جلال برجس: الرواية الحقيقية تلك التي تجترح حياة أخرى



*أسماء كوار

جلال برجس كاتب روائي وقصصي من الأردن، صاحب “مقصلة الحالم”، “أفاعي النار/ حكاية العاشق علي بن محمود القصاد”، “رذاذ على زجاج الذاكرة” وغيرها من الأعمال. حاز على “جائزة الأديبة رفقة دودين للإبداع السردي” عن روايته “مقصلة الحالم”، وجائزة روكس بن زائد العزيزي عن مجموعته القصصية “الزلزال”. ومؤخرا حاز على “جائزة كتارا للرواية العربية” عن روايته غير المنشورة “أفاعي النار حكاية العاشق علي بن محمود القصاد”.

يكتب جلال برجس ليجعل من حفيف الورق سمفونية، وتصبح لقلمه سطوة يستبدل خلوته بنشوة شاهقة، يشتعل فيها هشيم صدره وينحني قلمه لأحرف وكلمات تمنحه مرآة كونية. يعترف أنها تجعله يرى نفسه كما لم يتمنّ أن يُرى.
التتويج بالجائزة
على مسرح الحي الثقافي “كتارا” مساء 20 مايو كان جلال برجس الفائز الأول عن فئة الرواية غير المنشورة لجائزة كتارا للرواية العربية في طبعتها الأولى عن روايته “أفاعي النار حكاية العاشق علي بن محمود القصاد”. يعلق عن تتويجه هذا قائلا: حينما صعدت إلى خشبة المسرح أمضي نحو التتويج، تلاشت كل الأصوات، وما كنت أسمع إلا صوت خطواتي بصدى غرائبي، وهي تتجه نحو أجمل ما رأيت في حياتي، حيث كانت شخصيات روايتي، ترفع شارات النصر للإنسانية وللحب، ورأيت “علي بن محمود القصاد” محور روايتي، يخرج من بين ألسنة نار التطرف، ويطبع على جبين قلبي قبلة، جعلتني أذرف دمعة لم يرها سواه.
وحينما عدت إلى الأردن تواريت عن أنظار المحتفين بي، بعد أن أخذت حصتي من محبة أبي، وتسللت ليلا إلى المقبرة، وهمست لكل من رحلوا إلى السماء من أحبائي، أنني قلت شيئا مما حلمت بقوله. حينها ذرفت من عيني اليمنى دمعة فرح، ومن اليسرى دمعة لأجل ذكرى من أحبهم قلبي، وهم يروحون في غيابهم الأبدي.
يؤكد برجس أن سرّ سعادته بهذه الجائزة، هو أنها تخطت كل التوقعات، فلم يتدخل أحد فيما كتبه، وما قاله، بل كان التنافس شريفا حدّ الدهشة، في رأيه، كما كان التعاطي مع مراحل الجائزة موضوعيا، بحيث يمكنه القول إنها الجائزة الأولى التي جعلت الروائي العربي، حين مشى على السجاد الأحمر وسار نحو تكريمه، نجما، يمكنه أن يطلق طيور ضوئه نحو كل جهات الظلام.
الانفتاح على الآخر
تجاوزت الأعمال التي كانت مرشحة للجائزة 700 عمل روائي، يعلق ضيفنا قائلا: مهما بلغت ثقتنا بما نكتب، إلا أن مساحة غامضة في سياق التنبؤات، تبقى عصية على الخوض فيها. كنت أتمنى في داخلي أن أحصد هذه الجائزة، لسببين، أولهما أنني كتبت تلك الرواية إكراما لروح أمي، ومن يكتب للأم فقد كتب للوطن، أيّ وطن. وثانيهما أنني تمنيت أن تتيسر الطرق للوصول إلى قلب القارئ، وهاهي روايتي بفوزها هذا، صارت جسرا بيني وبين قلب قارئي الذي أقدّره وأحترمه.
يقال إن جائزة كتارا للرواية العربية ارتقت بالرواية العربية إلى سماء جديدة، من تكريم الإبداع، عن مدى مساهمتها في دعم المشهد الثقافي العربي، يؤكد جلال برجس أن هذه الجائزة سيكون لها إسهام قوي في دعم المشهد الثقافي العربي، إذ أنها ستقدم، في رأيه، للقارئ العربي والعالمي، أعمالا تمّ اختيارها بعناية فائقة.
ويضيف قوله: منذ زمن ونحن نطالب بأن يتمّ تنشيط حركة الترجمة لتصل أصواتنا إلى العالم، فأتت “كتارا” لتتكفل بهذه المهمة الكبيرة، فحين تترجم الروايات الفائزة إلى خمس لغات حية، فهذا فعل ثقافي كبير، سيدفع بعجلة الإبداع العربي قدما. فقد اعتنت “كتارا” بأهم ما كنا نرنو إليه ألا وهو الترجمة، والانفتاح على الآخر، وبأيدينا ما كتبنا، فهي فرصة ذهبية سأبقى أستعيد سعادتي بها.
ما بعد التتويج
اعتبرت الأعمال المتوجة، في الفئات الثلاث روائع شاهقة، إن كانت جائزة “كتارا” ستنجح في إخراج هذه الروائع إلى المنجز العالمي، يجيب برجس: ما لمسته على الصعيد الشخصي من شفافية واستقلالية ونزاهة، وهذا يتأتى من عدم تدخل إدارة الجائزة في محتوى الروايات التي رشحت، وبالتالي تم اختيار عشرة أعمال فائزة منها. وقد ارتهنت “كتارا” للمعايير الفنية التي اطلع عليها المشاركون في الجائزة، وسيطلع حسب علمي عليها الراغبون بالاشتراك في الدورة الثانية للجائزة.
وبالتأكيد سوف يؤدي إلى اختيار أعمال ذات قيمة مهمة، بعيدة عما أشرت إليه. فحين يمر العمل بأربع لجان مختلفة، فهي خطوات مهمة تؤدي إلى نتائج إيجابية، لهذا أنا متفائل جدا بأن “كتارا”، سيكون لها الفضل الكبير بإخراج الرواية العربية من محليتها من حيث التداول، ووضعها في مصاف المنجز الروائي العالمي، فحال صدور الروايات الفائزة عن دور نشر عربية وعالمية مهمة، ستشارك هذه الروايات في أهمّ المعارض الدولية، وعلى ما أظن أن الروائي سوف يصاحب روايته ويوقعها، فالعلاقة بجائزة “كتارا” لا تنقطع بعد فوزه، بل تبدأ.
ويضيف برجس: الأكيد حينما يطلع القارئ على محتوى الروايات الفائزة التي ستنشر من قبل “كتارا” سيجد تباينا في موضوع الروايات، وأن اللجنة المشرفة لم تتدخل في محتواها، لذلك أنا أومن أنها لا تخضع لأي شكل من أشكال الإملاءات.
أحيطت جائزة كتارا بتكتم كبير عن حيثياتها والأسماء المرشحة، وعن المعايير التي اعتمدتها الجائزة في اختيار النصوص الفائزة، يشير ضيفنا بداية إلى أن التكتم كان ضروريا، متسائلا كيف يمكن لنا أن نثق بجائزة بمثل هذا الحجم دون تكتم وسرية.
أما بالنسبة إلى المعايير، فهو يؤكد أن إدارة الجائزة قد أطلعتهم بعد إعلان الفوز على المعايير، التي لم تخرج عن السياقات الفنية لأي عمل روائي حقيقي، كاللغة والتجديد في أدوات السرد والتعاطي مع الأدوات الفنية للرواية. وقد قامت إدارة الجائزة بنشر المعايير في موقعها الإلكتروني، لكي يستفيد منها المرشح للدورات القادمة، وهذه سابقة إيجابية، في رأيه، لم تحدث في الجوائز، فلا معايير كانت في اختيار النصوص الفائزة سوى المعايير الفنية.
الحياة في كتاب
الجوائز لا تحقق المجد إلا لأصحابها، وربما هي تخرج الإبداع عن عالم ثقافي مترهل باهت يسيطر عليه الوضع العام، يعلق جلال برجس عن ذلك معتبرا أن الجوائز فعلا تحقق المجد لأصحابها، لكنه يرى أنها تحقق كذلك المجد للرواية بشكل عام، “فالرواية ابنة الراهن حتى لو كتبنا بأساليب ورؤى تخرج على السائد”.
كما يقول ضيفنا الذي يضيف: ففوز ماركيز بجائزة نوبل على سبيل المثال، ألقى الضوء على الأدب اللاتيني، وجعل مقروئيته تزداد وتنتشر إلى مختلف أنحاء العالم، لذلك نعوّل على “كتارا” أن تتجاوز كل المعيقات التي أحاطت بالرواية العربية، وأخرت انتشارها.
في حديثنا إلى جلال برجس تعرضنا إلى موقع الأجيال الجديدة التي تبحث عن موطئ قدم من هذه الجوائز، وفي رأي ضيفنا، فإن الأجيال الجديدة لها فرصة ذهبية، كون “كتارا” تسمح بأن يرشح الروائي نفسه، ولكنه يدعو في المقابل إلى عدم الاستسهال والكتابة لأجل الجوائز، فلجان التحكيم مكونة من خيرة النقاد في العالم العربي، لذلك يحث برجس على أن يتمكن الروائي الشاب من تجربته وأدواته، قبل أن يسعى إلى الجوائز. فالرواية، في رأيه، ليست محط استسهال بل هي الحياة بين دفتي كتاب، وإنجاز حياة مثل هذه يحتاج إلى تأن ووعي حقيقي بأدوات الكتابة وبما يكتب.
عن حظ الرواية التجريبية السردية من هكذا جوائز قيمة، يقول ضيفنا: ما لمسته أن جائزة “كتارا” تأخذ عبر معاييرها الفنية التجديد بعين الاعتبار، والرواية التجريبية هي من أهم ما آل إليه التجديد، لذلك وحسب علمي فإن الجائزة لا تمانع من قبول الأعمال التجريبية، بل هي تأخذ بعين الاعتبار كل محاولات التجديد في الرواية العربية، فلا بد من خطوات مهمة تأخذنا نحو ابتكارات حقيقية على صعيدي الشكل والمضمون، فالركون للسائد مفسدة.
بعض المحافل العربية التي تعنى بالجوائز لها ميل إلى تأصيل نمط جديد من الروايات يختلف تماما عن نمط روايات السبعينات والستينات، ويؤكد برجس أن هناك فرقا بين قراء السبعينات وبين قراء وقتنا الحاضر، وبالتالي هنالك فارق أيضا بين روايات الرواد وبين ما ينجز الآن من أعمال روائية، لذلك هو لا يميل إلى الإيمان بفكرة أن هنالك جوائز تقوم بتأصيل نمط معين من الروايات، فالرواية جنس أدبي غير قابل للركود، وغير قابل للتأطير، حسب قوله، بمعنى أن في كل رواية إضافة جديدة، لذلك هو يرفض أن تؤصّل جائزة نمطا روائيا معينا، فليست كل الروايات هي الروايات الفائزة في أي جائزة، فهنالك روايات لم تشارك في جوائز، لكنها على مستوى عال من الفنية والبراعة. وفي “كتارا” تختلف أنماط الروايات التي وصلت إلى مرتبة الفوز، فقد تباينت الأدوات السردية واللغة والموضوعات.
الواقع والمستقبل
غياب الأداء القيمي للنقد… قوّض الرواية العربية “الحديثة” وجعلها قيد “منجز” لا يتعدّى أقطارها، فإن كانت هذه الجوائز تؤسس لتقييم نقدي للرواية ومحاولة لإعادتها لما كانت عليه خلال الستينات والسبعينات، يعلق جلال برجس قائلا: علينا أن نعترف أن الحركة النقدية العربية مقارنة مع الحركة النقدية الغربية، لم تضطلع بدورها بشكل كاف، فقد ساهم هذا الغياب في وضع الرواية العربية في ركن مظلم، بينما الحركة الروائية العالمية يلقى عليها الكثير من الضوء، أما في ما يخص دور “كتارا” بهذا الشأن ففي رأيي هي تنشط الحركة النقدية بما سوف تقدمه للقارئ العربي من روايات دخلت في تنافس شديد مع عدد كبير من الروايات المرشحة، هذا بالإضافة إلى أنها استحدثت جائزة للنقد الروائي، وهذه سابقة تحسب لها، فإلقاء حجرين في مياه راكدة بالتأكيد سيعيد الألق للرواية العربية.
عن حظ رصيده الروائي والشعري من الترجمة وإن كان هناك من أفق نحو ذلك، يجيب برجس بأن حظه لا يعدّ وافرا من الترجمة، في ما يخص أعماله الشعرية والقصصية والروائية، فحاله، كما يقول، هو حال الكثير من الكتاب العرب، الذين لا يملكون المال ليدفعوا مقابل ترجمة نتاجهم، رغم أن هنالك مشروع ترجمة لروايته “مقصلة الحالم”، في خطواته الأولى، متمنيا أن ينجح.
ربما يمكن وصف المنجز العربي اليوم بالأنثروبولوجي، فهل بإمكان جيل الشباب أن يساهم في إخراج هذا المنجز من هذا التوصيف، يجيب الكاتب قائلا: الظرف الزمني العربي بكل تبدلاته، سوف يأخذنا نحو ابتكار منجز روائي جديد، لأنني أؤمن أن الهزات الكبرى تنتج تجديدات مهمة، وهذا على ما أعتقد بدأ ينسحب على المنجز الروائي العربي الجديد، فقد تربينا على ما أنجزه جيل الرواد الكبار وانطلاقا من تلك المحطة المهمة، لا بدّ لنا من اجتراح روايتنا الخاصة التي لا تنفصل عمّا أصّل له ولا عن المستقبل، لذلك أنا متفائل بأن هنالك محطات جديدة سوف نلمسها في مسيرة الرواية العربية، وهذه حتمية كما أشرت مرتبطة بالراهن اليومي، كون الروائي عين تراقب الواقع وعين أخرى تنظر إلى المستقبل.
“أفاعي النار” رواية الحب والوعي ضد الخرافة والتطرف، يمكن اعتبارها رواية المشترك الثقافي في مواجهة معول التطرف، يقول عنها صاحبها: تسلحت شخصيات أفاعي النار بالحب وبالقيمة الإنسانية، للدفاع عن الحياة التي لا يمكن أن تستمر مع أي شكل من أشكال التطرف، لذلك سعيت إلى أن تكون روايتي عنصرا فاعلا في الجبهة الثقافية التي تقاتل لأجل الحياة بوهجها الإنساني.
________
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *