تسمح بانضمام خير “جليس” إلى طابور طويل من ضحايا العرض والطلب ولغة السوق التي لا تقيم وزنا لقيم الخير والجمال والحق!. 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *