الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية


* آمال الديب

( ثقافات )

تمثل الأخطاء اللغوية عبئًا ثقيلاً على الكاتب والقارئ معًا؛ يخشاها الكاتب ويحسَب حسابها، ويتكدّر منها القارئ وتُفسِد استمتاعه بالقراءة. وفي اللغة العربية على وجه الخصوص يشيع الكثير من الأخطاء نظرًا إلى كثرة قواعدها وتجذُّر أصولها، من ناحية، وابتعاد العرب عنها في الغالبية العظمى من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، من ناحية أخرى.
وقد جاء كتاب “الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية” نتاجًا لتجربة طويلة خاضها الكاتب في التدقيق اللغوي لكتب وصحف ودواوينَ شعرية ومجموعات قصصية وروايات… بالإضافة إلى حضور العديد من اللقاءات الثقافية التي يحرص المتحدثون فيها على التخاطب باللغة العربية الفصحى، فكان الناتج حصر عدد كبير من الأخطاء اللغوية التي تشيع بكثرة على الألسنة وعلى صفحات الكتب والمجلات والصحف…
يقول الكاتب في مقدمة الكتاب: “وَلَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ أَنَّنَا وَجَدْنَا الأَمْرَ لاَ يَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى شُيُوعِ أَخْطَاءٍ فِي الْكَلاَمِ، بَلْ وَجَدْنَا أَيْضًا أَنَّ بَعْضَنَا يَدَّعي عَلَى بَعْضِ التَّعْبِيرَاتِ وَالأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ الْفَصِيحَةِ أَنَّهَا مِنَ الْخَطَأِ اللُّغَوِيِّ الشَّائِعِ أَوْ غَيْرِ الشَّائِعِ”. مما يشير إلى أن هذه الدراسة تعالج ما يشيع من أخطاء، وما يشيع من مغالطات تتَّهم التعبيرات اللغوية السليمة بعدم الصحة.
وقد جاء الكتاب في ستة أقسام وملحَقَين. تناول القسم الأول أخطاءَ الأسماء، والثاني أخطاءَ الأفعال، والثالثُ أخطاءَ التراكيب اللُّغوية، والرابعُ أخطاءَ التذكير والتأنيث، والخامسُ أخطاءَ الصوتيات، والسادسُ أخطاءَ الإملائيات. أما المُلحَقان فأولهما لِمَا يُذَكَّر وما يُؤَنَّث من أعضاء جسم الإنسان، وثانيهما لعلامات الترقيم. وقد وضّح الكاتب في مقدمة الكتاب المنهج الذي انتهجه في ترتيب وتقسيم الكتاب حتى يكون دليلاً للقارئ في أثناء قراءته، ومن ذلك ترتيبُه موادَّ كل قسم على حسب الترتيب الهجائي لكل كلمة لا على حسب الترتيب الهجائي لأصول الكلمات، فتأتي مادة “يجزي” بعد مادة “وقف” رغم أن “يجزي” أصلها يبدأ بالجيم الذي يسبق الواو التي يبدأ بها أصل “وقف”، ويوضح الكاتب أن هذا لأن الخطأ يشيع في صيغة المضارع “يجزي” لا في صيغة الماضي “جزى”.
يبدأ الكاتب كل مادة بمثال توضيحي على غرار “قُل ولا تقُل”، بادئًا بالصواب ليتصدَّر أمام العين فيثبت في الذهن، ومنتهيًا بالخطأ بعد أن يكون الصواب قد ثبت.
في القسم الأول “أخطاء الأسماء” يتناول الكاتب ثمانية وتسعين خطأً تتراوح بين الخلط بين كلمات لا تقارُب بينها في المعنى، واستخدام كلمات ليست من اللغة العربية، واستخدام تصريفات غير عربية، واستخدام كلمات في غير موضع معناها. يقول الكاتب في إحدى موادِّ هذا القسم: «يشيع استخدام كلمة “مشين” للدلالة على الأمر العائب المقبِّح لمن هو فيه. والصواب في ذلك استخدام كلمة “شائن” المشتقَّة من الفعل الثلاثي “شان”، لا من الفعل الرباعي “أشان”. وقد جاء في “المعجم الوسيط”: “(شانه):- شَيْنًا: شوَّهه. و- عابه”. ولم يرد فيه الفعل “أشان”».
وفي القسم الثاني “أخطاء الأفعال” يتناول الكاتب ثلاثين خطأً تشيع في استخدامات الأفعال ومعانيها وطريقة تعدِّيها وطريقة تصريفها وتشكيلها والخلط بينها. يقول الكاتب مثلاً: «يَشِيعُ شُيُوعًا كَبِيرًا اسْتِخْدَامُ الْفِعْلِ “صَعَدَ” بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَالصَّوَابُ أَنْ تُكْسَرَ عَيْنُهُ فَنَقُولَ: “صَعِدَ”. وَمَعَاجِمُ اللُّغَةِ عَلَى هَذَا بِلاَ خِلاَفٍ، فَقَدْ جَاءَ مَثَلاً فِي “الْقَامُوسُ الْمُحِيطُ”: “صَعِدَ فِي السُّلَّمِ، كَسَمِعَ، صُعُودًا” أَيْ أَنَّ وَزْنَهُ مِثْلُ وَزْنِ “سَمِعَ-يَسْمَعُ” أَيْ “صَعِدَ- يَصْعَدُ”».
وفي القسم الثالث “أخطاء التراكيب اللغوية” يتناول الكاتب ستة وخمسين خطأً مما يشيع في التراكيب والأساليب اللُّغوية، منها ما يشيع أنه صواب وهو خطأ، ومنها ما يشيع أنه خطأ وهو صواب، ومنها قواعد خاطئة يستند إليها البعض دون تحقُّق من صحتها. من ذلك قوله في مادة “حُرُوفُ الْجَرِّ يَحُلُّ بَعْضُهَا مَحَلَّ بَعْضٍ”: «هَذِهِ قَاعِدَةٌ خَاطِئَةٌ غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى أَسَاسٍ سَلِيمٍ… فَمَثَلاً الْفِعْلُ “رَغِبَ”، إِذَا تَعَدَّى بِـ”فِي” كَانَ مَعْنَاهُ عَكْسَ مَعْنَاهُ إِذَا تَعَدَّى بِـ”عَنْ”».
وفي القسم الرابع “أخطاء التذكير والتأنيث” يتناول الكاتب عشرين لفظًا يشيع في كل منها الخطأ في تذكيره وهو مؤنث، أو في تأنيثه وهو مذكَّر. ومن ذلك توضيحه أن كلمات “بئر” و”جحيم” و”رحِم” و”كتف” وغيرها مؤنَّثات يشيع خطأً تذكيرهن، كما أن كلمات “بطن” و”رأس” و”مستشفى” وغيرها مذكَّرات يشيع خطأً تأنيثهن.
وفي القسم الخامس “أخطاء الصوتيات” يتناول الكاتب قضيتين صوتيَّتين، أولاهما تشيع بين الناطقين بالعربية، وهي قضية “انْتِقَالُ التَفْخِيمِ مِنْ حَرْفٍ مُفَخَّمٍ إِلَى حَرْفٍ أَوْ أَكثَرَ مُرَقَّقٍ” كتفخيم الياء والدال واللام في كلمة “صيدلة”. والثانية هي رصد لحالة ترقيق حرف الراء رغم كونه مفتوحًا، وهي الحالة التي لم ترد في كتب الأصوات قط ولم يتحدث عنها العلماء.
وفي القسم السادس “أخطاء الإملائيات” يتناول الكاتب أحد عشر خطأً إملائيًّا شائعًا، منها ما يشيع من أخطاء في رسم الهمزة في أول الكلمة (أسطوانة وإسطوانة) وفي وسط الكلمة (شؤون وشئون) وفي آخر الكلمة (شيء وشئ)، ومنها ما يخصُّ وَصْل ما يجب فصله (لا بُدّ ولابُدّ)، ومنها وصل وفصل “ما” في حالتيها المصدرية والموصولة، ومنها الياء التي تنقلب واوًا خطأً (مشتريات ومشتروات).
وفي الملحق الأول من الملحَقَين الختاميَّين يتناول الكاتب قضية مَا يُذَكَّرُ وَمَا يُؤَنَّثُ مِنْ أَعْضَاءِ جِسْمِ الإِنْسَانِ، إذ هي من القضايا المُلبِسَة بشدة في اللغة، حتى إن البعض يدَّعِي أن كل ما هو فَرْدٌ في الجسم مذكَّر، وكل ما هو أكثر من واحد مؤنَّث. وقد أوضح الكاتب خطأ هذه القاعدة من خلال الشواهد المعجمية والقرآنية. يقول الكاتب إنه استقى هَذَا الْمُلْحَقَ مِنْ مَنْبَعَيْنِ ثَرِيَّيْنِ… أَوَّلُهُمَا كِتَابُ “الْمُزْهِرُ” لِجَلاَلِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ السِّيُوطِيِّ… أَمَّا الْمَصْدَرُ الثَّانِي فَهُوَ كِتَابُ “الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ” لاِبْنِ التُّسْتَرِيِّ الْكَاتِب.
أما الملحق الثاني الخاص بعلامات الترقيم فقد وضعه الكاتب “لِتَوْضِيحِ مَعْنَى كُلِّ عَلاَمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ وَالْمُرَادِ مِنَ اسْتِخْدَامِهَا، لَعَلَّنَا نُحْسِنُ اسْتِخْدَامَهَا فَيَقْرَأُ كُلٌّ مِنَّا الآخَرِينَ كَأَنَّهُ يَسْمَعُهُمْ”، وفيه شرح الكاتب معنى كل علامة من علامات الترقيم مع وضع أمثلة توضيحية بسيطة تعين على فهم الشرح وتثبيته في ذهن القارئ.
وقد اعتمد الكاتب في إثبات الصواب وتخطئة الخطأ خلال رحلته مع الأخطاء الشائعة، على المعاجم اللغوية القديمة مثل “العين” و”لسان العرب” و”تاج العروس”، والحديثة مثل “المعجم الوسيط” و”المعجم الوجيز”، وعلى ما ورثناه من نصوص عربية أصيلة جاء في مقدمتها القرآن الكريمة وأشعار العرب. كما أجرى في بعض الأقسام مناقشات لغوية في الموادِّ التي قد يردُّ فيها البعض بآراء مخالفة، فعرض كلا الرأيين وفنّدهما للوصول إلى الصواب اللغوي. وقد حرص الكاتب على الضبط بالشكل الذي كاد يكون تامًّا، لينأى به عن اللَّبس أو الغموض.
________
العنوان: الأخطاء اللغوية الشائعة في الأوساط الثقافية
المؤلف: محمود عبد الرازق جمعة
الموضوع: دراسات لغوية
عدد الصفحات: 328
الناشر: شرقيات للنشر والتوزيع ط1
المجلس الأعلى للثقافة ط2
مكتبة الأسرة ط3

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *