مديح الزوجات يغيب عن ديوان الشعر العربي


*إبراهيم حمزة

يحفل ديوان الشعر العربي بعدد هائل من مراثي الزوجات، لكن الأمر المدهش هو ندرة قصائد الحب بين الزوج وزوجته، حتى إن شاعراً كاد يوقف ديوانه على الغزل والفخر، هو عنترة لم تجُد قريحته ببيت من الشعر في عبلة بعد زواجه منها، بل إنه – على حسب ما تحكي سيرته الشعبية – تزوج غير عبلة كثيرات، فلم ينطق بيتاً يتغزل بمحاسن زوجة منهن، وهو الذي كان يقول:

«ألا يا عبل قد زاد التصابي
ولج اليوم قومك في عذابي»
وهكذا الشعراء في نظرتهم للزوجة، وقد سألت إحدى الشاعرات عن هذه الظاهرة المحيرة فأجابت باسمة: ومن يطعم السمكة بعد صيدها؟
وهناك ما أنشده الأعشى في زوجته، مع العلم أن نقاد عصره يستشهدون به فقط لمجرد تسمية الزوجة بالجارة، يقول الأعشى:
«أيا جارتا بيني فإنك طالقه
وموموقة ما دمت فينا ووامقه»
وهو ما يذكره صاحب «المفضليات» حين يروي للمرقش الأصغر قوله:
«آذنت جارتي بوشك رحيل
باكراً جاهرت بخطب جليل
أزمعت بالفراق لما رأتني
أتلف المال لا يذم دخيلي»
ولا يترك الشارح الموقف يضيع عبثاً، فيشرح لنا قائلاً: «ففي هذه القصيدة يتحدث عن مجاهرة زوجه له بالمفارقة والمغاضبة، وجعل سبب غضبها أنه متلاف للمال، وكذلك كان نساء العرب يلُمن أزواجهن على الجود والإنفاق».
ويبدو أن ابن زريق البغدادي قد تحمل عبء اللهج بهوى الزوجة الحبيبة، ربما أنسى بقصيدته هجائيات كثيرة لغيره، كقول الحطيئة في زوجته:
«لها جسمُ برغوث وساق بعوضة
ووجهٌ كوجه القرد بل هو أقبح
إذا عاين الشيطانُ صورة وجهها
تعوّذ حين يُمسي وحين يُصبح»
فقد تفرد ابن زريق بين شعراء العربية بيتيمة له بديعة، يتشوق لزوجته بعدما تركها مسافراً للأندلس، تاركاً في بغداد زوجة حبيبة، وذكريات بهيجة، ورجاءات لا تنتهي بألا يغادرها:
«أستودعُ اللّه في بغدادَ لي قمراً
بالكرخِ من فلك الأزرار مطلعهُ
ودّعته وبودّي لو يودّعني
صفوُ الحياة وأني لا أودّعهُ
وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحىً
وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعه»
وتبدو اللوعة ظاهرة في القصيدة التي لم يكتب ابن زريق سواها، وكانت الغربة المفجر الأساسي لهذه المشاعر الأسيانة المبكية، ولا يترك الرواة الأمر يمر هكذا، فيضيفون بعداً جديداً للمأساة، مؤكدين أن القصيدة وجدت معه بعد موته، سنة أربعمئة وعشرين من الهجرة، فاستحق الرجل الذكر الحسن بقصيدة، بينما شعراء كتبوا مئات أو ربما آلاف القصائد بلا ذكر ولا قيمة كما يشير الشاعر فاروق شوشة في كتابه «أحلى عشرين قصيدة حب».
تقول الرواية: «طلق أعرابي امرأته فتزوجها الأخطل وكان الأخطل قد طلق امرأته قبل ذلك، فبينما هي معه إذ ذكرت زوجها الأول فتنفست فقال الأخطل:
«كلانا على هم يبيت كأنما
بجنبيه من مس الفراش قروح
على زوجها الماضي تنوح وإنني
على زوجتي الأخرى كذاك أنوح» .
_____
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *