“فايسبوكيات امرأة” للجزائرية زليخة زيتوني تأريخ على الورق لتجربة الانتماء الافتراضي


*أماني نور الدين

( ثقافات )

يقف العرب اليوم على أعتاب التأريخ المعلوماتي وهم لم يتحرّروا بعد من قيود وتكاليف “المجتمع الورقي”، ولا يمتلكون الأدوات العلمية والفنية التي تضمن لهم الحصانة الروحية والفكرية والذوقية ليكونوا فاعلين ومنتجين في “المجتمع المعلوماتي” وليس مجرّد مستهلكين ومفعول بهم في منظومة كونية تسعى لخلق “المواطن العالمي” المُستلب من قيم الانتماء الجغرافي والتاريخي والديني..
الكاتبة الجزائرية زليخة زيتوني غامرت بإضاءة هذه الزاوية المُظلمة التي يُدركها الكثيرون ولكنهم لا يغامرون بالخوض فيها ولا في استشراف “المآسي المستقبلية” التي تنتظر أجيالنا في علاقتهم بدينهم ولغتهم وقيمهم الاجتماعية. وكتاب “فايسبوكيات امرأة.. خواطر الروح والقلب والعقل” للكتابة وسيّدة الأعمال الجزائرية زليخة زيتوني هو صرخة متقدّمة للوعي في عين العاصفة المُرتقبة والتي قد تعصف بمعنى “عربي” و”مسلم” في قاموس الوجود الإنساني ذاته.

الكتاب هو مجموعة مقالات نشرتها الكاتبة على حائطها الفايسبوكي وعبر العديد من الدوريات العربية، وحاولت أن تشاكس بكتاباتها الحضور العربي على شبكات التواصل الاجتماعي و”تقيس” استعداد الإنسان العربي لدخول التأريخ المعلوماتي ومستوى الوعي لديه من خلال الحوار التفاعلي والتعليقات والاهتمامات التي يركّز عليها المُبحرون العرب في شبكات التواصل الاجتماعي.

توزّعت مقالات الكتاب على ثلاثة محاور أساسية، وهي محور الروح الذي اشتغل على أسئلة جريئة تتعلّق بموقع المُسلم من الإسلام ومدى تجلّي الإسلام في الممارسات الحياتية للمسلم، وأيضا “ضياع” المُسلم بين ما يؤمن به وما تفرضه عليه القوانين وما تُلزمه الحياة العصرية أن يتّبعه ولكنه يتعارض مع جوهر دينه.
وأمّا المحور الثاني فقد اشتغل على القلب وجاءت مقالاته مُلغّمة بأسئلة حول انقلاب المفاهيم الإنسانية في الحياة اليومية للإنسان العربي. والمحور الثالث اشتغل على العقل وركّزت مقالاته على التواصل الاجتماعي وتأثيره على العادات والتقاليد الاجتماعية وعلى البناء النفسي للإنسان وعلى تشكيل التوجه الفكري و”صناعة” الرأي العام.. كما ركّزت على أشكال الاستعمار الجديد الذي يسعى إلى “خلق” الإنسان المسخ القابل للبرمجة وتغريبه عن لغته ودينه ومجتمعه وحتى عن أسرته.
وقد اختارت الكاتبة الجزائرية زليخة زيتوني أن يكون تقديمها لكتابها بطريقة تحرّض القارىء أن يستوقف زمن حضوره على شبكات التواصل الاجتماعي ليتحسّس درجة حرارة عاطفته مع أهله وحيّه ومجتمعه.. تقول الكاتبة:” ربما أن تأريخا عالميا جديدا ابتدأ من الفايسبوك، وربما أن المُواطن العالمي قد بدأ كونُه الإنساني يتشكّل وفق منظومات أخلاقية وفكرية ووجدانية جديدة ستجعل من هذا المُواطن “كائنا إنسانيا” متصادما مع هويّته الجغرافية والتاريخية وقيمه الدينية والاجتماعية وموروثه الحضاري. والدخول في التأريخ العالمي الجديد ليس خيارا يُمكن رفضه، بل هو إلزام تفرضه ضرورة العصر وطبيعة الحياة الراهنة.. والمُواطن العالمي قد لا يكون هو ذلك الإنسان الذي يبلغ أعلى مستويات التحرّر الفكري والوجداني والمعرفي، فربما يكون الإنسان العالمي هو “كائن بشري مُبرمج” قابل للفرمطة وإعادة البرمجة، بمعنى أن المُواطن العالمي قد يكون “مسخا إنسانيا” فاقدا لمعنى الانتماء حتى إلى أسرته ومجتمعه ووطنه”.

تقديم الكتاب ليس مفتاحا للدخول إلى عوالم الكاتبة ولكنه المفتاح الذي يلهم القارىء أن يغامر صوب أعماقه، ليس من أجل إعادة تأثيث دخيلته بما تستدعيه موضة المجتمع المعلوماتي، ولكن بما قدّمته تكنولوجيا الاتصال والتواصل من إمكانيات وما فتحته من آفاق قد تجعل مُستعمل شبكات التواصل الاجتماعي جانيا وضحية في الوقت نفسه، تقول الكاتبة:” قبل انتسابي إلى الفايسبوك، كنتُ امرأة أخرى محكومة بالجغرافية التي أتحرّك عليها وأمسح ملامحها وتضاريسها بعينيّ ويمكنني أن ألامسها بأطراف أصابعي، وكنتُ محكومة أيضا بزمن واحد هو الزمن الفيزيائي الذي يحياه نبض قلبي وانتباه فكري في تفاصيل حياتي اليومية..

وأمّا الآن، فأنا امرأة “عالمية” وأنتمي إلى كل جغرافيات الإنسان، ولا سلطة للزمن وفارق التوقيت في الساعات على علاقتي بالحياة.. أنا الآن امرأة مُتحرّرة من “ديكتاتورية” المُرسل الذي حكم سنوات على كينونتي الإنسانية فكنتُ مجرّد متلقية لما ينشره أو يبثّه، أنا الآن امرأة أنشر وأبثّ وأعلّق وأحاور.. وفي وسعي أن أساهم في صناعة الأخبار والأحداث و”التسويق” للأفكار والآراء والصور التي أريدها، وأيضا في وسعي أن أرفض ما لا أقبله ولا يلقى هوى في نفسي أو في فكري ووجداني.

ربما كنتُ ضحية لديكتاتورية المُرسل، ولكن يجب أن أعترف الآن بأن الفايسبوك حرّرني، وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وهبتني الأدوات لأكون الضحية والجانية في الوقت نفسه إن شئت.. نعم، أكون ضحية إذا تخليّتُ عن بوصلتي الروحية وأبحرتُ في الأزرق الفايسبوكي مُستسلمة لأمواجه، وأكون جانية إذا انجرفت خلف الأفكار الملغومة والدعوات “الحضارية” التي تحمل في ثناياها عناصر الهدم، ثم أسهمتُ في تسويقها والترويج لها على حائطي الفايسبوكي”.
كتاب “فايسبوكيات امرأة.. خواطر الروح والقلب والعقل” للكاتبة وسيدة الأعمال الجزائرية المقيمة في بلجيكا زليخة زيتوني هو توثيق لانثيال روحي وفكري لامرأة تحمل رسالة إنسانية ومسكونة بأوجاع عالمها العربي في المجالات التي لم يعد يستوقفها الفكر وتتعلّق باستثمار أزمنة الإبحار الافتراضي في ترقية الواقع الحياتي أدبيا وفكريا وروحيا دون الوقوع في “فخ” أن يكون المُبحر ضحية أو جانيا، وقد أوضحت الكاتبة رؤيتها:” إن فوائد الفايسبوك أو أخطاره مرهونة بالعلاقة مع هذا الفضاء الأزرق ومُرتبطة بالغاية من الإبحار فيه وبالأهداف من الانتساب إليه. ومُهمٌّ جدا التساؤل: ما الذي يُمكن أن نكتسبه من الفايسبوك وما الذي يُمكن أن نخسره في البناء النفسي وفي اللغة وفي الدين وفي الفكر وفي المعرفة؟

تجربتي الشخصية القصيرة مع الفايسبوك كشفت لي أن هناك من صدّر على حائطه أزماته وعقده النفسية، وهناك من فجّر مكبوتاته تحت أسماء مستعارة، وهناك من يمارس “الإجرام العاطفي”، وهناك من أعطى لنفسه الحقّ ليكون قاضيا ومحاميا وناقدا وخبيرا اقتصاديا ونفسانيا وسياسيا وغيرها من “الوظائف” التي تتطلّب سنوات طويلة في طلب العلم والممارسة، ولكنها صارت اليوم ميسورة لكل إنسان مهما كان مستواه العلمي والفكري. وفي اعتقادي أننا حتى الآن لمّا نزل بعيدين عن استثمار الفايسبوك لتحقيق أهداف إنسانية سامية، ولّما نصل بعد لنُدرك بأن الانتساب إلى الفايسبوك والنشر والتفاعل على حيطانه هو مسؤولية كبرى تؤثّر في بناء الإنسان والأسرة والمُجتمع. وبالطبع، هناك من استطاع تحقيق أهداف راقية فاستثمر الفايسبوك ليكون رافدا إعلاميا للصحفي المواطن، أو رافدا للتوعية الصحية والبيئية والتربوية، أو رافدا معرفيا وعلميا وأدبيا، أو فضاء لتفجير القدرات الإبداعية بالحرف وباللون وبالصّوت”.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *