*سارة عابدين
( ثقافات )
طريقٌ يتجه إلى أعلى
صورةُ الفتاةِ التي انتحرت
سأستغلها أسوأَ ما يكون
سأنظرُ لها وأبكي
لأجِد طُرُقًا جديدةً تنفتِح للكتابة
عن مشاعرَ لم أجربها بعدُ
سأضعُها أمامي وأنا أُطعِم صغيرتي الأرز
وأمامي وأنا أحل مسائلَ الرياضيات
لحبيبتي الكبرى
لأقولَ لهُمَا في كلِّ لحظةٍ
أنا أكتبُ لأنني لم أستطع أن أغيِّرَ العالم
لم أستطع حتى أن أغيِّر السجادةَ فاتحةَ اللون
التي تَظهَر بها كل البُقَع الصغيرة
التي تَصدم عيني في كل مرة أنهضُ فيها من السرير
في السادسةِ صباحًا يصبِح الرقم (اثنان) رقمًا كبيرًا
عقلي المضطرب غير قادرٍ على استيعاب الأرقام والعمليات الحسابية
رأسي المشبع بالحُلم ما زالت تختلط به طلقات الرصاص على خلفية موسيقى الفالس
مِن فوق سطح العالم أقذفُ باقةَ الوردِ الذابل؛ حتى لا يأخذ حيزًا في دولاب ذاكرتي.
المرأةُ التي تبتلِعُ الوقتَ
عقاربُ الساعةِ لا تفهمُ دورانَها المحمومَ، وبرْجُ الوقتِ آخِذٌ في التآكُلِ كلُّ يوم يهربُ الوقت، يهربُ مِنِّي في النهارِ ليصيبَني بالأرقِ ليلاً، يهربُ مِن بين أعمدةِ الإنارةِ وهواءِ البحرِ ويطير ليخبئَ النجومَ اللامعةَ في السماء، يرقدُ فوقي في المطبخِ الضيقِ، يرقدُ أكثرَ ليثقِلَ رأسي ويحترق الأرزُ ويغطي اللبنُ الشعلةَ من جديد
أبتلعُ الوقتُ لأحبِسَه بداخلي،
أفتحُ فمي على اتساعِه لأشفطَ الزمنَ بداخلي وأجمع بأصابعي ما تبقَّى منه في الهواء.
أمضغُ الوقتَ فيمضغني.
أبتلِعُ الوقتَ فيبتلعني.
يسير في مساراتٍ داخلَ أعضائي، وأسيرُ في مساراتِه غير الملموسة.
مؤلِمٌ الوقتُ في معدتي الضعيفةِ، حوافه حادةٌ كخُبزٍ يابسٍ لا أتمكن من هضمِه،
أطارِدُه مِن جديد،
أجري كمجنونةٍ بفمي المفتوحِ عن آخِرِه بين الغُرَف،
لكنَّ الوقتَ حولي وبداخلي وفي مسامي لا يكُفُّ عن التسرب.
أقْنَعُ بالقليلِ الذي حبستُه في الإناءِ وأطهوه على عَجَلٍ لأضعَه في حقيبتي وأنا في طريق السفر.
أحفظُ الباقي منه في البرطماناتٍ لمواسمِ الوقت الضيق، أُملّحُ بعضَه وأجمِّدُ البعضَ،
في المبرد متسعٌ لأكياس الوقت،
أضعُ الوقتَ هنا بجوار برطمانِ الفلفلِ الأسود لأتذكَّرَ أنْ أُتَبِّلَه في المرة القادمة
وأُقَطِّعَه نُتَفا صغيرة قبل أن أبتلِعَه.
أسبابٌ جديدةٌ لأكرَهَ العالَم
ألتَهِمُ بقايا الطعامِ حدَّ التُّخمَة
دونَ حسابٍ للسعراتِ الحراريةِ
بقايا الشوكولاتةِ الملتصقةِ بأصابعِ صغيرتي
حبَّات الأرزِ المتناثرة في الأطباق
رشفات العصيرِ الصغيرة في نهايةِ الأكواب
أُلقِي الأطباقَ والأكوابَ في الحوضِ دونَ حذرٍ
مِن تهشُّمِ الزجاجِ الرقيق
تنزلِقُ الأطباقُ مِن فوقِ بعضِها
لتستقِرَّ في فوضى صغيرةٍ
أفتحُ الماءَ لغسيلِ الأطباق
وأفكِّرُ أني أكرهُ كلَّ هؤلاء
غير المضطرينَ لغسيلِ الأطباق
حتى تتجمَّدَ أصابعُهم من الماءِ البارد
لأنَّ سَخانَ الماءِ يحتاجُ بطارياتٍ جديدة
والدرج العلوي لمنضدةِ المطبخ
لا يوجدُ به سِوى مغلَّفٍ بلاستيكي فارغ
يقول كانت هنا بطاريات (تورش) كبيرةٌ حمراء
…….
زوجةُ حارسِ العمارةِ ذهبتْ لوالدتِها التي أُصيبتْ بكسرٍ في عظامِ الفخذ
أولادُها القحابُ منتشرونَ في الشارعِ كأوبئةٍ صغيرةٍ
زوجُها يعملُ في رفعِ قوالبِ الطوبِ للأدوارِ العُليا
ليس ثمَّةَ أحدٌ يٌحضِرُ لي بطارياتٍ لسخَّانِ الماء
……….
صغيرتي نائمةٌ بعد أنْ لوَّثتْ السجاجيدَ والملاءاتِ بِكُتَلٍ مِن الشكولاتة
ابنتي الكبرى ستعودُ بعد قليلٍ وقد نسيتْ كلَّ ما حشوتُه في رأسِها أمس
عن نسبةِ الأُكسجين في الهواءِ، والفرْقِ بين الحيواناتِ اللاحمةِ والحيوانات العاشبة
الدجاجةُ المقطَّعةُ سترقدُ كثيراً في انتظارِ الماءِ الساخن
………….
أراقِبُ الشبَّاكَ الذي يُطِلُّ على فراغٍ أسودَ
والفئرانَ التي تَمُرُّ مِن أمامه لتلقي التحيةَ
أتأكَّدُ أن السلكَ مشدودٌ جيداً ولا ثقوب في الأركانِ
أترُكُ العالَمَ غارقا في فوضاه
أجلِسُ في الفراغِ الصغيرِ بجوارِ البوتاجاز
أبكي وأبحث عن أسباب جديدة لأكره الجميع.