*سامي الريامي
إحدى أشهر الناشطات الكويتيات في مواقع التواصل الاجتماعي، فتاة تبلغ من العمر 24 عاماً، قالت وبكل صراحة: «لا توجد قدوة حقيقية للجيل القادم في مواقع التواصل الاجتماعي، أنا مثلاً لديّ عدد من المتابعين قريب من المليون، لكني لا يمكن أن أكون قدوة، فأنا تعلمت من والدي حب القراءة، وتعلمت وتثقفت وقرأت لكتّاب كبار، ولذا أشعر اليوم بغصةٍ وأنا أرى الشباب والجيل المقبل ترك القراءة، وترك الكتاب، وترك كبار الكتّاب، ويركض لاهثاً وراء نماذج هي في الغالب سطحية، ولا يمكن أن تشكل له قدوة!».
كلام منطقي جميل، وغيره كثير قاله نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي في جلسة ثرية ومميزة، ضمن جلسات الملتقى الإعلامي العربي، الذي كان موفقاً للغاية في طرح موضوعات النقاش واختيار الشخصيات المتحدثة، وجاءت جلسة «المسؤولية الأخلاقية في التواصل الاجتماعي» لتطرح أسئلة وأجوبة، وتجارب مهمة جداً كان أبطالها هم شخصيات مشهورة جداً على مواقع التواصل، وهم اليوم يحذرون من سلبيات هذه المواقع على ثقافة وأخلاقيات الجيل المقبل!
دكتورة كويتية عرضت دراسة تحليلية قامت بها حول أكثر الحسابات حظوة بالمتابعين، فكانت النتيجة وجود ثلاث فئات هي أكثر استحواذاً على المتابعين، وبأرقام خيالية بالنسبة لهذه المواقع، واحتلت فئة المكياج وعرض المفاتن والأزياء المركز الأول، في الحصول على أكبر عدد من المتابعين، تلتها فئة معدّي الأكل والحلويات و«الطبابيخ»، ثم جاءت في المركز الثالث فئة أصحاب السلوكيات غير الأخلاقية، وأصحاب الكلمات والحركات البذيئة أو التافهة!
هؤلاء هم الأعلى متابعة من الجيل الجديد، وهؤلاء هم قدوة الجيل الجديد، لذا فلا غرابة أبداً أن يصبح لشاذ ــ من الفئة الثالثة في الدراسة السابقة ــ يملأ مواقع التواصل قذارةً ورخصاً، ربع مليون متابع، وهذا مؤشر خطير ومقلق، ويزيد خطورته ما ذهب إليه أحد المتحدثين، عندما قال إن تربية الأطفال كانت موزعة في عصر ما قبل التواصل الاجتماعي إلى 60% تربية منزلية، و40% تربية مدرسية، أما اليوم فإن تربية الجيل الحالي تعتمد بنسبة 30% على البيت، و20% على المدرسة و50% على وسائل التواصل الاجتماعي!
في الكويت والسعودية والإمارات بدرجة أقل، لكنها في الطريق، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسائل تواصل «تجاري»، كما اتفق المشاركون على تسميتها، لكنها، كما اتفقوا أيضاً، تُدار بطريقة خاطئة وتنفذ بطريقة خاطئة، وإضافة إلى ذلك فإن الثقافة في هذه الوسائل مشوهة، والفن والأخلاق كذلك غائبان إلى حد كبير، وهذا مصدر قلق إضافي، نظراً إلى اعتماد الجيل الحالي على هذه الوسائل فقط، دون غيرها، لكسب معلوماته وثقافته وأخلاقه، وإن كان الوضع العام في مواقع التواصل الاجتماعي، كما اتفق الجميع، ليس صحياً ولا واعداً ولا مثالياً للحصول على هذه المهارات الأساسية، فهذا يعني باختصار أن هناك كارثة مستقبلية تنتظر الجيل الجديد، الذي يستمد ثقافته ومعلوماته وأخلاقه من مصدر يفتقر أغلب الموجودين فيه أساساً، باستثناء فئات قليلة جداً، إلى أخلاق وثقافة ومعلومات!
الجلسة في نهايتها خلُصت إلى ضرورة دخول المثقفين والكُتاب والفنانين الراقين، وجميع فئات الجيل السابق، الذين مازالوا يحافظون على الأخلاق والسَنَع، ويعرفون الذوق والأدب والأخلاق، إلى هذه المواقع والانتشار فيها لإحداث نوع من التوازن، فالحل لن يأتي بزيادة السيطرة والتحكم والرقابة عليها، لأن ذلك أشبه بالمستحيل، إنما الحل يأتي في الاقتراب أكثر من الجيل الحالي والوصول إليه في كل الساحات التي يكثر وجوده فيها.
______
*الإمارات اليوم