ثقافة الصورة المتلفزة وإشكالية صناعة المضمون



أ. د ياس خضير البياتي*

خاص- ( ثقافات ) بالاتفاق مع مجلة “الفجيرة الثقافية” 

لا شك أن هناك عالماً جديداً ومختلفاً نعيش فيه، أصبح الإعلام فيه هو القوة المؤثرة وتحولت “ثقافة الصورة” في هذا العالم إلى سلطة على الأذهان والعقول، ولم يعد هناك تأثير قوي لأية سلطة معرفية سوى سلطة الصورة في مفرداتها وتجلياتها المختلفة.
إنه عالم جديد متغير ومتبدل، الإعلام فيه يمثل سلطة معرفية عبر ثقافة الصورة وهي ثقافة تبرمج وتهندس اليوم عقول البشر، وتقوم بصياغة اتجاهات الرأي في المجتمعات. لقد انتقل العالم معرفياً من سلطة المثقف إلى سلطة الإعلام، وسلطة الصورة، والدخول في زمن تغيّر جذري عن الزمن القديم، وهذه السلطة المعرفية الجديدة هي التي ساهمت مساهمة كبيرة وعميقة في الثورات العربية وفي تغيير وجه العالم العربي عبر الأجيال الجديدة.
وليس من المبالغة أن نقول عن عصرنا الحالي (عصر الصورة)، إذ هي حاضرة مركزياً في كل المجالات النظرية والتطبيقية، السياسية والاجتماعية والعسكرية والأدبية والفنية، وغيرها وقد انعكست أهميتها في الخطاب النقدي والأدبي، وتردَّدت لها مصطلحات متعددة، منها: (المشهدية، والصورة الناطقة، والصامتة، والمتحركة، والجزئية، والكلية، والملونة وغير الملوَّنة، والمكبَّرة، والمصغَّرة).
وتُشكّل ثقافة الصورة حيزاً كبيراً في الخطاب الثقافي، وتكاد الصورة تتفوق على ثقافة الكلمة في كثير من مقامات الخطاب السياسي والاجتماعي، ولعل المثيرات البصرية والإيحاءات الدلالية المتوافرة في خطاب الصورة أكثر تأثيراً وإثارة من المثيرات الدلالية التي يحويها الخطاب المقروء أو المسموع، ولا يخفى أن الشفافية وغياب القناع الدلالي في ثقافة الصورة يوفران قطاعاً واسعا من المتلقين على اختلاف مشاربهم الأيدلوجية وانتماءاتهم الطبقية.
ولقد تنبّه العالم، مؤخراً، بفعل الإرتدادات الإنقلابية للصورة، الى أن الاخيرة كسرت مفهوم الحيادية، بعد أن كانت تمثّل التجلي الأمثل للحقيقة، فقد بات بإمكان الصورة أن تبطن أيديولوجية صانعها..فصنمية الصورة، أنها لا تقول كلّ الحكاية، على حد عبارة “جان بودريار”. 
و بإمكان الصورة أن تكون غير محايدة بالإحتجاب كلياً أو جزئياً. وفي بعدها الإعلامي المباشر، أن الصورة تمارس فن صنع واقع آخر غير الواقع الفعلي، وذلك يشّكل ملكة الرؤية للعين في الكشف عن الحقيقة، فالصورة تصنع حقيقة مضادة أحياناً، بما يحيل إلى خطر آخر.
حصار الصورة
إن المعرفة الانسانية عموماً منسوجة من كتلة تصويرات متفاوتة في تعبيراتها ودلالاتها، وأن مسيرة المعرفة كانت مترافقة على الدوام مع زيادة الثراء التخيّلي والتراث البصري على طول التاريخ. نتذكر هنا مقولة أرسطو: (أن التفكير مستحيل من دون صور)، فالصورة كانت دائماً عنصراً تحريضياً في الانشغالات الفلسفية، ومدخلاً حتمياً للإجابة عن سؤال الماهية، التي تعني هيئة الشيء، حيث يتجلى بقاء الأشياء في استمرارها، وما يبقى منها يتم الكشف عنه في الصورة (حيث يتجلى ما هو كل شيء من نوع جنس ما.
لقد بات المثقف مطوّقاً بضراوة الصورة، التي نزعت منه سلطة كان يتمتع بها فيما مضى، على وقع تقهقر متواصل لدور الكلمة المكتوبة، التي يعوّل عليها في صنع رؤية للعالم وتغييره، فقد خرجت (السيطرة من مجالها الثقافي التقليدي وانتقلت إلى مراكز جديدة، تضطلع بدور صنع الرؤى والتأثير فيها، ممثلة في أبطال الصورة الذين يتربّعون على عرش الثقافة الجماهيرية من نجوم الغناء، وأبطال الأفلام وكرة القدم، ومصممي الأزياء..فهؤلاء يحققون انتشاراً كونياً، ويضخُّون قيماً استهلاكية تغمر الكيانات الثقافية بكل تجيهزاتها الإتصالية، ووعودها المثالية، وتسلب منها قدرة المجابهة مع مارد الصورة العابر للقارات، فقد سبقت الصورة إلى تحقيق فكرة القرية العالمية، وصولاً إلى تفكيك المنظومات الثقافية والقيمية السائدة، فغلبة الصوت والصورة القائمين على التقنية بمثابة ضغط شديد على الأداة الرئيسية لتجربة الثقافة الرفيعة المستمرة، أي الكلمة المطبوعة، بحسب ايريك هوبزباوم) (1).
وبما أن أكثر المثيرات تأثيراً في نشاط المخ البشري هي المثيرات البصرية، فنحو 80 % وربما أكثر من المدخلات والإنطباعات الحسية التي نستخدمها في الحصول على معلومات عن البيئة وعن ما يحيط بنا هي مدخلات وانطباعات بصرية. لذا يمكننا القول أننا نعيش في عصر الصورة، فلم تعد الصورة تساوي ألف كلمة – كما جاء في القول الصيني الشهير – بل صارت بمليون كلمة وربما أكثر. ولقد أصبحت الصور مرتبطة الآن على نحو لم يسبق له مثيل بكل جوانب حياة الانسان.
وبدون شك فإن ثقافة الصورة لا تلغي ثقافة الكلمة وإنما تتعايش معها، تسند إحداهما الأخرى وتعزز دورها، وإذا كانت ثقافة الكلمة المكتوبة خاصة بالنخب المتعلمة فإن متلقي ثقافة الصورة هم كل البشر الذين يحظون بنعمة البصر، بيد أن القول بأن هذه الثقافة الأخيرة تزيل الأمية الثقافية يبقى بحاجة إلى مراجعة وإعادة تقويم. فالصورة نفسها هي علامة، مبتكرة بسياق معين وأفق دلالي وموجهات إيديولوجية وفي ضوء مصالح وأهداف، وصناعتها تخضع في أثناء الإنتاج لمنظومة قيم ومعايير صنّاعها.
جدلية الصورة والرأي العام
واليوم هناك كثير من المفكرين الذين يطرحون رأياً مؤداه أن ثقافة الصورة لا تعكس الواقع في حقيقته، وإنما تخلق واقعاً متخيلاً ومتوهما، لأنها ببساطة تصدر عن إيديولوجية مؤسسات تبغي التحكم والسيطرة على العقول لغايات سياسية واقتصادية. وإذا كانت ثقافة الاستهلاك من خلال صناعة الصور تنمِّط العقل وتحدده وتسطِّحه لترسخ قيماً عابرة وتخاطب الغرائز، وتطيح بالذاكرة وتشيع النسيان. فهذا يتطلب منّا التعامل مع هذه الثقافة وهذه الصناعة بوعي نقدي من جهة، والعمل على المشاركة في إبداعها من جهة ثانية، وهذه المرة بأفق أخلاقي وإنساني، وتأصيل القيم الثقافية الحضارية القائمة على مبادئ الحق والحقيقة والخير والجمال. وقد يبدو هذا كلاماً عاماً، وحلماً “طوباوياً”، وسيبقى كذلك ما لم تصبح المشاركة الفعّالة في صناعة الصورة والقضاء على أمية المشاهدة؛ داخلة في صلب استراتيجية مؤسسات الدولة والمجتمع التربوية والعلمية والبحثية والإعلامية، ومن أولوياتها التنموية. (2)
ولا يخفى الدور الوظيفي للصورة في الخطاب الثقافي السيميائي، فقد أضحت الصورة قناة تواصل تملك قدرة على منافسة الكلمة في كثير من السياقات والمقامات، وتعود تلك القدرة إلى حزمة من المواصفات، نحو غياب القناع الدلالي، إذ تتجلى الدلالة في الصورة أكثر من دلالة الكلمة التي قد تتحصن خلف الأقنعة والرموز والإيحاءات، ويفضي هذا الجلاء الدلالي للصورة إلى اتساع دائرة المتلقين الذين يتفاعلون مع دلالة الصورة، أما التفاعل مع الكلمة فقد يقتضي خصوصية ثقافية فكرية وأبعاداً أيدلوجية مقصورة على نخبة من المتلقين. كما أن الصورة تمنح المتلقي فضاءاً تأملياً يتسع لكل الأحداث التي تعبر عنها، ويستوعب الأطياف الوجدانية التي تنجم عن تفاعل المتلقي مع الصورة .(3)
عولمة الصورة الفضائية
يعتمد الشكل الخطابي للصورة المرئية على تحقيق وظائف تسهم في تقديم التجسيد المرئي للإرساليات المتعددة التي تمثلت بصيغ مشهدية، وصور متراكبة يظهر عليها التتابع المنطقي للدلالة، لكنها تشتمل على صيغ التفكك المتعلق بميزة كل صورة وخصوصيتها؛ ويمكن تحديد تلك الوظائف بـ ( الانتقائية، والسلطوية، والتأثيرية، والحركية، والتوالد الكثيف، فضلاً عن الدلالات التواصلية) .
إن ما حوَّلَ الصورة إلى سلطة بالغة التأثير، وجعلها أداة إعلامية تفوق الكلمة المنطوقة والمكتوبة، حيث يكاد المتلقي لا يتقبَّل خبراً، ولا يقتنع برأي، ولا يصدق وعداً، ولا يقبل على سلعة إلا إذا اقترن هذا كله بالصورة، ومن ثم فإن أجهزة الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة، تسعى إلى تعويض فقد الصورة بوصفها وصفاً دقيقاً، ذلك أن الصورة ألغت الحدود الفاصلة في الزمان والمكان، و ألغت قوانين الحضور والغياب، بل أزالت الحاجز بين الأموات والأحياء، فمن ماتوا نراهم يتحرَّكون ويتكلَّمون ويفعلون من خلال الصورة التي حفظتهم من الغياب المطلق الذي كان عليه الأمر قبل ظهور تقنيات الصورة الحديثة.
لكن الخطورة الآن أن الصورة تتحوَّل – أحياناً – إلى أداة تزييف للحقائق، ووسيلة خداع للمشاهد، إذ إن التقنيات تدخَّلت فيها بالحذف والإضافة والإحلال والتبديل، وهو ما يجعل منها سلطة فاسدة مضلِّلة، تستعملها الأجهزة السلطوية في تحقيق أهدافها المضمرة والصريحة، وربما لهذا لاحظنا أن هناك اتجاهاً يرفض ثقافة الصورة، بدعوى أن ضررها أكثر من نفعها. (4)
ويمكن اعتبار ( حضارة الصورة ) أداة من ادوات العولمة الإعلامية وحقلاً مهماً لممارسة توجهات هذه العولمة ايديولوجيا وثقافياً واقتصادياً ودعائياً ونفسياً، وما نزال نتذكر كيف جسدت شبكة ( C.N.N ) الأمريكية أثناء حرب الخليج الثانية، لأول مرة، مفهوم العولمة بشكل قوي، ونبّهتنا الى قيمة الصورة الفضائية في الحدث العالمي وتكوين (القرية الإعلامية )، مع ما شكّلته التغطية الخبرية للشبكة من تساؤلات مشروعة حول خطورة الهيمنة الإعلامية ومضامينها. وهذا الأمر ينطبق أيضاً، بما حد ث في حرب الخليج الثالثة، عندما كانت الفضائيات العربية والعالمية تختزل الزمان والمكان وتتفاعل(عولمة صواريخ الكروز) مع (عولمة الصورة الفضائية) لتكوّن مشهّد العولمة المفزعة! 
لقد أصبحت الصورة الفضائية الرقمية تختلف عن صورة الماضي لأن صور اليوم تسبق الواقع، بينما كانت صور الماضي تجئ تالية للواقع. ولم تعد الصورة محاكاة للواقع، بل أصبح الواقع أشبه بالمحاكاة للصور، وهذا ما يتجسد اليوم في سلوك الشباب الذي يحاكون سلوك الممثلين ولاعبي الكرة ونجوم الغناء، مثلما يجري تشكيل الحياة السياسية والاجتماعية على نحو متزايد من خلال عروض “الميديا”، بحيث أصبحت “ثقافة الميديا” لا تشغل الوقت وتستنفذ الطاقة فحسب؛ بل تقدم مادة متزايدة للتخيّل والأحلام وصياغة الأفكار والسلوك والشخصيات، وتسلب عقول الناس وتغويهم، وتدمجهم في مجتمع الاستهلاك… مجتمع الترفيه والمعلومات والاستهلاك، مما يؤثر في التفكير والسلوك. 
وكان طبيعياً أن تبرز ثقافة الصورة الإعلامية مظاهر سلبيّة أبرزها: 
1. هيمنة ثقافة المظهر والشكل والابهار واللمعان والاستعراض والمهرجان على حساب ثقافة الجوهر والمضمون والقيمة والعمق. وبمعنى آخر تصبح الصورة بديلاً عن الواقع حيث تزييف الوعي وغيابه، ويتحول الإنسان الى شئ او سلعة. 
2. اختفاء الإبداع، حيث سيادة ثقافة الكثرة والاستهلاك والنقل والمحاكاة لأعمال وبرامج فنية وغنائية تلفزيونية. 
3. هيمنة ثقافة صناعة النجوم، وتحويل البشر الى سلع. 
4. هيمنة ثقافة (التكرار) وهو عدو لدود للإبداع. (5)
وما يثير الانتباه بروز ظاهرة إغراق الصورة الإعلامية في المنطقة العربية، وتنوع مصادرها من خلال الفضائيات، وهو الإغراق الذي يؤدي أحياناً إلى تنمية القلق داخل الشخصية، وإحداث ثغرات في الشخصية والمعارف والسلوك والاتجاهات.فقد أشار “تيكتور” وغيره بأن (تزايد المعلومات وتدفقها في نظام اجتماعي يؤدي إلى توسيع ثغرة المعرفة بدلاً من تناقصها) (6). بينما يشير “روجرز” إلى أن المعلومات لن تؤدي فقط إلى تزايد ثغرات المعرفة بل إلى ثغرات في السلوك والاتجاهات (7).
والملاحظ أن القاسم المشترك لبرامج القنوات الفضائية هو المادة الترفيهية وأفلام الجريمة والعنف والرعب والجنس، أي إن ثقافة الصورة تطغي عليها أكثر من ظاهرة: مثل الاغتراب، والقلق، وإثارة الغريزة الفردية، والعدوانية، ودافعية الانحراف، وسلطة المال والنساء، وحب الاستهلاك، والأنانية، وعدم الاكتراث ،والتمرد، وكلها مفردات حياتية تتأسس في إدراك الفرد وسلوكه ومعارفه، حيث تتحول أحياناً من صورة ذهنية إلى نشاط عملي عن طريق المحاكاة والتقليد وعمليات التطبيع الاجتماعي .
وبقدر ما تعتبر ظاهرة الشباب عالمية بعلاقتها في ثقافة الصورة، فإنّ الشباب والمراهقين الذين يشكلون وزناً ديموغرافياً مهماً في المجتمع العربي، يستمدون الكثير من أنماط السلوك والمُثل والقيم من الصورة الإعلامية الحديثة، حيث أصبحت ثقافة هذه الصورة تنافس ثقافة العائلة والمدرسة والنظم الاجتماعية..الخ في عمليات التنشئة الاجتماعية.
وعلى الرغم من الاختلاف بين المحطات الفضائية العربية وغير العربية على صعيد انتقائها لبرامجها وبالتحديد لبرامج التسلية والترفيه، إلا أن الثقافة التي تشيعها هذه الأخيرة خصوصاً ومحطات التلفزة عموما تقوم على مجموعة عناصر، من أبرزها: 
السرعة والآنية:
الشاشة دائما على عجالة من أمرها، فلا مجال للتوقف والتفكير والعودة للوراء. هي تعمل على ضغط الزمن قدر الامكان، لأنّ زمن البث سعره مرتفع، وكلما تمكنت من ضغطه كلما استقطبت الاعلانات. لذا نرى دائماً الأحداث والإيقاعات سريعة، وصور الفيديو كليب متلاطمة. وهذا يعني ان ثقافة اللحظة تعني نسف التاريخ والهوية لصالح الاستهلاك والاثارة.
الربح السهل والسريع: 
الرخاء الذي نشاهده على الشاشة في الافلام والمسلسلات، الجوائز التي يمطر بها المشاهدون، ذلك يحيلنا الى ثقافة التشاطر حيث تهبط الثروة دون عناء. وطبيعي أن تغيب أمام هذه الثقافة، ثقافة الجهد والنفس الطويل، وتلعب الحظوظ دورها بامتياز. 
ج- النجومية الاعلامية:
تحولت الشاشة الى مصنع للنجوم من مقدمين ومقدمات إلى عارضات و فنانين وفنانات ورجال سياسة ونجوم رياضة.. الخ، وتتم صناعة الربح، أما نجومية الجهد والانتاج والعلم فتقبع في مكانها المتواضع. 
وبغياب المشروع وبغياب حتى الممارسة الديمقراطية داخل البنية الاعلامية نفسها، نجد أنفسنا أمام ظاهرة إعلامية جديدة تمارس الصورة فيها وظيفة الإلهاء المتزايد للمشاهدين. 
1. بروز البرامج السياسية التي تغذي الانقسام والصراع من خلال إثارة النعرات الطائفية والقومية والعرقية، والنزاعات المحلية والإقليمية وتثوير الرأي العام. 
2. البرامج الترفيهية الساعية لتفكيك البنى الذهنية العصيّة على النفاذ من خلال العمل الناعم على تفجير السلوكيات وأنماط الحياة بما يتناسب ومتطلبات تعريف الانتاج، عن طريق ربط المتعة بالحداثة، والحداثة بالاستهلاك. وقد تمظهرت بعض البرامج على شاشات الفضائيات العربية بطريقة تلفّها المفارقات وتصبح فيها المتناقضات بضغط من الثقافة والبيئة والظروف والامكانات مثل تلفزيون الواقع ورسائل أ ل(اس ام اس) التي تظهر في اسفل الشاشات على المحطات الترفيهية، واغاني الفيديو كليب الاباحية وأنواع من المسلسلات والأفلام المدبلجة. 
3. البرامج الدينية، وبالذات القنوات المتخصصة التي اصبحت بمثابة شرنقة لكل فئة، أي بمعناه دفع الاسلام نحو مزيد من الانكفاء، وتضيق مسافته بشكل لا يقبل التنوع ولا الاختلاف، ولا حتى الرحمة والغفران، ولا مشاركة الفرق والطوائف فيما بينها على اغناء الفكر الاسلامي وجعله أكثر رحابة. 
4. البرامج الاخبارية والحوارية، حيث الأخبار يطغي عليها الجانب الدعائي للأنظمة، والكوارث والحروب والقتل، بينما تراجعت الأخبار التي تمس حياة المواطنين العادية، وتختفي أخبار منظمات المجتمع المدني، فالجمل الإخبارية اصبحت توحي أكثر مما تبرهن. أما البرامج الحوارية فإنها على العموم غير حيادية، وتقوم على تنافر الاضداد وعلى التمترس على أطراف الثنائيات مما يؤدي الى تكريس الانقسامات الحادة القائمة على الصراعات السياسية والاجتماعية (8). 
وباختصار هناك صناعة للصورة الثقافية وإلإعلامية لا تعتمد على المقاييس الفنية والجمالية بقدر اعتمادها على الجذب والإثارة لتسطيح الفكر و الحياة، وخلق الوعي المشوه والمبسط، وهدر الوقت وإضاعته، وإضعاف مشاركة الشباب المثمرة في النشاطات المختلفة .
وهناك قضية الإعلان الذي يشكّل اليوم ثقافة الشباب العربي في نظرته للحياة، فالمراهق أو الشاب بات يفخر بارتدائه علامة بعض العلامات التجارية الشهيرة، حيث إطلاق العنان للمزيد من أوهام الجمال والحرية التميز، حتى تحولت لعبة التلاعب بالرغبات إلى محنة مريعة، راحت تفاصيلها تتبدى بوضوح على مجمل تفاصيل الحياة العربية، حيث المسعى المحموم لامتلاك الغريب والمميز والفريد.. تلك التفاصيل التي تنامت إلى الحد الذي راح المواطن الشاب يعمل وبكل ما أوتي من طاقة لامتلاك الموبايل الجديد أو الماركة الشهيرة لقميص أو سروال أو نظارة شمسية، ليعمل جاهداً للخلاص منها، بأبخس الأثمان بعد أن ينتهي من العرض المؤقت، حتى صار المزيد من الشباب مجرد عارضين لماركات ومنتجات عالمية من دون وعي بالعواقب التي راحت تعتصر ميزانية العائلة، وتعرضها لمكابدات مالية لا يمكن التغاضي عن أضرارها البالغة، وعلى مختلف الصعد الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية. فهذه أزمة تصنيع الرغبات والتلاعب بأحلام فئات المراهقين والشباب، التي لم تتوقف عند مدركات الموّجه الاستهلاكي والاقتصادي، بقدر ما كان التركيز موجهاً نحو الموجّه الثقافي والسمعي لبناء النموذج الإدراكي الذي يخضع وبالمطلق إلى الرموز الإعلانية التي راحت تؤكدها الماكينة الإعلامية، عبر ربط الحاجات البشرية الأساسية برموز إعلانية بعينها
من هنا تحديداً يتبدى مجال الخطر الداهم الذي يتهدد توجهات وتطلعات الشباب العربي الخليجي، الذي يقف على مفترق الطرق، بين انتمائه وهويته وقيمه وتقاليده، وبين الواقع الذي يعيشه العالم حيث الزحف الإعلاني الذي يترصده من قبل المؤسسة الدعائية باعتبار ارتفاع مستوى الدخل في المنطقة .(9)
الخلاصة، إن الصورة المتلفزة أصبحت تعبر عن ثقافة اليوم، وهي: الاحتفاء بالصورة على حساب الكلمة، وإحلال الإشباع العاطفي محل العقل، والولع بالانطباع بدلاً من الإقناع، والتخلّي عن المعنى لمصلحة اللعب والتسلية، لأن الصور المرئية أحدثت انقلاباً في مسار التأثير الادراكي، وأوجدت قاعدة مهمة من البيانات القصدية لتوجيه المشاهد في مسار مخصوص، وقدمت معالجاتها ومعطياتها من خلال صور متتابعة ومتوالية، تحمل بطاقات منوعة من الدلالات مثلّت بمجملها نشاطا إنسانيا ينتمي إلى فلسفة وبيئة مخصوصتين .
إن أسوأ ما اقترفته الصورة جنوحها المتعمّد الى تسليع وتزوير هوية الثقافة في عملية تحوير لدورها التوعوي، ما جعلها قاصرة عن ممارسة دور التثقيف والتغيير والإصلاح.

الهوامش:
1- فؤاد إبراهيم ، ثقافة الصورة ..التحدي والاستجابة – وعي الصورة..صورة الوعي ، ورقة قدّمت لمؤتمر (ثقافة الصورة)، نظّمته جامعة فيلادلفيا في إربد بإلاردن في الفترة ما بين 24 ـ 26 أبريل 2007
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=135961 2- 
3- سعد محمد رحيم،ثقافة الصورة ، مجلة الحوار المتمدن-العدد: 2295 – 2008 / 5 / 28
http://www.aldohamagazine.com/article.aspx 4-
5- شاكر عبد الحميد، عصر الصورة- السلبيات الايجابيات، سلسلة عالم المعرفة، العدد 311، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الكويت، 2005. ص359-390 
6-P.j.Tichonor, G.A.Donohue, and C.N.Oline,<> Public opinion Quarterly, vol, 34,1970, P.74 

7-M.Rogers , Communication and Development : the Passing of the Dominant Paradigm ) Communication Research (USA) , vol . 3,1979 , PP.213-240 . 

8 -نهوند القادري، قراءة في ثقافة الفضائيات العربية : الوقوف على تخوم التفكيك ،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت2008
9- اسماعيل نوري الربيعي ، موقع العربية ، بتاريخ 30 اكتوبر 2006

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *