نبيل قديش لـ”ثقافات”: الكتابة دافع وجودي



*حاورته آماليا داود

خاص – ( ثقافات )

بين الروائي التونسي نبيل قديش أن الكتابة بالنسبة له تحدٍّ وانتصار على الهزيمة، بل هي “تصفية حسابات مع نبيل الطفل”، يجمّل له ماضيه، وهي عنده بمثابة دافع وجودي؛ حياة أو موت، انتصار أو هزيمة.

ويشير الروائي الحاصل على جائزة الكومار الذهبي للعمل البكر 2015 عن رواية “زهرة عباد الشمس”، أن شخصيات الرواية “ليست دائماً بالكائنات المطيعة والعاقلة، بل إنها في معظم الأحيان عصيّة ومربكة”.

( ثقافات ) التقت الروائي في تونس وأجرت معه الحوار التالي:

( ثقافات ): في روايتك “زهرة عباد الشمس” تكتب عن محاكمة الشخصيات للكاتب، هل جاء ذلك صدفة أم حقيقة؟ 

نبيل قديش: ليست محاكمة بأتم معنى الكلمة. لنقُل صراعاً أو تطاحناً غالباً ما يقع في لاوعي الكاتب. شخصيات الرواية ليست دائماً بالكائنات المطيعة والعاقلة، بل إنها في معظم الأحيان عصيّة ومربكة. فكرة تسريد هذا الصراع خامرتني كثيراً من قبل. سبقني إلى ذلك الكثير لا شك في ذلك؛ مسرحية “ست شخصيات تبحث عن مؤلف” للإيطالي بيرانديللو أو مسرحية “بيجماليون” لتوفيق الحكيم . هو نوع من التخاطر مع هذه الأعمال الروائية الخالدة. لا ننسى أيضاً الحكاية الأشهر في الميثولوجيا الإغريقية، عندما أغرم بيجامليون النحات الشهير بجالاتا، تمثال المرأة الجميلة الذي نحته بأنامله، ثم وقع في حبها وتزوجها بعد أن طلب من فينوس النفخ فيها من روحها. عزازير في رواية “زهرة عباد الشمس” هو نتاج حب بين نديم والرواية، هي شخصية معقدّة وثلاثية الأبعاد فهو يراوح بين شخصية روائية وابن بكر وخليقة الكاتب، لذلك كانت العلاقة بينه وبين نديم معقدّة وفي بعض الأحيان مستعصية على الفهم.

( ثقافات ): في العمل ذاته تدخل بعضاً من سيرتك الذاتية إلى سطور الرواية، هل بدأت من هناك الرواية من حقل زهرة عباد الشمس أم هو توظيف للذاكرة؟

نبيل قديش: الرواية لم تبدأ هناك رغم أن حقل عباد الشمس هو الحلقة الأقوى في الرواية. العمل في معظمه تخييلي والشخصيات لا صلة لها بالواقع ما عدا (نديم الروائي) الذي في جانب صغير منه هو (نبيل قديش الروائي). الكاتب مهما حاول أن يتخلص من ذاته في أعماله السردية فإن أشياء منه تتسرّب دون قصد، خاصة منها تلك العلامات الفارقة التي عاشها في طفولته الأولى.


( ثقافات ): هلّا حدثتنا عن نبيل قديش الطفل وكيف اكتشف العالم من حوله وبداياته مع القراءة؟

نبيل قديش : بدأت القراءة من عمر تسع سنوات، قرأت “كليلة ودمنة” و “الأمير الصغير” و اعمال نجيب محفوظ و توفيق الحكيم وجورجي زيدان وغيرهم. لقد كنت مغروماً بالقراءة فلم يكن عندي ألعاب ولدت في أسرة متوسطة الدخل، كنت أعمل في الصيف في حقول زهرة عباد الشمس، بدلاً من الفزاعة التي اعتادتها الطيور، فلقد كنت أحول تنكة البندورة إلى خشاشة حيث أملؤها بالحجارة وأقفلها وأصدر منها ضجة لكي لا تقترب الطيور من عباد الشمس، وفي معظم الأوقات استخدم صوتي أيضاً فأصرخ من الخامسة فجراً حتى غروب الشمس وكنت أحصل على ثلاثة دنانير (أي ما يعادل دولاراً ونصف الدولار)، لأشتري بها قرطاسية وكتب المدرسة .

( ثقافات ): من هو الكاتب المفضل في طفولتك؟

نبيل قديش: الأديب المصري الراحل طه حسين، إذ كان له الأثر الأكبر فيّ كطفل فبعد أن قرأت له و أعجبت به، اكتشفت أنه أعمى وأنه كان يطلب من الناس أن يكتبوا له، وكانت زوجته الفرنسية في معظم الأحيان هي التي تساعده، وهذا وجه شبه كبير بيني وبين زوجة طه حسين، فلقد كنت أساعد والدي الأعمى في كثير من الأمور ، طه حسين ووالدي يشتركان في نفس الصفة والاثنان كانا يكافحان من أجل قضية، والدي عمل رغم الصعوبات في مجمع فلاحي للبقر، وهي مهنة مخصصة للعميان، لأنها تعتمد على اللمس .

( ثقافات ): كيف تشكلت لديك بوادر الكتابة؟

نبيل قديش: هي موجودة، وأعتقد أنها موهبة لدى كثيرين لكنها بحاجة إلى نفض الغبار عنها، في مدرسة باجة الابتدائية في حصة الإنشاء أعطاني أستاذ اللغة العربية محمد علي الميساوي علامة كاملة على موضوع إنشاء وكتب ملاحظة على ورقتي “ملامح أدبية” وطلب مني أن أقرأ هذا النص في كل صفوف المدرسة وأحسست بالفخر وأنا اقرأ، توقفت عن الكتابة ولم أتوقف عن القراءة، لكن عندما عدت إلى الكتابة بعد أن ضمنت حياة عملية ومهنية جيدة، أحسست بإعادة اعتبار للذات، الكتابة بالنسبة لي هي تحد وانتصار على الهزيمة، تصفية حسابات مع نبيل الطفل، أنا عندما اكتب أعود لنبيل الطفل وأتصالح معه، أعيد الاعتبار إليه ولطفولته، أُجمّل له ماضيه الذي يوجد فيه نوع من الكدمات، الكتابة بالنسبة لي دافع وجودي، حياة أو موت انتصار أو هزيمة .

( ثقافات ): ما تقييمك للمشهد الثقافي التونسي خصوصاً بعد الثورة ؟ 

نبيل قديش: عن المشهد الثقافي التونسي أقول إن السماء تتسع لكل النجوم، اما بعد الثورة هناك مشهد ثقافي جديد أسس له مناخ الحريات، التي ما زلنا نمارسها بتوحش، الحرية هي تلك الفريسة التي وقعت بي أيدي قطيع من السباع الضارية والتي بصدد تقطيع أحشائها، والخوف كل الخوف من التخمة، نحن في مرحلة تذوق الحرية بما يكفي للبقاء والإبداع.

( ثقافات ): أخبرنا معن مكتبتك وقراءاتك الحالية ؟

نبيل قديش : المكتبة هي عامود من أعمدة بيتي، فيها كتبي منذ صغري. أقرأ الكتاب الجيد وأفسح له مكاناً في مكتبتي، وأقرأ الرديء أيضاً لأكتشف بنفسي أنه رديء، ولا اتأثر بآراء مسبقة عن أي كتاب، أقرأ القراءة الأولى للكتاب لنبيل الكاتب لذلك أقرأه قراءة سريعة فيها يريد أن يعرف نبيل الكاتب أين الحبكة وما نقاط ضعف النص وما نقاط قوته وأنهي عادة هذه القراءة لنبيل الكاتب بشكل سريع و انفعالي، أما قراءتي الثانية للكتاب فهي لنبيل الإنسان و التهم الكتاب بمتعة وروية .

( ثقافات ): ماذا تقول للقارئ عن نبيل الكاتب؟

نبيل قديش: الكتابة مثل بروميثيوس الذي يسرق من ناره الداخلية المقدسة ليهبها لقرائه وأبناء جنسه مجاناً، تقاسم التجربة الذاتية مع القارئ ليس لأحاول أن أحل له مشاكله، لكن فقط لأعطيه بعض الأمل .

الروائي في سطور…

نبيل قديش من مواليد العاصمة تونس سنة 1977 حاصل على الماجستير في الاتصالات، حائز على العديد من الجوائز الوطنية التونسية في القصة القصيرة أهمها القلم الذهبي )1999)، وجائزة مهرجان الأدباء العصاميين سوسة (2014)، فضلاً عن جائزة ملتقى ابن رشيق للكتابة السردية (2014)، والجائزة التقديرية في مسابقة كتام-آر للقصة القصيرة 2014 وجائزة الكومار الذهبي للعمل البكر 2015.
له العديد من الأعمال منها: 
• مجموعة العبث مع نيتشه الصادرة عن دار زينب التونسية للنشر ومتحصلة على الجائزة التقديرية
لمسابقة “كتام آر” للقصة القصيرة.
• رواية زهرة عباد الشمس الصادرة عن دار سؤال اللبنانية المتحصلة على جائزة الكومار الذهبي للرواية البكر .
• رواية تشارلي سوف تصدر قريباً .

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *