أبوظبي – كتاب “أوهام الربيع العربي وكوارثه التي لا تحصى”، عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تنظر إلى مسار الأحداث، أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، من زوايا متعددة، قد يكون الاهتمام فيها بالجانب السياسي وموقع دول الخليج من التطورات هو الغالب.
ويقدم الكتاب سالم حميد مدير عام مركز المزماة للدارسات، بعقلانية الباحث حيث يشير الى أن هناك مسافة زمنية، تكفي لتأمل ما جرى للتمعن في النتائج والحصاد، ذلك أن معظم الكتابات والدراسات التي تزامنت مع أحداث الربيع العربي، أو اهتمت بها في بداياتها، اتسمت بالانفعالية واللغة التبشيرية والعواطف والأمنيات.
ويقول سالم حميد إنه في الكثير من المواقف والمحطات التاريخية، تخفق الكتابات ومحاولات الرصد والتوثيق والتقييم، عندما تكون مواكبة لها بانفعال وانحياز واستباقية في الرؤى، ولا تمنح ما يحصل فرصة للإفصاح عن خلفياته ونتائجه، لذلك ينتظر المؤرخون الجادون مرور فترة من الزمن على الأحداث، لكي يتأملوها ويسردوا وقائعها بدقة، ومن دون مغالطات أو انحيازات أو ارتهان للضجيج والدعايات.
تجربة الإمارات
يتناول الكتاب عبر سبع محاولات يطوف خلالها القارئ ليلامس ما لم تهتم به التغطيات الإعلامية والكتابات التي انشغلت بمواكبة أحداث الربيع العربي، دون أن تسلط الضوء بشكل كاف على خلفياتها وتشعباتها. وتهتم الدراسات بالمواضيع المتعلقة بالمحور التالي: الثورات العربية وضرورات التنمية: دراسة مقارنة في النموذج التنموي الإماراتي.
حيث يتضمن هذا المحـور قراءة في تجربة دولة الإمارات، باعتبارها أحد أبرز النماذج التنموية في العالم الثالث، واعتمادها على منهج “التنمية تابع مستقل، والديمقراطية تابع متغير”، وتخلص الدراسة إلى أن الإمارات منطلقة في مسار تحديث سياسي رديف للتحديث التنموي والاقتصادي الذي له الأولوية، وتعتبر أن التجربة الاستثنائية الإماراتية تتسع، لتكون دليل عمل للدول العربية، وخاصة تلك الأقطار التي تشهد مخاض انتقال سياسي.
والمحور الثاني عن الخيارات الآمنة للموقف الإماراتي تجاه الثورات العربية. حيث تنوه هذه الدراسة إلى الموقف الثابت للإمارات من مسألة تصدر الحركات الجهادية لواجهة المشهد السياسي في البلدان التي شهدت موجات العنف وطموح التغيير. وخطورة إفساح المجال للتفاهمات والصفقات الإقليمية، التي وضعت المنطقة العربية أمام نمط من التطييف الإقليمي، الذي لا يهدد الأمن القومي العربي فحسب، بقدر ما أصبح تهديدا خاصا وفعليا لأمن الخليج العربي ومكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يليه محور تداعيات الثورة المصرية واستحالة الأخونة في دول الخليج، “الإمارات العربية المتحدة نموذجا” حيث تتأمل هذه الدراسة في تداعيات الثورة المصرية واستحالة الأخونة في دول الخليج، بالتركيز على دولة الإمارات العربية المتحدة، كأنموذج لرفض الأخونة، وعدم قابلية تربتها ومناخاتها الاقتصادية والاجتماعية والشعبية لأيديولوجيا الإخوان القائمة على الإقصاء، والمتناقضة مع سير الإمارات في درب النهضة والانفتاح على كافة المجالات.
المحور الرابع هو عن الأدوار السياسية والدبلوماسية الخليجية تجاه ثورات الربيع العربي. حيث تعتبر كاتبة الدراسة أن موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه ثورات الربيع العربي، ظل يحتكم إلى هاجس ضمان أمن واستقرار المنطقة العربية، ومنع انزلاقها إلى حروب بينية أو داخلية، تؤدي في النهاية إلى تفكيكها، وتوسيع عمليات الاحتيال والتدخل الخارجي الدولي والإقليمي، وهو ما ينهي تماما مفهوم وحالة الأمن القومي العربي. وتخلص إلى أن الأدوار التي قامت بها دول الخليج حيال الثورات العربية بمجملها كانت أدوارا سياسية، اتسمت بالنزوع إلى الدبلوماسية الهادئة والتدرج في اتخاذ المواقف.
ثم ننتقل إلى محور الاحتجاجات البحرينية: أبعادها، وآليات التعاطي معها، وترصد هذه الدراسة مجمل ما شهدته مملكة البحرين من تحديث سياسي وإصلاحات، من خلال كم النشاط السياسي المعارض، المؤدلج مذهبيا، ورغم ذلك المتاح قانونيا فيها.
غير أن الفعل الاحتجاجي الذي قامت به المعارضة استند إلى أجندة تم إعدادها من قبل الحرس الثوري الإيراني، في سبيل توسيع المشروع الإيراني خليجيا، بعد تدخلاته السلبية في دول المشرق العربي وأدّى التفاعل الأمني الخليجي المباشر والسريع مع تلك الاحتجاجات، إلى حماية منشآت الدولة وكيانها، وصدّ الامتداد الإيراني إلى العمق الخليجي.
الجهود الخليجية
هناك محور يتناول الجهود الخليجية ودورها في مواجهات التحديات في اليمن منذ عام 2011. وقد تم إنجاز هذه الدراسة قبل تشكّل التحالف الخليجي العربي العسكري، الذي قرر التدخل في اليمن عسكريا بعد انقلاب جماعة الحوثيين الموالية لإيران على الرئيس اليمني الشرعي، وبعد تنصل الحوثيين بالتحالف مع الرئيس السابق عن تنفيذ المبادرة الخليجية، التي اقترحت خطوات رشيدة لنقل اليمن من مرحلة الفوضى إلى الاستقرار، وتجنب الانهيار الشامل للدولة والوقوع في مطبّ الحرب الأهلية. وأخيرا محور عن تأثير النظام الدولي في المسار الثوري العربي، والأثر الارتدادي للثورات.
حيث يتناول الكاتب تأثير النظام الدولي في المسار الثوري العربي، والأثر الارتدادي للثورات، من خلال بحث وتأمل أثر النظام الدولي في المسار الثوري العربي من جهة، وأثر الثورات العربية في النظام الدولي من جهة أخرى. ويخلص في دراسته المكثفة إلى القول بحتميّة التأثير الذي تمارسه بنية العلاقات الدولية وطبيعة النظام الدولي في الأنظمة الإقليمية المتفرعة عنه، وسلوك الدول منفردة، بعيدا عن منطق المؤامرة الذي يحلو للبعض الاستناد إليه، بل من خلال منطق المصالح القائمة في العلاقات الدولية.
______
*العرب