أما المتخلف فسيهدي ابنته الرماد


*نادين البدير

اكتب لابنتك كما كان جواهرلال يكتب لأنديرا..

أهدها صفحات عن السماء والكون والجغرافيا والتاريخ والعالم. تعلم أن تكون مثقفا لأجلها.
أهدها العلم. واستثمر بالطفلة الأنثى التى وهبها الكون لمسكنك.
اكتب لها عن مشاعرك كما كتب لها جواهرلال نهرو.
رغم القضبان وصخب التمرد على الاستعمار وضجة ثورة الحرية والعصيان كان يخلق الوقت ليسرد لها (لمحات عن تاريخ العالم) الكتاب الشهير الذى ألفه لعيون أنديرا ولم تقرأه إلا بعد سنوات، ربما لصغر عمرها أو لانشغال بمرضها وسفرها، لكنها قرأته أخيرا.
من الذى قال إن الرسائل حكر على العشاق؟
كانت رسائل جواهر وأنديرا تحكي مشاعرهما والتناقضات والأزمات والأحزان المؤلمة التى يمران بها. يحكي لها عن السجن وتحكي له عن المدرسة. يطلعها على عواطفه تجاه وطنه. وتبادله الأسرار. يحكي لها عن الحب وتحكي له عن الحب. لم يخفيا سوى اليسير. واللافت أنهما اعتادا كتابة الرسائل منذ طفولتهما فما عادا يناقشان الأمور الدقيقة إلا عبر الورق.. حتى بعد خروج جواهرلال من السجن، ووصوله لرئاسة الوزراء وبقاء أنديرا معه بمنزل رئيس الوزراء لمساعدته بأعماله. كانا يحكيان ويعملان كثيرا، لكن نقدها له والنقاشات الحقيقية تتم بأن يلتقيان فتسلمه رسالة وكفى.
جواهرلال أنجب أول رئيسة وزراء للهند. السيدة التى أدهشت الدنيا بغربها وشرقها. عاش والدها غارقا مفتونا بحب العلم. أينما ذهبت العائلة أصر على إلحاقها بمركز تعليمي أو مدرسة، في زمن كانت القلة فقط تؤمن بحق الفتاة بالتعليم. تعمد أن تدخل أنديرا أفضل المدارس والجامعات. حتى أثناء سفرهم بإجازة أو رحلة علاج والدتها المريضة، سيدخلها نهرو إحدى مدارس سويسرا البعيدة عن مسكنهم، وتقطع الطفلة ابنة الثامنة مسافات يومية طويلة للوصول لمركز العلم.
رسائل هذا الأب لابنته بفترة مبكرة من القرن العشرين تظهر رجعية قاتمة نحياها مقارنة بمن عاشوا فترات قديمة وتقدموا علينا بشكل مرعب.
حين دخلت طور الشباب.. كتبت له عن حبها لفيروز غاندي (الذى سميت باسمه) قبل زواج لم ترحب به الهند..
«يمضي أغلب الناس حياتهم بانتظار السعادة ولكن كأسها دائما تبدو بعيدة عن منالهم أما أنا فأمسكتها بيدي ونهلت منها وتشربتها خلايا عقلي وجسدي ..».
فرد عليها نهرو «السعادة هي بالأحرى شيء سريع الزوال بل لعل الشعور بالإشباع أبقى منها».
ولم يعارض هذا الزواج المختلط رغم الاضطراب الذى تسببه للبلاد، لأنه كان مؤمنا حقيقيا بمبادئه الداعمة لحق المرأة بالاختيار.
لا يمكنك أن تقرأ عن هذه السيدة دون أن تعيش كل جروح الحياة ومعاناتها وتستذكر أوجاعك وتخبطاتك. ورغم ذلك يصدمك بفرح والد استثمر حياته وماله ووقته بحرية الهند مثلما استثمرها بتنشئة فتاة غيرت تاريخ الهند.
فكم ابنة بمجتمعاتنا لديها الفرصة لأن تحظى بأب يرغب بإهدائها العلم أكثر من أي شيء آخر؟
________
*المصري اليوم

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *