*أحمد عمران
«10» سنوات مرّت منذ أطلق ثلاثة شبان يعيشيون في الولايات المتحدة الفيديو الأول على اليوتيوب، وهو الفيديو الذي حمل عنوان «أنا في حديقة الحيوان»، والذي يظهر فيه كريم جواد أحد مؤسّسي الموقع، في حديقة حيوان «سان دييغو» مُحتفلاً بعيد ميلاده، لم يكنْ الشبان الثلاثة حينها يتخيلون بأن الموقع الذي أطلقوه في فبراير عام 2005 سيصبح واحداً من أهم مواقع الإنترنت في العالم كله، وبأن عاماً واحداً يفصلهم عن أن يصبحوا أغنياء، حيث ستشتري شركة «جوجل» الموقع منهم في عام 2006 بصفقة قيمتها 1.3 مليار يورو.
ما لم يتخيله أيضاً هؤلاء الشبان هو ما سيحدثه ذاك الموقع من تأثير عميق في ناحية بعيدة من العالم هي المنطقة العربية، فالموقع الذي كان استخدامه في البداية مقتصراً على نشر الترفيه والفيديوهات الشخصية في الغرب، جاء إلى المنطقة العربية بمثابة هدية، ومنصة تستطيع تجاوز تأميم الشاشات وسيطرة الحكومات عليها.
ففي نفس العام الذي شهد إنشاء الموقع كانت مصر تشهد حِراكاً سياسياً قوياً بتأسيس حركة كفاية، التي خرجت تهتف ضد مبارك مُطالبة إياه بالرحيل، لم يكنْ يمكنك على الإطلاق أن تشاهد مظاهرات كفاية وانتهاكات الشرطة وتعديها عليها عبر قنوات التلفاز الرسمية أو حتى الأخرى الخاصة القليلة، فقط كان يمكنك أن تشاهدها عبر اليوتيوب، ليس هذا فحسب، فعبر الموقع تسرّبت فيديوهات التعذيب الذي يتم في أقسام الشرطة، وتسبّب أحدها في إظهار واحدة من قضايا التعذيب التي شغلت الرأي العام في مصر، وهي قضية تعذيب عماد الكبير، وأجبر الفيديو الحكومة المصرية على تقديم الضابط المُتورّط إلى محاكمة وسجنه لثلاث سنوات في سابقة نادرة في عهد مبارك.
عبر الموقع عرف العرب أن عالماً آخر يعيش بعيداً عن الصورة الوردية التي تقدّمها الشاشات، فرأينا في تونس قمع بن علي لانتفاضة الحوض المنجمي، ورأينا الجماهير تسقط صورة مبارك في المحلة الكبرى عام 2008، وتدهسها بالأقدام، وشاهدنا وقفات الاحتجاج على مقتل الشاب خالد سعيد في مصر عام 2010.
النقلة الحقيقية لليوتيوب في عالمنا العربي جاءت مع انطلاق الربيع العربي عام 2011، ذلك الربيع الذي حدّد مواعيد تظاهراته الـ «فيسبوك»، ونسقها الـ «تويتر»، ونقلها للعالم كله الـ «يوتيوب»، عبره رأينا المظاهرات ضد بن علي وعشنا فرحة فيديو «بن علي رحل»، عبره عرفنا جرائم شرطة مبارك في جمعة الغضب وصمود المصريين في وجه آلته القمعية خلال الثورة، وعبره أيضاً رأينا بنغازي تخرج عن سيطرة القذافي ويستولي ثوارها على مبانيها الحكومية مدشنين الثورة الليبية، وعبره عرفنا جرائم بشار الأسد، ونقلت لنا فيديوهاته المذابح التي تُرتكب على يده.
لكن الحالمين بعالم جديد لم يكونوا فقط هم العابرين وحدهم عبر تلك المنصة، بل كان هناك آخرون زاحموهم، فاستخدم تنظيم «داعش» اليوتيوب لنقل مشاهد إرهابهم إلى العالم كله، صانعين موجة من الهلع، معتمدين تمام الاعتماد على تلك التقنية.
بالطبع لم يكنْ كريم جواد، وهو يرفع الفيديو الأول له على موقع اليوتيوب، يدرك بأنه سيصير غنياً ومشهوراً بسبب ذاك الموقع، لكنه بالتأكيد لم يكن يدرك بأن ذاك الموقع سيكون شريكاً أساسياً في صناعة كل تلك التغييرات السياسية الكبرى.
________
*الدوحة