* محمود شاهين
يوثّق كتاب (قصة الفن)، لمؤلفه إي.هـ. غومبرتش (ترجمة عارف حديفة)، لمسيرة هذه اللغة الإنسانيّة الرفيعة، منذ ظهورها لدى البدائيين وشعوب ما قبل التاريخ في حضارات أميركا القديمة، مروراً بمصر وبلاد ما بين النهرين وكريت واليونان والرومان والإسلام والصين وأوروبا (خلال عصر النهضة)..
وصولاً إلى الفن في النصف الأول من القرن العشرين. ولأهمية هذا الكتاب، طبع عشرات المرات، كونه وُضع (بحسب مؤلفه)، من أجل أولئك الذين يشعرون بالحاجة إلى توجيه أوّلي في مجال ساحر وغريب، وهو ربما يُري القادمين الجدد تضاريس الأرض، من غير أن يُؤدي إلى ارتباكهم في التفاصيل، ويمكنهم من إسباغ نظام واضح على ذلك العدد الكبير من الأسماء والمراحل والأساليب التي تكتظ بها صفحات الكتب التخصصيّة الطموحة.
يُشير الكتاب إلى عدم وجود شيء اسمه الفن، بل يوجد فنانون، وهؤلاء كانوا ذات يوم رجالاً تناولوا تراباً ملوناً، ورسموا صوراً مجمّلة لثور على جدار كهف، واليوم يشتري بعضهم علبة ألوان، ويصممون ملصقات للإعلان، وفعلوا ويفعلون أشياء كثيرة أخرى لا ضير بتسميتها فناً، طالما حفظنا في أذهاننا أن مثل هذه الكلمة قد تعني أشياء مختلفة في أزمنة وأمكنة مختلفة.
وطالما أدركنا أن الفن بالمعنى المجرد غير موجود، فإن الذوق فيه أكثر تعقيداً بما لا يُقاس من الذوق في الطعام والشراب. ولأن كبار الفنانين أعطوا كل ما عندهم في أعمالهم الفنيّة، وكابدوا من أجلها، وأراقوا دمهم عليها، فأقل حقوقهم علينا، أن نحاول فهم ما أرادوا القيام به. وعلى هذا الأساس، فإن متعلم الفن لا يبلغ النهاية، فهناك أشياء جديدة، على الدوام، عليه أن يكتشفها.
وأعمال الفن العظيمة تبدو مختلفة في كل مرة نقف أمامها، ما يجعلها تبدو غير قابلة للنضوب، وغير ممكن التنبؤ بها. إنها عالم مثير للمشاعر، له قوانينه الخاصة، ومغامراته الخاصة. لهذا لا أحد ينبغي أن يظن أنه يعرف كل شيء عنه، بل علينا للاستمتاع بالفن، أن يكون لنا عقل جديد.
ويجد غومبرتش نهاية أنه عاد من جديد إلى النقطة التي بدأ بها هذا الكتاب وهي: إنه لا يوجد في الحقيقة شيء اسمه الفن، بل يوجد فنانون.
______
*البيان