حمور زيادة: نحنُ في زمن لا أحد يعترف فيه أنه مذنب


*وئام يوسف

«الخرطوم، حيث نقصد، أوروبا صغيرة» هكذا اختصر الأب بولس السودان ليطمئن «ثيودورا» التي أبحرت برفقته إليها لتكون إلى جانب سكانها – خراف الرب السوداء الضالة ـ كما تقول في رواية «شوق الدرويش» للكاتب السوداني حمور زيادة، التي وصلت القائمة القصيرة لجائزة بوكر، بعد نيلها جائزة نجيب محفوط لعام 2014.

يسرد زيادة في رواية «شوق الدرويش» حكايا الشعب السوداني في ظل الثورة المهدية التي أشعل شرارتها «محمد أحمد المهدي» 1885، ضد الاحتلال المصري الإنكليزي للسودان، عبر قصة «بخيت منديل» العبد الأسود الذي يعاني العبودية والظلم والحرمان حتى من حبيبته المنحوتة من مرمر «ثيودورا».

ومما ورد حول الرواية في تقرير منح الجائزة «الرواية تصور الدمار الذي سببته الثورة المهدية، على نحو مبهر من السرد والشعر والحوار والمونولوج والرسائل والأغاني والحكايات الشعبية والوثائق التاريخية، وحتى الترانيم الصوفية والابتهالات الكنسية وآيات القرآن والتوراة والإنجيل».

شوق الدرويش هي الإصدار الرابع لحمور زيادة بعد سيرة أم درمان، مجموعة قصصية 2008، دار الأحمدي، «الكونج» رواية صادرة عن دار ميريت 2010، «النوم عند قدمي الجبل» مجموعة قصصية، دار ميريت 2014.

قبل ذلك، كان زيادة صوتا صحافياً حراً وجريئاً، يصدح في سماء الصحافة السودانية بحكايا الإنسان المكسور وأحلامه المهزومة، التي عبر عنها في جرائد عدة، الأمر الذي عرّضه لمضايقاتٍ دفعته لمغادرة البلاد التي لم تعد آمنة له.

بعد ذلك توجّه إلى مصر (عام 2009)، ليستقر فيها بصحبة أمه، ويصبح أهم الشخصيات السودانية الحاضرة بقوة في المشهد الثقافي المصري، بينما لا يزال حتى اللحظة مثقلا بالحنين إلى بلاده وحكايا جدته وأمه عن رمالها وغاباتها ونيلها الوحشي. 


* حازت روايتك «شوق الدرويش» جائزة نجيب محفوط لعام 2014، أضف إلى ذلك أنها وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر، ماذا تعني لك الجوائز الأدبية وما الذي تغيره في حياة الكاتب؟

ـ الجوائز بلا شك نوع من الاعتراف والتقييم المرضي للعمل، والحصول عليها أمر جيد بالتأكيد، لكن عدم الحصول عليها لا يعني رداءة العمل أو ضعف الكاتب، هي مسألة حظوظ للعمل، وتخضع لذائقة لجان التحكيم.

نحن بلا شك في زمن الجوائز والميديا، الجوائز توفر اهتماماً بالأعمال الفائزة، وتفتح أمامها فرصاً للانتشار وتزيد من مساحة القراء.. لا يمكنني اعتبار هذا أمراً سيئاً أو رائعاً، فهذا حال زماننا، وكيفية الاستثمار في الثقافة والأدب. فقد صارا صناعة، وهناك مطابع ودور توزيع وبرامج تعتمد كلها على هذا الأمر.

بعد حصولك على جائزة كبيرة تتغير أمور كثيرة، هناك من يصبح أكثر ثقة، ويعتبر أنه حاز على شهادة جودة وضمان لمشروعه الأدبي، وهناك من يقلق أن أعماله القادمة ستحاسب حساباً عسيراً لسابق حصوله على جائزة.. أعتقد أني من الفئة الثانية، وإنْ كنتُ لم أختبر ذلك بدقة بعد، فعملي الجديد ما زال في طور الكتابة الأولية، وفي هذه المرحلة يشغلني أن أرضى عنه وأحسِنَ حبْك حكايته أكثر من أي شيء آخر.

* هل يمكن القول إن «شوق الدرويش» أعادت الرواية السودانية إلى المشهد الأدبي العربي؟ وكيف ترى ملامحَ الأدب السوداني الآن؟ طبعاً من دون أن ننسى رواية «صائد اليرقات» لأمير تاج السر التي وصلت بدورها إلى لائحة البوكر العام 2011.

ـ الرواية السودانية موجودة في المشهد الأدبي العربي، لقد ذكرتِ د. أمير تاج السر مثالاً، ليس بروايته صائد اليرقات فحسب، بل بمجمل إنتاجه المعروف والمقروء على مستوى واسع.. يمكننا القول إن «شوق الدرويش»، إضافة للوجود السوداني.
وأتمنى ألا تكون الإضافة الأخيرة، وأن تشهد الأعوام المقبلة أسماء أخرى من السودان تنافس على الجوائز وعلى عرش الأعلى مبيعاً وتتربع على قمة اهتمام القراء وتثير الجدل.

الكونج

*«الكونج» روايتك الأولى (دار ميريت-2010 ) تحــــكي العـــــشق والدم وأساطير الموتى من خلال مقتل امـــــرأة على ضفاف النــــيل، قال الروائي ابراهيم عبد المجيد «لدى حمور قدرة كبيرة على التصوير البصري خاصة عندما يتحـــدث عن قرية تمتلئ بالأساطير، وهذا قريب جداً من أدب أمــــيركا اللاتينية في عالم الأساطير»، لمَ لم تلقَ الصدى الذي حظيت به «شوق الدرويش»؟

ـ الرواية الأولى عادة لكاتب غير معروف لا تحقق صدى جماهيرياً، «الكونج» قدمتني لمجتمع الكتّاب والناشرين في القاهرة، خلال أشهر قليلة قبل ثورة يناير، وفي هذه الظروف أعتبر أنها نجحت.

لكن حتى لو عزلنا هذا الظرف التبريري، فربما لم تكن الرواية بجودة «شوق الدرويش»، وهذا أمر طبيعي، في الرواية الأولى، غالباً ما يمسك الكاتب يده في البدايات، ويحتاج لتمارين إضافية للكتابة، عموماً «الكونج» ستتوفر قريباً بطبعة ثانية وسنرى حظها هذه المرة.

* تروي «شوق الدرويش» فترة الثورة المهدية التي قامت بزعامة محمد أحمد المهدي ضد الاحتلال المصري الإنكليزي للسودان، من خلال علاقة حب العبد «بخيت منديل» و»ثيودورا» ذات الأصل اليوناني، لم جعلت الحبّ المحرك الأساسي للرواية؟

ـ أليس الحب من أجل محركات كل الأمور في حياتنا؟ أعتبره دافعاً نبيلاً وقوياً خلف أشياء كثيرة في الحياة.. في عالمٍ شديد القبح كالذي نعيش فيه، ماذا لدينا أجمل من بعض الحب نتمسك به؟

يعاني بخيت العبودية والظلم والحرمان من الحرية والمحبوبة، إلى أي مدى يمكن أن يعكس بخيت الإنسان العربي في واقع المتغيرات الذي نعيش؟

ربما كان هو الإنسان العربي/ الأفريقي ذاته.. ذلك الأسير في أوطانه، ويعاني ويلات الفقر، والفساد، وجور الحكم، وهزيمة الأحلام.

من العسير في عالمنا هذا أن تكتبي عملاً أدبياً ولا يبرز فيه الإنسان المقهور. لقد ارتبط القهر بنا حتى بتُّ أظنه قدرنا الذي لا فكاك منه.

رواية تاريخية

* العلاقة بين الأدب والتاريخ جدلية وأزلية، كيف وظفتَ هذه الجدلية في روايتك التي تتكئ على التاريخ في الجانب السردي منها؟

ـ حاولت ألا أكتب رواية تاريخية، بمعناها الكلاسيكي، حيث لم أكتب تاريخ المهدية، ولا تتبعت قادتها ورموزها، إنما حكيت عن شخصيات من غمار الناس عاشوا في ذلك الزمن، وهذا منحني حرية أكبر في التعامل مع الأحداث.

هذه الزاوية تعفيك تماماً من جدليات التاريخ وتفاصيله.. هل حدث كذا أم لم يحدث؟ فحين تتناول انعكاس الأحداث الكبرى على البشر يمكنك أن تتحرك كما تشاء.
لقد وقعت مجاعة في السودان عام 1306 هـ، هل كانت قدراً إلهياً أم هي نتيجة لأخطاء الخليفة التعايشي في الحكم وتهجيره القبائل إلى أم درمان؟ هذا خلاف تاريخي، ليس دور الرواية أن تحسمه.. لكن الرواية تعرض أثر المجاعة على أهل البلاد.

* كان هناك سجناء كثر في سجن الساير، هل هم جواسيس حقاً، أم هم ضحايا لظلم المهدية؟ 

– ليس دور الرواية أن تجيب على هذا، إنما تعرض أثر السجن عليهم ورأي كل واحد فيهم عن نفسه وقناعته أنه مظلوم.. لاحظي أنه في زماننا حتى المجرم المعترف بجريمته يتهم الشيطان! لا أحد يعترف أنه مذنب وكفى.

لهذا كان خيار البعد عن محاكمة التاريخ وأسباب ما حدث خياراً أفضل لي، ومِلتُ لحكاية أثر ما حدث على الشخوص.

* نحنُ في فترة متغيرات ومنعطفات والأحداث متلاحقة ومعقدة، هل تعيش الكتابة العربية لحظة فارقة في ظل هذا التعقيد؟

ـ الأدب ابن بيئته، وأظننا نعيش فترة مضطربة جداً، لهذا سيظهر الاضطراب في الكتابة، وفي أمزجة القراء. في الغالب سيميل القراء ـ ومن قبلهم أو بعدهم الكتّاب ـ للهرب من هذا الاضطراب إلى أنواع أكثر هدوءاً من الأدب.. ربما الأدب الرومانسي، أو أدب المغامرة، أو أي نوع يحملهم بعيداً عن هذه اللحظة الموحشة.

* غادرت السودان عام 2009، لم كانت وجهتك القاهرة، وماذا تعني لك السودان الآن؟

ـ القاهرة هي الأقرب لي وجدانياً، أعرفها جيداً، وما كنت لأحس فيها وحشة الغربة كغيرها، كما أنها حاضرة ثقافية مهمة لأهل الهامش الثقافي من أمثالي. ويظل السودان بداخلي، يشدني إليه الحنين.
_______
السفير

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *