*بسباس عبدالرزاق
( ثقافات )
شارع طويل، يتحدث عن غياب المارة، و شجرة بلوط صامدة..
طفل يدحرج قارورة غاز، و ثلج يعاند، يتراكم و تزاداد كثافته، ريح تعوي، مثل ذئب عذبه الحنين…
يدفع برجله الهزيلة، و لكنها تتراجع للخلف، بصعوبة بالغة تتقدم للأمام، و كأنها ترفض أن تموت ببيت حقير؛ حذاء فمه متشققة، و رجل ترتجف من البرد، يضم يديه إلى بعضهما، ينفخ فيهما عله يبث بهما بعض الصبر..
الشجرة: سيفعلها، و يرغمها على التقدم..
حبة البلوط: ليته يتقدم…
الشجرة: سوف تتقدم .. إنه يدفع بكل قوة..
حبةالبلوط : لقد تقدمت قارورة الغاز…
الشجرة: و لكنها بطيئة..تبا لك..
حبة البلوط: سائق متهور، كيف تردم البراءة بمخلفات عجلاتك، نذل..
تعزف الريح على أوتار الشجر، و ترقص حبات البلوط غضبا، تنحني الشجرة و كأنها في بروتكول رئاسي، يتقدم بثبات، يشوبه بعض التعب و الإرهاق..
رجل عند النافذة يراقب المشهد، يتابع تفاصيل الملحمة..
الشجرة: سوف يخرج؛ ليساعده..
حبة البلوط: سمعت أنه رجل صالح…
تدخلت الريح و هي توجه تهديدا للرجل: حذاري من الخروج.. مكانك..
و رشقت النافذة بثلج تناثر من شجرة قريبة.. تراجع الرجل للوراء قليلا، ثم انصرف للفراش حيث كانت زوجته تحضر لليلة ساخنة..
تعثر الطفل، و عطست الشجرة فسقطت حبات بلوط، استجمع قواه و عاد للوقوف، لتنفجر عيناه بالدموع، أخرج صورة، بللها ببعض الحب و أعادها لجيبه، حبة بلوط واحدة فقط؛ بقيت متشبثة بأغصان الشجرة، و هي تهمس:
-أرجوك لا تسقط مرة ثانية، فأمي حساسة جدا،،،
الشجرة: إنه الزكام،،، و بعض تعب،،،
تماسك الطفل و واصل الدفع، هذه المرة كان دافعه الحياة، و ربما أعضاؤه أحست بقربه من البيت، فبدأت تطلب الدفء..
الريح تعبث بردائه الرث، و الأرض متمسكة به، يواصل السير و كأنه يقتلع أرجله من القيود، أصبحت القارورة تسير بسرعة أكبر..
الشجرة: لقد اقترب..
حبة البلوط: إنه الباب؛ إنه يفتح…
امرأة ترتجف من البرد، و شالها يستطلع المكان، شقت الباب قليلا و هي تنتظر وصوله..
الريح: أين أنت ذاهب؟
الشجرة: دعيه و شأنه..
حبة البلوط: أخيرا وصل..
أمسكت المرأة قارورة الغاز ثم سألت الطفل عن بقية النقود، أخرجها من جيبه و هي مختلطة مع صورة تائهة، أرادت أن تأخذها منه، لم يتنازل عنها..
المرأة: أحمق.. تماما مثل أمك..
و صفعته بقوة، سقط على الثلج، و استسلمت حبة البلوط هي أيضا للجاذبية، ثارت الشجرة بوجهها، و الريح صمتت تماما، لم تعرف ما تقوله،،،
أغلقت الباب بوجهه، و كأنها تغلق الحياة بوجهه، و سلمته لمصيره البارد…
نفض نفسه من الثلج، و هو يمرر ابتسامة لأمه،،،
الشجرة: تعالى يا حبيبي..
و انزوى بداخلها؛ ليحتمي من الثلج..
الشجرة: أتذكر كيف حفرت أمك بطني، لتطرد عني الدود و تستأصل المرض..
كبر الفتى.. أراد أن ينسى الماضي؛ فقطع الشجرة، و واصل حياته بعيدا عن الشارع الطويل…