شارع نزار قبّاني


*ناصر الريماوي

( ثقافات )

أسوار غرناطة، تطوّق ساحة القصر، كل بني الأحمر توافدوا إلى هناك حيث الشاعر الأمير، تطوعت عيوننا قسراً على اختلاس النظر أنا وانتِ، حين عبر الشاعر منشداً، فهل تذكرين؟ 
كان سحر المكان يفصح عن نفسه، يصدح من تلقاء ذات الشاعر المفتون فوق خرائب الزمن المنسي، لكنني لم أعد أذكر، أكان هذا بحضور فتاتهِ، تلك الإسبانية التي “صحت قرون سبعة من خلال عينيها… بعد رقاد”؟ تخونني الذاكرة رغم حصص التاريخ المدرسي، فعذرا…
كل بني الأحمر كانوا هناك، أذكر هذا جيدا…، أنتِ وانا فقط كنا نتلمس الطريق نحو بوابة القصر، ألا تذكري كم نعي قرأنا على بوابة التاريخ الأخيرة، قبل عبورنا؟
*( لم يبق من اسبانية … منّا ومن عصورها الثمانية، غير الذي يبقى من الخمر بجوف الآنية)
الحرس لم يفسحوا لنا الطريق…! فتدثرتِ انتِ بثوب ” ولادة” وتعلقت أنا برداء ” ابن زيدون” وقفزنا فوق نوبة الحراسة، ولما لم يستوقفنا أحد غير ” نزار”، أخرجنا من جيوبنا بقايا حضارة، ومن حقيبتكِ النسائية، رتوشاً قديمة وسجلَّ جروح لم تندمل، ألقينا كل ما لدينا فوق طاولة الحضور…، ولم نبقِ لنا شيئاً لنعود به نحو قرننا العشرين، غير تلك السهرة المزمنة في ساحة القصر القديم، وعبير ورد، ونارنج حملناه كهدايا لمن عاد من كل الحروب منتصراً بوهم الحضارة… !
سكتت آلة التسجيل في السيارة، فصمت “نزار”، وترجلنا بانتظارعودة الروح بين أعمدة المكان…، انتظرنا ولم تدنُ منّا قصيدة، مشينا بضع خطوات وسط السكون، لقد كنّا وحدنا وبضع شواهد رممتها ريشة حديثة لفنان لم يعد يزاول المهنة، وساحة فارغة لقصر “الحمراء”، إلا من بعض النقوش القديمة…، طوقتُ كتفيكِ حين مسحتِ عبرةً وحيدة تسللت أمام اليافطة الرمادية…” شارع نزار قباني”. 
ثم عبرنا وحيدين، لنغيب في عتمة الشارع الدمشقي الطويل… حتى هذه اللحظة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
المقطع الشعري للشاعر نزار قباني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *