*مهند النابلسي
( ثقافات )
تتمحور قصة هذا الفيلم وأحداثه حول الحواس الخمس: النظر، والسمع، والحسّ، واللمس والتذوق…حيث يروي الشريط قصة خمس شخصيات: روث وراشيل ورونا وروبير وريشار، رجال ونساء يعيشون بمبنى واحد ويعاني كل منهم أزمة عاطفية ونفسية، ويفتقدون للتواصل فهم لا يعرفون بعضهم.
وتبدأ القصة الشيقة عندما تفقد راشيل الطفلة الصغيرة التي كلفت بمراقبتها في احدى الحدائق العامة، حيث تبدأ عندها عملية البحث عن الطفلة بلا طائل! …وخلال ثلاثة أيام متوالية ، تنفجر الأزمات النفسية التي تستوطن الشخصيات الخمس المتجاورة ، وتنطلق رحلة استكشاف ذواتهم والآخرين عبر حواسهم الخمس وضمن تداعيات مترابطة تقودهم لحل الألغاز والإشكالات الوجودية وتنتهي باكتشاف لغز الطفلة المفقودة.
تتمحور فكرة الفيلم الذكية بربط إحدى الحواس بكل من شخصيات الفيلم الرئيسة الخمس….ضمن مصفوفة ذكية متماثلة “أفقية وعمودية” تعنى باستخدام كل حاسة لإخراج الشخصيات من مأزقها العاطفي- النفسي والبحث عن هوية ذاتية جديدة.
لقد نجح المخرج الكندي “جيريمي بوديسفا” بجعل المشاهد يشعر بقلق الأبطال وهواجسهم والتيه الوجودي لمصائرهم، واستخدم لتحقيق ذلك التصوير البطيء المعبر والموسيقى الحالمة الهادئة،مما أضفى على الفيلم أجواء شاعرية ممتعة ومريحة.
يكمن ذكاء السيناريو بحسن اختياره للشخصيات والحواس المطابقة…كأهمية حاسة اللمس لامرأة تعمل بالتدليك، وأهمية حاسة الشم لشخص يعمل بالتنظيف أو بشم العطور، وأهمية حاسة التذوق لامرأة تعمل بإعداد الكيك، وأهمية حاسة السمع لطبيب العيون العجوز “المنفصل عن زوجته” الذي يعشق الغناء الأوبرالي “الغامض” الآتي من الشقة المجاورة، والذي يسعى جاهدا لتسجيل الذكريات قبل أن يفقد سمعه.
نلاحظ سخرية لاذعة بمشاهد الفيلم ناتجة عن ضعف الحواس تتمثل بصنع كيك رديء وبفقدان حاسة السمع لطبيب عيون متخصص، كما نلاحظ البحث عن “رائحة الحب” لإيجاد الشريك الملائم، وحيث الزوجة المتخصصة بشم روائح العطور والتي تعاني من ضعف حاسة الشم تدريجيا، ثم كيف يتم استبدال ضعف التواصل اللغوي (لضعف الانجليزية والايطالية) بواسطة استخدام لغة “الجنس” كبديل للتواصل الإنساني العالمي!.
كما نلاحظ أن “روبرتو” العاشق لا يكتفي بذلك بل يبحث عن التواصل بواسطة “الشغف والطعام”…كما نلاحظ معاناة محترفة التدليك روث سيراف مع ابنتها المراهقة واضطراب علاقتها مع هذه المتمردة المشاغبة، والغريب أننا لا نلاحظ استعراضا حقيقيا لحاسة النظر الهامة إلا بقصة ملاقاة راشيل للمتلصلص روبير (روبرتو) الذي علمها لاحقا متعة مراقبة الآخرين (التي تسمى البحلقة بثقافتنا العربية الشعبية)، وربما قصد المخرج ذلك باعتبار أن هذه الحاسة ” فائقة الأهمية” هي التي قادت مجازا لاكتشاف الطفلة الصغيرة الضائعة “ايمي لي” بنهاية الشريط.
كوميديا- رومانسية تتناول العلاقات البشرية بشكل سطحي
أبدع الممثلون بتقديم أدوارهم بتكامل وانسجام ودون أن يحاول أحدهم الاستثئار باللقطات وسرقة “الكاميرا”، وقدم المخرج كوميديا طريفة ورومانسية بفكرة خلاقة، عاجزا عن التعمق فيها بشكل فلسفي مجازي، حيث بقي تناوله سطحيا! كما بالغ المخرج بإظهار اللقطات العارية التي لا تخدم السيناريو و”جمل” بقصد الشذوذ الجنسي المزدوج وكأنه يوجه رسالة لتأكيد دور هذه الشخصيات المنحرفة بالمجتمع !، وللأسف فقد لاحظت انبهار بعض المخرجين العرب بهذا النمط “السافر” من الأفلام وبعضهم يحاول تقليده وكانه يحاول أن يقنعنا بتحرره الزائد وانفلاته من القيود الاجتماعية وربما الأخلاقية.
أكد الفيلم على أهمية تكامل الحواس البشرية وتداخل العلاقات والبحث عن الذات والانسجام لبشر متجاورين “باردين” لا يعرفون بعضهم البعض، كما على الحس العاطفي والتواصل الإنساني، ولكنه عجز عن التعمق بفلسفة هذه الثيمة الإنسانية “بالغة الأهمية” واكتفى بمعالجة درامية سطحية ممتعة لا تنطبع بالذاكرة.
______
*ناقد فني من الأردن.
*ناقد فني من الأردن.