بحري بن يحمد لـ “ثقافات”: الرقص حياة.. والجسد فكر


* حاورته: آماليا داود

تونس- ( ثقافات )
ما رأيك أن ترقص في الشارع الآن؟ قد يبدو ذلك عملاً جنونياً، لكن جمعية “المواطنون الراقصون” التونسية قررت الرقص في الفضاءات العمومية بالعاصمة تونس ليكون الفن بالشارع وبمشاركة المواطن، فهو برأيهم “ثقافة حياة” و”هدية لإسعاد الناس بعد أن أغرقتهم الأنظمة في الاكتئاب”. 

ورغم ما عانته تونس منذ انطلاق الثورة وما تبعها من أحداث، إلا أن هؤلاء الشباب وجدوا في الفن “حلا” يمكنه مواجهة الواقع وتغييره من خلال الرقص بلا موسيقى أو تصفيق بحركات تعبيرية يجسدون فيها قضايا وهموم الشعب المختلفة ويلامسون نبضهم، يلتقون بجمهورهم في الأسواق ومحطات النقل وأمام المساجد ويدعونهم لمشاركتهم الرقص على حريتهم فهم دعاة حملة “سأرقص رغم كل شيء”.

وعن “المواطنون الراقصون” وفن الشارع، التقت “ثقافات” بالراقص والمخرج التونسي بحري من يحمد أحد أعضاء الجمعية، وهو أحد ثنائي أسّس “آرت سوليسيون” (الحلّ بالفن)، وهي جمعية تعنى بالرقص في تونــس. وكان هذا الحوار:

ثقافات: ماذا تخبرنا عن المواطنين الراقصين؟

بحري بن يحمد: صيغة المواطنة هي التي تجعلنا في علاقة مباشرة مع الناس، نتخلى عن المنصب وندخل اللعبة كإنسان، نريد لفت الانتباه للملاحظة الأهم، لا نعمل على رسائل فكرية أو ذهنية بل على معايشة المفاهيم وتطبيقها، فهذه المفاهيم ليست مصدراً للتخيل، مثل فكرة المساواة والعدالة والحرية، هذه المفاهيم ليست لها منفعة لو لم تطبق ولو جزئياً، ونحن نحارب تلك الذاكرة المؤقتة بذاكرة الجسد، فالجسد في حد ذاته فكر، والجسد هو الوحيد المستعصي، وعلاقتنا مع التاريخ هي علاقة قطيعة، وهي مشكلة متكررة وإلى الآن أيضاً لم يتحد الفن السياسة، ويجب أن يعطيك الفن هوية شخصية، نحن بدأنا من الشكل الفني لتحطيم الرؤية السياسية، فكل الأنظمة تعمل على إغراقنا في الاكتئاب ولا نستطيع أن نقاوم هذه الأنظمة إلا بالسعادة، وفكرة المواطنين الراقصين هي هدية لكل الناس، فن الشارع أي فن غير معترف به، وغير مرغوب فيه من قبل السلطة، المواطنون الراقصون هي تجربة انطلقت من الواقع لتطوير الأشكال الفنية التي تناسب حالة المجتمع الذي نعيش فيه، كي يكون التعبير مجدياً. 

ثقافات: مَن المستهدف بفنكم الناس أم الأنظمة؟

بحري بن يحمد: أختار الصراع مع الناس العاديين، وليس مع الأنظمة الفكرية، الحرب والطاقة نوظفها في تغيير الأفراد والأشخاص العاديين؛ لأنه أجدر من فتح جبهة مع الأنظمة المتهرئة، وعلاقتنا مباشرة مع الناس، وكيفية تجاوز الذهني ونتخاطب بالأحاسيس، وكيف يُشعر جسد جسداً آخر بضرورة فهم ذاته، و التخلص من كل تراكمات السلطة، وكيفية تحرير الإحساس وفتح آفاق التفكير، الرقص هو خطاب مباشر وليس بحاجة للتبرير .

ثقافات: ومَن هي الفئة المخاطبة في أعمالكم؟

بحري بن يحمد: أنا في الطور التجريبي في طور الفهم، لكني أريد أن أشتغل على الشيخوخة، فنحن نضع ربع المجتمع في حالة انتظار الموت، ففي مفاهيمنا الثقافية وجودك هو رغبة الآخر، وهؤلاء الناس لم تعد لهم بنظرنا الصفة الجمالية التي تعطي الرغبة، عقليتنا ترفضهم وتعتبر ان لا وجود لهم وتقصيهم، وهؤلاء الاشخاص ما زال عندهم القدرة على الابداع والحياة، وعندما نطلع على تجارب العالم،وعلى سبيل المثال اليابان رقصة البيتو، يؤديها شخص عمره 103 سنوات، لان الرقص ليس فقط طاقة وحركة، بل فهم لطبيعة شخصك، وهذا الفهم يتطور كل يوم .

ثقافات: كيف وُلدت فكرة “المواطنون الراقصون”؟ 

بحري بن يحمد : المشروع الذي قمنا به بداية هو “سأرقص رغم كل شيء”، وهي حركة عفوية جداً وُلدت في سياق معين وهو الاحتفال العالمي للمسرح في العام 2012 بشارع الحبيب بورقيبة بحضور ممثلين وكثير من منصات العرض، وهي حركة قوية للشعب التونسي كون الفن حدث ديموقراطي، وهو نفس اليوم الذي هجم فيه السلفيون على الفنانين وكسروا المنصّات وحاصرونا أمام المسرح البلدي وقالوا لنا لو أردتم تقديم الفن فقدموه داخل المسرح فالشارع ليس ملكاً لكم!، ما حصل شكّل صدمة لكل الفنانين والحضور وقتها، وبالتأكيد كانت صدمة بالنسبة لي شخصياً، فتساءلت كيف يفكر هؤلاء؟ وهل هم “تنظيم إرهابي” ضد الفنانين؟ ماذا يعني قدوم ثلاثة آلاف شخص من كل مناطق الجمهورية ليفسدوا هذا الاحتفال بالمسرح؟!، الفكرة كانت خطيرة ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون أن نعتكف داخل المسرح وأن نجسد الفن ضمن أربعة جدران ونترك لهم أن يصولوا ويجولوا ويحرموا الفن، وفي ظرف سنة نجد أنفسنا بين أربعة جدران بدون جمهور!. والعمل الميداني يقوم به السلفيون في الخيم الدعوية وفي الساحات العمومية في خيمة حيث مكبرات الصوت ويدعون للجهاد، يعني يدعون إلى ثقافة الموت، وامام هذا المشهد كنا مطالبين أن نقوم بحركة، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى المشروع بدأ عندما ذهبت أنا و صديقي إلى مناطق شعبية وصرنا نرقص بدون موسيقى، ولاقى هذا العرض نجاحاً كبيراً مما زاد من إصرارنا على أهمية العمل وإكمال المشوار.

ثقافات: في أحد العروض كنتم تقدمون في باب سويقة، المنطقة الشعبية، عرضاً معاصراً أمام الجامع هل شكل لكم هذا الموضوع أي مشكلة؟

بحري بن يحمد: نحن نستخدم أي فضاء متاح ولم تكن تلك مشكلة أبداً، نحن أيضاً تتبعنا عمداً أماكن دعوات السلفيين في الساحات العامة وقمنا بالرقص بعد خطاباتهم ومع نفس الجمهور، والجميل في الموضوع تفاعل الناس معنا، فهم لا يفهمون الخطاب الديني المتزمت لأنهم أشخاص بسطاء يفهمون الدين بعلاقات ليست معقدة كما يسوقها لهم السلفيون.
أذكر أنه في إحدى الزيارات إلى الجنوب التونسي تحديداً مدينة مكناس هجم على العرض مجموعة من السلفيين وهم يحملون الهراوات ويريدون إنهاء العرض وطردنا من المكان، أعطيتُ أوامري للفرقة بالجمود، واتهمنا السلفيين بالكفر، وقلق الجمهور من هذه التكفيرات غير المبررة، وانتقل الحوار بين نفس ساكني هذه المنطقة منهم السلفيون ومنهم من يشاهد العرض، والنتيجة بأن قام الجمهور بالدفاع عنا بالكلام ثم بضرب السلفيين وطردهم، بالنسبة لي لم أتدخل بل فتحت المجال للنقاش بينهم، وأكملنا العرض بعدها.
والسؤال الذي طرحه الجمهور على السفليين: لماذا تحرمني من الاستمتاع بالعرض؟ لأن الناس تريد الدفاع عن فكرها وعن ذواتها وعما تحب وعما تكره، ولا تريد لأحد أن يختار عنها ماذا يجب أن تفعل.


ثقافات: في نهاية كل عرض تقومون بإشراك الناس معكم في الرقص هل كانت هذه حركة عفوية أو مدروسة، وكيف تفاعل معها الناس؟

بحري بن يحمد: كان هذا موضوعا مدروسا، أردنا كسر منطق الاستعلاء بين الفنان والجمهور، وأن نخلق تواصلاً بين الناس والفن، فأنا أرى المبدع هو ذلك الرجل الذي رقص معي من الجمهور وبتقنيات عالية ـ أمتعني وأمتع الناس، امرأة كبيرة بالعمر كانت متوجهة للسوق بشكل طبيعي لتشتري احتياجات المنزل عندما أنزلتها للرقص معي في الشارع لم تتوقف عن الرقص لمدة ثماني دقائق، فكل شيء يأتي من عند الناس هو شيء عادي، وهذه الافعال العفوية لا يستطيع أي فنان أن يعبر عنها و يعبر عن الاحساس بالحرية، هي دمقرطة الفن، انا متأكد ان العديد من الافراد عادوا الى بيوتهم سعداء، وهذا يكفيني بأن أمنح الأفراد الفكرة بأن يعبروا عن حريتهم.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *