كلايف جيمس: أنجزت الكثير منذ وفاتي


*إعداد – نهى حوّا

رغم التقارير التي تحدثت عن وفاته الوشيكة منذ سنتين، تمكن الشاعر البريطاني – الأسترالي الأصل، كلايف جيمس، من نشر مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية المهمة، بما في ذلك ديوان شعر بعنوان «محكوم عليَّ بالحياة» صدر عن دار «بيكادور»، والشاعر الذي بقي إنتاجه متنوعاً وخصباً منذ أن أُعلنت وفاته، يعلق على ذلك متهكماً:

«أنجزت الكثير منذ وفاتي»، ويعترف في مقابلة أجرتها معه صحيفة «أوبزرفر» البريطانية، بأنه بات أكثر إبداعاً في نظم الشعر منذ أن اقترب من الموت، ذلك أنه حسب قوله «الموت كما الحب يشكل مصدر الإلهام الشعري، ومنهما تأتي الشاعرية، ولهذا تكون قصائد الحب دوماً مشبعة بالحزن المقبل عليها».
ديوانه الشعري الأخير، الذي أهداه إلى زوجته بيور، عبارة عن قصائد وداع ملؤها الحزن والحكمة، والشاعر يشعر بالأسى على ضعفه وهشاشته، بعد أن تمكن منه المرض، واقترب من عامه الـ 76، وغدا «صدى الرجل الذي كنا نعرفه».

«حسناوات» و«مرحات»
كان جيمس في حالة صحية ضعيفة عام 2013، عندما أعلن أن نهايته وشيكة، فمنحته وسائل الإعلام طقس المشاركة في برامجها، في خطابات وداع وظهور كئيب على محطات التلفزة، وصفها الشاعر نفسه: «بأوراق نعي رائعة جداً». وجيمس الذي اعتقد أنه ميت لا محالة شارك في تلك المآتم، وشاهد «مراسم دفنه»، ولهذا يشعر بالإحراج قليلاً لأنه لم «يودع الحياة» بهذه السرعة.
وفي غضون ذلك صدرت له عدة أعمال مهمة، منها ترجمة لـملحمة دانتي «الكوميديا الإلهـــية»، وكتاب بعنوان «دفتر الشعر: 2006-2014» يحتوي على مقالاته النقدية.. ثم ديوانه الشعري. وعلى الطريق الآن، هناك المجلد الثاني من «النسيان الثقافي»، ومزيد من القصائد، وربما مجلد كتاب سيرة ذاتية أيضاً.
يقول كلايف جيمس عن أشعاره، إنه يقسمها في العادة إلى: «حسناوات» و«مرحات»، لكن في ديوانه «محكوم عليَّ بالحياة»، هناك فقط «اثنتان من المرحات» من أصل 37 قصيدة تظهره كـ«رجل حزين نادم»، وهو يقول عن الشخصية التي تسكن ديوانه الأخير، إنها تمثل ذاك الفتى نفسه الذي ألف كتابه «مذكرات غير موثوقة»، الفتى الحزين الخائف الذي يخفي مشاعره تحت غطاء من الثقة بالنفس، والذي ربما يكون سبب نجاحه.
والشاعر يدرس نفسه، أحياناً، من وجهة نظر ناقد أدبــي، حيث تبرز الأنا لديه بقوة.
«كنت أحمق»
وكلايف ليس شاعراً فحسب، بل يعد أيضاً ناقداً ومذيعاً ومترجماً، وكاتب سير ذاتية ومقدم برامج حوارية ووثائقية تلفزيونية. وكذا كاتب مقالات صحافية نقدية، وهو يرى نفسه مزيجاً من هذه الأعمال، ويشبه نفسه: بـ«المتجر الوحيد في ضواحي أستراليا، الذي يبيع قليلاً من كل شيء».
وهو لا يندم على السنوات التي قضاها يعمل ناقدا تلفزيونيا لصحيفة «أوبزرفر»، وينفي بقوة، ما يشاع عن أنه أضاع موهبته على برنامج «ذا تيوب». ويؤكد أن: «كل من يخشى من ما يعتقد أن التلفزيون يفعله في العالم، ربما يخاف من العالم». وهو يعتقد أن العمود الصحافي التلفزيوني الذي شكل مهنته، لم يكن يتعلق فقط بالتلفزيون، ذلك أنه حسب تعبيره استخدمه «لتحليل الثقافة البريطانية»، أو لطرحها أرضاً في عملية استنطاق عن كثب، حسبما يقول.
والشاعر كان بين جيل المثقفين الشباب الذين غادروا أستراليا وحققوا نجاحات ما وراء البحار في ستينيات القرن الماضي. وفي بريطانيا وجد صوتاً له، إذ أصبح أثناء عمله مع صحيفة «أوبزرفر»، كاتب العمود الصحافي الأكثر قراءة، مظهراً مزيجاً من الغنى الأدبي، ومظاهر الاستعراض والتباهي، والتعليقات الساخرة، والملاحظات الأسترالية المنافية للاحترام.
وكما العديد من الأستراليين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، جاء إلى بريطانيا للاقتراب من ثقافة كان مهووساً بها قليلاً، ويقول إنه التحق بالقطيع: «كنت أحمق، جئت إلى هنا لأن الجميع فعل ذلك، وكان الأمر بهذه الحماقة. وعندما وصلت إلى هنا نفدت مني الأموال، ولم أتمكن من العودة. واستغرق الأمر 16 عاماً لتجميع ما يكفي من المال للعودة إلى موطني. ودفعت صحيفة «أوبزرفر» ثمن تنقلي إلى هناك لإنجاز مهمة مطلوبة مني».
والشاعر يحن إلى بلاده أستراليا ويصفها بـ«أرض فتوتي، وأرض الشباب الدائم». ويقول، إنه يفكر فيها طوال الوقت، ويتابع أخبارها على الكمبيوتر الخاص به، بشكل مستمر، وهذا الاشتياق سيعبر عنه بوضوح في قصائد ديوانه الأخير.
لا يرى كلايف جيمس نفسه «ثائراً بالفطرة»، وبصفته غريباً عن بريطانيا، فإنه يشتاق أحياناً ليكون طرفاً فيما يجري. طرح في السبعينيات فكرة إحياء «نقد العالم اللندني الأدبي العصري»، وأصبح سيئ الصيت باستفزازه الثقافي بإشارات إلى الشاعرين: الروسي بوشكين والفرنسي مالارميه..
وإلى قصائد بلغة الماندارين، ومقتطفات للشاعرين الرومانيين أوفيد وكاتولوس. وهو لم يخسر هذه المهارة. وفي ديوانه «محكوم عليَّ بالحياة» قصيدة إجلال لـ«كومبنديوم كاتوليانوم»، تلك القصيدة اللاتينية التي ألهمت قصائده، وهو يقول: «تعلمت الكثير من الشعر اللاتيني هنا، وهذا هو الأمر الرائع بشأن مكان مثل كامبريدج، حيث عدد كبير جداً من العقول، كما لو أن المرء في لوس آلموس».
رغم موته البطيء «بوصة تلو الأخرى»، إلا أنه يعد نفسه محظوظاً في حياته، وهذا يشمل الأعوام الخمسة التي لم يتوقع أن يعيشها. وهو لا يتوقع أن تقرأ معظم كتاباته وتحقق الشهرة والخلود بعد وفاته، ربما قصيدة أو قصيدتان فقط، ذلك كحال «شجرة القيقب اليابانية» المشهورة بين الذين لديهم شجرة قيقب يابانية، حسب تعبيره.
بطاقة
كلايف جيمس. شاعر وناقد ومترجم وكاتب سير ذاتية. كما أنه مقدم برامج حوارية ووثائقية تلفزيونية وكاتب مقالات صحافية نقدية. ولد في سيدني بأستراليا عام 1939، وترعرع على يد والدته. انتقل إلى إنجلترا في عام 1961، مع مجموعة من المثقفين الأستراليين. وفي السبعينيات من القرن الـ20، بدأ العمل ناقداً تلفزيونياً لصحيفة «أوبزرفر»، وأصبح اسماً مألوفاً لتقديمه مجموعة من البرامج التلفزيونية.
تلقى دكتوراه فخرية من جامعتي سيدني وإيست انغليا.
لديه أكثر من 40 مؤلفاً، إلى جانب مقالات نقدية أدبية وتلفزيونية، وقصائد وروايات وأدب الرحلة، بالإضافة إلى خمسة مجلدات سير ذاتية. من أشهر أعماله: «المذكرات غير الموثوقة»، «النسيان الثقافي»، «دفتر الشعر: 2006-2014» التي تحوي مقالاته النقدية.
قصائد وداع وحكمة تتحدى السرطان
ينظر الشاعر البريطاني- أسترالي الأصل، كلايف حيمس، إلى حياته الغنية بعين ثاقبة وصدق، في ديوانه الجديد الذي أطلق عليه عنوان قصيدته «محكوم عليك بالحياة». وبعض من قصائد الديوان أصبح مشهوراً حتى قبل صدوره، وتلك القصائد تشمل تأملات في الموت والذاكرة وأستراليا.

37 قصيدة
في عام 2010 شخصت إصابته بسرطان الدم والانتفاخ الرئوي، وكل الأشعار في ديوانه تتعامل مع هذا المرض، والموت ببطء «بوصة تلو الأخرى»، وذلك في 37 قصيدة هي عبارة عن قصائد حزينة ومحبطة، لكنها مليئة بالبصيرة والحكمة. في قصيدته «محكوم عليك بالحياة» يتحدث كلايف عن أن تجربته في مرحلة متأخرة مع المرض فتحت عينيه وذهنه وقلبه للحياة التي عاشها، والحياة التي لديه الآن..
والنهاية المقبلة. ويتحدث عن الحزن والأسى والذنب والحب، وعن الذكريات. وتوقه «للألوان المشعة» في سماء المحيط الهادي. وعن «رئتيه من الرماد» كتب الأبيات التالية: «محكوم عليَّ بالحياة، أنام ووجهي إلى السماء كما لو أنني متجمد خوفا من أن أسعل طوال الليل»، وأن يمشي كما لو أنه «يجتاز الطين العميق». يقول: «الآن بعد أن أصبحت طاعناً في السن، ومريضاً أرى الأشياء بتركيز جديد بالكامل».
«الأسى يتراكم»
الشاعر الأسترالي الأصل الذي شارف على نهاية حياته، يعبر بقصائده عن توقه للعودة إلى سيدني وحنينه «للاستلقاء في الضوء الذي لم يتركه أبدا». ويكتب في قصيدة أخرى إنه إذا لم يتمكن من النجاة هذه السنة، فإنه يريد رماده أن ينثر فوق ميناء سيدني. تكتنف الديوان أحاسيس بالندم، مع تعامل منفتح مع الموت والمرض. كما قال عنه موقع «بانماكميلان» إنه تتويج لمهنة من أهم عقول الأدب الكبار في عصره. فالأشعار مؤثرة جداً ببساطتها وصدقها.
________
*البيان

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *