*د. خالد عبدالرؤوف الجبر
هِيمِي، فما فِي البالِ غَيْرُ رُبَاهَا
هَلْ أدْرَكَ الظَّعْنَ الرَّحِيلُ فَتَاهَا؟
وتَوَسَّدِي هَمْسَ الغَضَا، «ليتَ الغَضَا
ماشَى»، وصَوَّحَ بَوْحُهُ ذِكْرَاهَا
أنتِ الّتِي أوْرَيْتِ نَدَّ حَنِينِهَا
وكَوَيْتِ خاصِرَتِي بِرَنْدِ خُطَاهَا
وتبَدَّلَتْ عَيْنَاكِ مِنْهَا رَمْلَها
حتَّى أَسِيتِ بِمَا رَأتْ عَيْنَاهَا
هذا حَنِينُكِ، والغَرَامُ، ووَحْدَةٌ
هِيَ في الفُؤَادِ تَهُبُّ حِينَ كَرَاهَا
يا مَنْ رَضِيتِ مِنَ الهَوَى بِفراقِنَا
سُبْحَانَ فُرْقَةِ عاشِقٍ يَخْشَاهَا!
وَرَحَلْتِ؛ أينَ، وكلُّ خَفْقٍ طَيِّبٍ
فِينَا يُحدِّثُ نَفْسَهُ يَلْقَاهَا؟
مَنْ قبَّلَ الكَلِـماتِ حِينَ قَرَاهَا؟
وَأباحَ نَزْفَ وَرِيدِهِ لِقِرَاهَا؟
مَنْ أسْرَجَ الفُصْحَى بنُبْلِ هَدِيلِهِ
وأَفَاقَ مِنْ لَيْلِ الغِيَابِ ضُحَاهَا؟
مَنْ هاجَهَا، فأهاجَها، وأجاءَها
لِتَهُزَّ جِذْعَ نَخِيلِهِ يُمْنَاها؟
مَنْ داعَبَ الإيقاعَ في أنفاسِهَا
فَرَوَتْهُ شَهْدَ نَبيذِهَا شَفَتَاها؟
مَنْ كانَ يَسْجُدُ حِينَ تُطْرِبُ مُلْحَةٌ
أسْمَاعَهُ، ويَقُومُ حِينَ يَرَاهَا؟
مَنْ قَيَّدَ الألْبابَ قيدَ مَوَدَّةٍ
بِبَيانِهِ؛ مَنْ نَثَّ عِتْقَ شَذَاهَا؟
مَنْ آنَسَ الجُلاّسَ آناءَ الدُّجَى
وَأنارَ للسّارينَ لَيْلَ دُجَاهَا؟
عَشِقَ الصَّهِيلَ كأنَّ فِي أحْنَائِهِ
فَرَسًا جِمَاحُ فُؤادِهِ نَجْوَاهَا
عَرَبِيُّ خاطِرِهِ كَضَبْحِ العادِيا..
.. تِ، كأنَّهُ بِحُرُوفِهِ سَوّاهَا
يا «ناصرَ الفُصْحَى»، وقَيِّمَ رُوحِهَا
وأسِيرَهَا، وأمِيرَهَا، وفَتَاهَا
ما زالَ فِينَا لاهِجُونَ بحُسْنِهَا
ما زالَ فِينَا جاهِلٌ يَشْنَاها
أدْرَكْتَ في هذا الزّمانِ عَجَائبًا
لا تَنْقَضِي مِنْ دَهْشَةٍ بَلْوَاهَا
وعَرَفْتَ كَيْفَ يَزِيفُ كلُّ مُبَهْرَجٍ
ودَعِيُّ ناصِيَةِ النُّهَى يَنْهَاهَا
كيفَ احْتَمَلْتَ؟ ألَمْ تَرِدْ وِرْدَ الهَوَى
فَظَمِيتَ يَوْمَ حَسِبْتَها أمْوَاهَا؟
أوَلَمْ تُراوِدْكَ الليالِي حينَمَا
ظاهَرْتَ مِنْهَا ما حَوَتْ كَفّاهَا؟
ورَحَلْتَ؛ كَيْفَ؟ وهَلْ تَرَجَّلَ فارِسٌ
عَنْ صَهْوَةٍ حَتّى يَفُلَّ شَبَاهَا؟
يا «ناصرَ الفُصْحَى»، وقد عاثَ النَّوَى
حتّى أدَالَ مِنَ الكِبَارِ غُثَاهَا
هيَ لم تزَلْ تَهْوَاكَ، لَنْ تَنْسَاكَ، لَنْ
تَهَبَ الّذِينَ تَأوَّلُوكَ بَهَاهَا
وَاللاهِجُونَ بعِشْقِهَا عرَفُوا، فَمَا
غَرَفُوا سِوَى ما فِضْتَ مِنْ رَيّاهَا
يا نَخْلَةً في الرِّيحِ نَصَّتْ جِيدَهَا
رُغْمَ اليَبَاسِ دُموعُنَا سُقْيَاهَا
تَبْقَى ويَبْقَى الوِدُّ ما عَصَفَتْ بِنَا
ذِكْرَى تَنَسَّكَ عارِفٌ بِهُدَاهَا
فَعَلَيْكَ ما هَتَفَ الحَمَامُ سَلامُنا
يا رُوحَهَا؛ يا أُمَّهَا، وَأبَاها
_______
*الدستور