مَدارج العتمة


*عبدالكريم الساعدي

( ثقافات )

بعد الغياب وقبيل أن تتهجّد بطعنة الحواس، تتدلى من غصن العتمة عارية إلا من فتيل جنون، يكفي لحرق غرائز جفّت عند قتامة سريرعقيم، منفي في ركن غرفة ضيقة، تهبط فوق مفارش التكوين في صهيل جنوني، 
“لا أدري كيف مرّت تلك السنين؟ ” 
تراوغ تجاويف الوحشة، تنفلت من سنين عجاف، من غبار الكوابيس، فزعة، مكفّنة بوشاح الأنين، تسير متكئة على صدى النسيان، تلهث بين ذراعي عشّ مهجور، تموء كقطة مرتعشة في ليالي شباط الباردة،
“لا أملك شيئاً غير أن أعاود الحضور، ها أنا أعتلي معارج تكويني، مبلولة بنعومة ظلّك “.
تحث الخطى نحوعوالم غريبة بلا خرائط، تمشي على قلق، تتبع نيسماً، طالما تمنّت أن تتوسّد ضفتيه، تهزّ أحلاماً تناوشها الغياب، مشاعر مقيدة بالترمل. رائحة دفء السرير ترتشف ماتحت أسمالها، الـ(تحت ) عالم غريب لكنّه مازال مشرقاً ، ينبض بشوق العناق. تحملها شهوة عارمة على براق الشبق، ترنو بعينيها صوب خطوط زاهية، تندلق من شرخ باب السطح، تتذوق جوع شفتيها، تتحسّس نهديها النافرين بأطراف أناملها، يرتجفان عند منعطف اللمس، يشهقان، يشمخان بسخونة. في أول الأمر حاولت أن تكبح جنون الشهوة بنثار كحل الحياء، إلّا أنّ ازدحام الوجد تاق إلى حضرة الدفء، فهتك حجب رعشتها عند حافة السلّم. اقتربت من غيبتها ، تماهت في دياجير الوهم، في تجليات الجسد. تساءلت بخجل وهي تمسح دمعة، انزلقت من طرف عينها :
“هل سأساير هذه الأكذوبة؟ إلى متى أحلم بمن يشاركني اللحظة؟ “.
تتبعثر بين رماد أناها العليا وبين ظلّ رغبة معتوهة، تخشى شيئاً ما في داخلها لا تعرف كنهه، لا تراه. تتماوج قلقاً، تتطاير وسط الفراغ، تصيخ السمع لهمس يتسلّل من شفة باب السطح ، تتبعثر في حنايا نزوة “آه ، غزل الحمام يزيد من دقات القلب “.
ترتجف خوفاً. تختصم الخطى عند منتصف سلّم الدار، يتنازع سكون غرفتها وعري الصعود، تدور حول نفسها، تنزلق من حيرتها، ينقرها فحيح الرغبة فتقنع ، تتسلّق سخونة جسدها باشتهاء ، تلملم بقاياها عند موقد من شوق، تهرع إلى السطح. ترتّب المكان بارتباك شديد كمن يبحث في حنايا نزوة، وانتظرت متوارية خلف الباب، تختلس النظر مرّة بعد أخرى، تتصبب عرقاً، تغرز عينيها في فناء السطح، مترنحة في أفق يمتد من نبض القلب وارتجاف الجسد حتى الجدار، فتمدّ جدائلها فوق ظلّ حمامتين تبلغان القطاف. تتعالى أنفاسها، تلتهم شفتيها شهقة، تتبعها أنّة، يلتف الساق بالساق، والفخذان يحتضنان ارتجافة أناملها، تخلي سبيل حرائقها عند نهدين يهصران مزلاج الباب الخشبي بتؤدة . تطير ثملة، كفراشة في عوالم اللذّة ، فتموء محتمية بعريها. كان عويلاً، أنيناً في الجانب المظلم. لا أحد يسمع، تحمل أسمالها، متوحدة في العتمة، تهبط هناك، في بئر عميقة، مقتفية أثر الصراخ، صراخ جسد من فخّار، كان زوج الحمام قبلته والعين دليله .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *