ما لا تقوله القصص والروايات


*يوسف ضمرة


تخبرنا القصص والروايات أن الأمور هنا ـ في القصة أو الرواية ـ جرت على هذا النحو دون سواه. لكنها لا تخبرنا لماذا، ربما يكون علينا نحن أن نبحث عن وراء هذه الـ«لماذا».
يخبرنا تولستوي أن فرونسكي، الضابط الشاب، رأى «آنا» فخطفت قلبه، ورأته فاستغربت أنها لم تره من قبل. وعلى هذا نشأت قصة عشق طويلة مذهلة، قادت آنا إلى الانتحار. أما لماذا حدث ذلك، فهو ليس من اختصاص تولستوي، أو ليس من مهامه.
لماذا تحدث الأمور هنا على هذا النحو، بينما كان يمكن أن تحدث على نحو آخر؟ في كل قصة أو رواية نستطيع طرح السؤال نفسه من دون أي تغيير. لماذا قتل راسكولينيكوف المرابية العجوز؟ لا يكفي القول إنها مرابية لكي تحدث الأمور على هذا النحو. لماذا تابعت إيما بوفاري السير في هذا الطريق، على رغم الانتكاسات التي كانت تحدث لها عند كل منعطف؟ من السذاجة القول إن إيما راكمت هذه الخيبات أو الحماقات كلها لكي يكون لديها سبب للانتحار، فالانتحار هو انسحاب من الحياة، قد يحدث بقتل النفس مباشرة، أو قتل النفس مجازياً. وهو لا يحتاج إلى خيبات إيما.
يخبرنا نجيب محفوظ أن «سعيد مهران» اكتشف الخيانة في مجتمعه؛ اكتشف الانتهازية والكذب، فقرر الوقوف ضد هذا كله، إنه لأمر ساذج لو تم فهمه على هذا النحو في رواية «اللص والكلاب».
تبدو القصص والروايات مثل أقدار مرسومة مسبقاً، ولا سبيل لتغييرها. لا أحد يقول إن هذا هو ما ينبغي أن يحدث، أو ما لا يحدث. كل ما علينا القيام به هو التأمل في المخبوء السري عند الإنسان. لماذا تقتل؟ ولماذا تحب؟ ولماذا تخون؟ ولماذا تنافق؟ هذه كلها أسئلة بلا معنى في الأدب. إنها أسئلة قد تفيد في تربية الأطفال. ونحن حقا نفعل ذلك مع أطفالنا، نخبرهم أن الكذب خطيئة، ونبرر لهم ذلك. لكننا لا نستطيع تبرير ذلك في الأدب. فلماذا تصمت بلدة بأكملها عن جريمة على وشك الوقوع، وهي قادرة على منعها؟ «وقائع موت معلن» لماركيز.
تحدث القصص والروايات لأشخاص يشبهوننا أو يشبهون أحداً نعرفه. نستغرب أحياناً أن يكونوا كذلك، لكنهم كذلك. حتى الكاتب نفسه ربما لا يعرف لماذا تجري الأمور على هذا النحو دون سواه. وكثيراً ما قرأت اعترافات روائيين تشير إلى ذلك.
ليس في الروايات والقصص ما يدعونا إلى محاسبة الأمور منطقيا. والقارئ لا يتعامل مع حدث روائي أو قصصي كحادثة حقيقية، على الرغم من أن الواقعة الأدبية، تنطوي على ما هو حقيقي أكثر من الحقيقة نفسها. فالعالم كله لا يستطيع أن يجعلني أتقبل زوربا الآن من دون أن يقوم بقطع إصبعه التي تعوقه عن العزف. قد تبدو هذه جزئية صغيرة في زوربا، لكنها في جوهرها تشكل مع جزئيات أخرى أسس الشخصية الروائية وجوهرها.
كل ما يمكن القيام به حيال الروايات والقصص، أن نفكر في الشخصية الرواية ووقائع الرواية، بعيداً من كل ما نعرفه وما نحفظه من مواعظ ودروس وعبر وتربية أخلاقية مألوفة. فالقصص والروايات ليست معنية بهذه الأمور من قريب أو من بعيد. القصص والروايات، تخبرنا أن ما نعرفه في الحياة ليس إلا قليلاً، وقليلاً جداً!
________
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *