*نجوى الزهار
( ثقافات )
الوطن . كيف لنا ؟ كيف لنا أن نصف ذاك الذي لا يوصف ؟ . وكيف لنا أن نتلمس تلك العلاقة ؟ . فمفهوم العلاقة يؤكد وجود طرفين : طرف يأخذ وطرف يعطي …. فعل ورد فعل . ولكن الرابطة مع الوطن لا تتمكن منها أي تسميات وأوصاف ، لعلها تتشابه قليلا مع الماء , الماء الذي يروي عطشا ، الماء المنهمر مطرا ، الماء الممتد بحارا محيطات انهار …..الماء المتجول في خلايانا . وللماء حديث مائي.
هو موجود . هو باق . نتلمسه في طفولتنا . فنحن عندما نغادر أرحام أمهاتنا نكون قد انتقلنا من وطن الى وطن .
نتلمس الوجوه . نبحث عن الأصوات . نخطئ كثيرا اذا ما اعتبرنا الوطن منفصلا عن منازلنا، عن أحاديثنا ، عن أسرتنا ، عن مقاعدنا عن شرب قهوتنا .
نحلم بالمستقبل . ندرس الدروس . نكتب الواجبات لكي يستمر الوطن فينا . نعيش ونحلم ثم نحلم لكي نعيش . نقرأ التاريخ لنسمع حديثا … نمسك بالحدود الجغرافية لنرى ماذا يحد أوطاننا شمالا غربا جنوبا وشرقا .
مع الوطن ما من ماضي ما من حاضر ما من مستقبل
هو في ثنايا الروح ، وللروح تجليات ، وللروح آلام ، وللروح كلام عن الوطن وبالوطن .
هو في الزرع الذي نزرعه ، بل هو ممزوجا في خلايا التراب . فعندما يشتد الحنين نركع شاكرين ونقبل تراب الوطن ، فيكون هذا اللقاء – لقاء عاشقين لا يعرف مفرداته.
الوطن . الوطن العربي ” الأرض بتتكلم عربي الأرض” . تكلمت أوطاننا ، فكان وما زال الربيع العربي الذي تحدى هذه المقولة التي تعاقبت من اللاوعي الجمعي أو في الوعي الواعي ” حاكم جائر خير من فتنة طائفية “. فكان أن استعادت سماء أوطاننا سحبا ملونة …. عندما غادر أوطاننا الذين ظلموا . سحبا ملونة . تعطي الكرامة قبل رغيف الخبز . سحبا ملونة فيها ألوان قوس قزح . كل لون هو في الحقيقة رسالة لنا بأن الوطن باق بربيع لا متناهي بأزهار الياسمين البيضاء ، بشقائق النعمان الحمراء ، بأزهار عباد الشمس الصفراء ، بالزنبق الأبيض بالبنفسج بالعشب الأخضر ، بأزهار الصحراء ، بورود الجبال بزهور أشجار البرتقال .
الياسمينة الأولى
دمشق
الياسمين الأبيض الذي يتعربش في ثنايا دمشق ، في شوارعها على اسطح منازلها ، على الأرصفة بتنكات الياسمين التي يجمل بضاعتهم بائعو الذرة الصبارة السكاكر .هو وطن بلونه الأبيض ، بأريجه . فعندما يهب حب سوريا تهب معه رائحة الياسمين .
غادرت أمي وخالتي دمشق للانتقال الى عمان ، ولكن دمشق زحفت معهما الى عمان ….. الجلوس الطويل أمام التلفاز لمراقبة ما يجري….يكون ا لبكاء عاصفا أحيانا وهادئا أحيانا أخرى . تم تكون المداراه كلا منا منفردا لكي يتمكن كلا منا مداراة آلامه وأحزانه .
حاولت المساعدة
بدأت ألملم أزهار الياسمين ، اتخذت ركنا مخفيا . أمسكت بالابرة والخيط .وبدأت بغزل أطواق الياسمين زهرة وراء زهرة . ترتجف يداي أحيانا . أشعر بوخز الابرة في أصبعي لأنتبه بأني قد سرحت مع ياسمينات بيتنا الدمشقي، أحاول الاستعجال ….. فثمة نداء ! : أين أنت يا ابنتي ؟ .
أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق أمي . أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق خالتي …
أشكرك . قالت أمي ، ولكن !
أحبك . قالت خالتي ، ولكن !
ولكن ماذا ؟
لمذاق الياسمين الدمشقي لعطر الياسمين شيء آخر، في الليل يتجول عطر الياسمين ….. يترك مكانه ……
أرجو أن تصدقيني ، انه يتجول ما بين مكان ومكان ……
نعم يا أصدقائي ! نعم ! ان الياسمين الدمشقي يترك المكان ويهرب من الزمان …. فعندما بدأنا بترديد :
سوريا يا حبيبتي أعيدي لي كرامتي
رددت معنا زهور الياسمين : سوريا يا حبيبتي ……. ففاض المكان بماء الياسمين … فسرى ما بيننا عبقا سحريا مائيا … لتهدأ أرواحنا ، ونترحم على شهدائنا ، ونمسك بأطواق الياسمين المرئية وغير المرئية لنهديها الى كل الأرواح الطاهرة …
سوريا يا حبيبتي سوريا يا حبيبتي