السجادة الحمراء التي عادة يمشي عليها كبار النجوم من حول العالم، في غزة لم تكن كذلك، بل مشى عليها سكان غزة أنفسهم، خصوصاً أصحاب المنازل المهدّمة وأصحاب القلوب المنفطرة.
كانت الصور التي انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي كفيلة بأن تجعل أي شخص يهرع إلى فتحها والتأكد من مضمونها، سجادة حمراء طولها طول مساحة مليئة بالدمار والركام، تفرد بشكل لا يقل عن فردها في كبرى المهرجانات العالمية، تعتقد لوهلة أنها جزء من فعالية في مهرجان «كان» في دورته الـ68، خصوصاً مع تزامن الفعاليتين، لكن السجادة لم تكن في فرنسا بل في حي الشجاعية في مدينة غزة الفلسطينية، لإعلان الدورة الأولى لمهرجان كرامة غزة لأفلام حقوق الإنسان، الذي حمل عنوان (السجادة الحمراء).
السجادة الحمراء، التي عادة يمشي عليها كبار النجوم من حول العالم، في غزة لم تكن كذلك، بل مشى عليها سكان غزة أنفسهم، خصوصاً أصحاب المنازل المهدمة، وأصحاب القلوب المنفطرة على من فقدوا من فلذات أكباد وأزواج وآباء، مشى عليها كل من يحب الحياة، وهذه هي رسالة المهرجان، حتى أن شاشات العرض السينمائية التي كانت في الهواء الطلق نصبت على مبان مهدمة إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
كالعنقاء تماماً، استطاع هذا المهرجان أن يحيي الإنسان والحجر من رماد، فبث الحياة في مدينة تكاد تصبح في طي النسيان، تعاني حصاراً من شتى الاتجاهات.
المدير الفني للمهرجان، المخرج محمود أبوغلوة، قال عن فكرة إحياء الرماد قصة حدثت فعلاً: «إنه مع ضغط العمل نسينا أن نحضر شريط افتتاح السجادة الحمراء، فذهبت ومجموعة من الأصدقاء وجمعنا ملابس سكان من بين الركام.. وصنعنا منها شريط الافتتاح».
وحول مرور مثل هذا المهرجان مع سجادة حمراء في حضرة (حماس) قال: «أكدنا أن رمزية الأحمر بعيدة عن ألوان الانقسام الفلسطيني.. الأحمر مر لأنه لون وذاكرة المكان المدمر منذ الحرب الأخيرة على قطاع غزة، مر لأن في هذا المكان قتل 100 شخص خلال ساعات عدة، والسينما وعلاقتها مع القضية الفلسطينية خلقت وعياً حتى للحركات التي نعتقد أنها ضدها».
وعن مواكبة افتتاح المهرجان في يوم افتتاح الدورة الـ68 من مهرجان كان السينمائي، الذي تتجه أنظار العالم إليه، أضاف أبوغلوة: «كان الأمر مقصوداً لوضع المقارنة، وبالمقارنات تظهر القيمة، فالسجادة الحمراء أصبحت ممشى البسطاء وليس النجوم».
المتابع لتطوّر السينما الفلسطينية يدرك أنها أثبتت حضورها في 10 سنوات فائتة، واستطاعت أن تنافس على جوائز عالمية، وكمدير فني ومتابع للحركة السينمائية، تحدث أبوغلوة عن الأمل في خلق لغة جديدة اسمها لغة السينما في التغيير المبتغى «السينما لغة ثقافية من عوامل نشر ثقافة وقضية شعوب العالم، وبالسينما شاعت ملايين الأسئلة والأجوبة، نحن نأمل أن تكون القضية الفلسطينية محط أنظار العالم، وباعتقادي عبر السينما المستقلة سيكون التغيير الذي هدفه غزة وفلسطين موجوداً على الخارطة».
وعن ولادة فكرة السجادة الحمراء، وبدلاً من أن يمشي عليها النجوم مشى عليها السكان، قال: «عندما جاء مدير المهرجان المخرج الفلسطيني خليل المزين بالفكرة، كنت أول المؤمنين بنوايا خليل العميقة، وبداخلي كنت أتمنى أن أمشي على السجادة بصفتي مخرجاً سينمائياً، وعندما مشينا على السجادة كان فخراً عظيماً، هذه سجادة البسطاء أصحاب الطموحات البسيطة، وعندما مشي السكان سقطت فكرة السجادة العلوية، وأصبحت ممشى سكان عانوا من الجيش الإسرائيلي، فقمة الأمور تظهر ببساطتها، مثل مشهد الأطفال الحفاة الذين مشوا على السجادة»
وعما إذا ما واجه فريق عمل المهرجان أي معوقات لتنفيذ الفكرة، قال أبوغلوة: «لم يكن هكذا مهرجان دون ملايين المعوقات، كنا مؤمنين بالفكرة لذلك نجحنا، هناك معوقات الجغرافيا وطبيعة المكان المدمر.. ومعوقات الشكل الفني للمهرجان وغيرها».
وعن غزة التي لا يعرفها الجميع سوى بصور دمار وبكاء وعويل، أكد أبوغلوة: «غزة جميلة بناسها وشعبها البسيط والجميل، وغزة عظيمة بعقول شبابها، وأجمل ما في أهل غزة حبهم للبقاء».
وتطرق أبوغلوة للحديث عن نوعية الأفلام التي تم دول عدة من الوطن العربي والعالم، من روسيا وبريطانيا والتشيك والمغرب وتونس، ومن سورية عرضنا ثلاثة أفلام، كما عرضنا أفلاماً من فلسطين، مثل (روشيما) و(المطلوبين 18) و(أوتار مقطوعة) و(بيت ترقيع)»، مشيراً الى أن الرسائل التي بثها مخرج فيلم «روشميا» سليم أبوجبل عبر (سكايب) وهو ابن الجولان المحتل المقيم في رام الله، «كانت مؤثرة والتفاعل معها كان عاطفياً وعميقاً»، وعن الجهات الداعمة للمهرجان، حسب أبوغلوة: «المهرجان توأمة مع مهرجان الكرامة في الأردن، وبدعم من مؤسسة موف ذه ماتر».
وحول إذا ما كانت مثل هذه النوعية من الفعاليات تعدّ من ضمن التحديات التي تحوم حول غزة المحاصرة من أطراف عدة، أكد أبوغلوة: «هي من نوع المقاومة الفكرية التي ليست أقل أهمية من المقاومة المسلحة».
وعن حال غزة، حيث يعلم الجميع أن سكان فلسطين من أاي منطقة لا يستطيعون دخولها، والكثير لا يفهم هذه الصيغة، وإذا ما حاولوا دعوة فنانين وسينمائيين إلى المهرجان وتعرّضوا لمعوقات ورفض من المسؤولين، قال أبوغلوة: «غزة تعاني حصاراً وإغلاق المعابر منذ سبع سنوات، حتى ان مدير المهرجان خليل المزين كان له دعوة للمشاركة في مهرجان دبي السينمائي عن فيلم (سارة 2014) قبل شهور، ولم يستطع السفر بسبب إغلاق المعابر، وقد دعونا الكثير من الفنانين والسينمائين إلى مهرجان كرامة غزة، ولم يستطع أحد الدخول إليها بسبب المعابر».
السينما هي الجواب فهل استطاع مهرجان كرامة غزة أن يجيب عن الأسئلة العالقة؟ فكان جواب بوغلوة: «نوعاً ما استطاع الإجابة عن أسئلة العالم، خصوصاً في ما حدث بالشجاعية خلال الحرب، وأجاب عن سؤال عالق في عقل الناس، ما هي السينما ولما وجدت؟ لنقول لهم إنها الحياة ونوع من أنواع الترفيه.. ومرتبطة مع الوجود الإنساني على الأرض».
وأكد أبوغلوة أن «المهرجان سيستمر في دورات مقبلة، على أمل أن يكون ضيوفه من شتى أنحاء العالم، ويكون الحصار على غزة قد انتهى».
جدير بالذكر أن مهرجان كرامة غزة لأفلام حقوق الإنسان (السجادة الحمراء)، هو مهرجان للأفلام الروائية والوثائقية القصيرة والطويلة، وهو الأول من نوعه في ما يخص عرض أفلام تسلط الضوء على قضايا حقوق الإنسان في فلسطين، وفي كل العالم.
_______
*الامارات اليوم