* منى شكري
استطاع أن يمارس غواية المبدع في مختلف الأجناس الأدبية، فلكل لحظة كتابة عنده شكلها الذي يتأنق به، فرغم هذا التنوع الإبداعي على غير صعيد، في القصة والمسرح والرواية والبلدانيات والنقوش، ظل وفياً دائماً لشغفه الأثير بالمكان؛ حاضنه الروحي والوجداني، ينظر إلى كل تفاصيله بعين أخرى، هو حامل لأثر الإنسان، ويلتقط بوح التاريخ، ويعيد رسم مسرح الأحداث.
من يقرأ القاص والروائي والمسرحي الأردني مفلح العدوان، لا بد أن يعيش معه تلك التجربة الفريدة في عبقرية المكان، وهو يؤنسن الحجر والنقش والشجر بقصص وحكايات يخيل أنها همستها له وحده في طقوس صوفية غرائبية، ليأخذ قارئه، وهو يتكئ على الأسطورة وذاكرة الكهول في رحلة فريدة حائرة بين عتبات الحلم واليقظة، بمزيج ساحر يتجاوز جفاف الجدران وقساوة الصخر والأثر، لينتهي إلى متناقضات منسجمة يفك بها كل تلك الألغاز بروح أخرى تنبض بالحياة التي قرر أن يعيشها ليرويها لنا “سادن سيرة الأمكنة”.
استطاع العدوان، أن يؤرخ للذاكرة المشتركة والعناق بين المساجد والكنائس في الأردن في سلسلة حلقات “بوح القرى”، وعن عودة إشكالية “الديني” و”الثقافي” بما نشهده اليوم من فكر متطرف “كامن” أخذ يتمظهر عنفاً على نطاق واسع قال العدوان: شهدت المرحلة الماضية، وعلى مدار سنوات، إهمالاً للجانب الثقافي، وخاصة ما هو متعلق بالثقافة المجتمعية، كما أن هناك فجوة حقيقية عن النظام التربوي الديمقراطي، التجديدي، الذي يركز على العقل والتفكير وليس على النقل والتلقين، إلى جانب تغييب عناوين مهمة كثيرة لها أثر في وعي المجتمع، وتمدينه، ورفع سقف الحريات، تشكيل الأحزاب، والانتخابات، دعم الإبداع، قوانين المطبوعات والنشر، تهيئة منابر الحوار والتنوير.
وتابع، صاحب رواية “العتبات”، جوانب عديدة ساهمت في وقوعنا في شرك التطرف، ليس ممارسة عنف فقط، بل فكراً وأيدولوجيا، ونشاهد مظاهره في الشارع، والمدرسة، والجامعة، والبيت، وفي المجالس النيابية، وفي الأعراس، وحتى في الجلسات المغلقة بين المثقفين والأصدقاء.
وأوضح العدوان أننا أمام حالة كانت تنمو وتترعرع بصمت وبهدوء نتيجة اللامبالاة والإهمال فتغولت، وصارت هي الواجهة التي يراها العالم من الحضارة العربية والديانة الإسلامية.
وأكد “سادن الأمكنة” أنه عاد في كتاباته في بوح القرى إلى الأس الأول للعلاقة بين الثقافي والديني، كنوع من التذكير، بأنه ما كان في المجتمع، والعالم العربي، والأردن خاصة، هو “عيش بين المسلمين والمسيحيين، وليس تعايشاً كما يراد أن يسوغ الآن من خلال الكتابات الغربية، ومراكز الدراسات”، مشدداً على أن “المسيحيين في الأردن ليسوا طارئين، بل هم سابقون في هذه الأرض، وهم أول من ناصر الإسلام في بداياته حين كانت معركة مؤتة جنوب الأردن، وفي وعي الجميع في الأردن”.
ولفت إلى أن العادات واحدة والثقافة والهوية والذاكرة جامعة بين المسجد والكنيسة، ففي بعض القرى السور مشترك بين المسجد والكنيسة، وبعض المسيحيين تبرعوا بأراضيهم لبناء مساجد، وفي المقابل هناك مسجد اسمه “جامع المسيح ابن مريم”، وبعض كنائس بنيت بين بيوت المسلمين وساهموا في إعمارها.. انه عيش مشترك؛ لأن الثقافة العربية الإسلامية جامعة لكلا الطرفين، بغض النظر عن الديانة، لأن الدين لله والوطن للجميع. وهو ما مر عليه العدوان من نماذج كثيرة لهذا العيش الحميمي ووثقه في “بوح القرى” وكثير من الكتابات حول الأمكنة والأحداث، وهي بعض مساهمة في مواجهة التطرف والإرهاب والفكر الظلامي.
وعن رأيه في ما أطلق عليه “الربيع العربي”، أوضح العدوان أن النتائج “كارثية” على العالم العربي بعد بزوغ نجم هذا “الربيع”، الذي جاء “ربما في غير موسمه”، وربما هو “لوحة ربيع مستوردة بألوان مختلفة”، منوهاً إلى أن “الثورات، وحركات التغيير، تكون مبنية على أسس، وهناك أفكار، ورؤى، وأهداف، تؤطرها، بحد أدنى، على الأقل، وهناك مدارس فلسفية، وحراك مجتمعي واعٍ لما يريد، يرفده زخم ثقافي وفكري يمده بمؤشرات الاتجاه إلى أين؟ وهذا ما لم يتحقق في الربيع العربي، منذ ظهوره فجأة على شاشات الفضائيات، هو “ربيع الصورة” كان، وكان الالتفاف حوله في معظمه كردة فعل على واقع سيئ ولكنه لم يفضِ بالمجتمعات إلى واقع أفضل، أو حتى إلى واقع بمستوى المأمول، وكانت الفوضى التي لو كان هناك مدارس فكرية، وخطط مدروسة، وتيارات فلسفية، وجماعات ثقافية، وأحزاب سياسية واعية، لكان الحال أفضل.. وكان الربيع حقيقياً.
وأكد القاص أن المبدع، والمثقف، شاء أم أبى، فهو منغمس في السياسة؛ لأنه ابن بيئته، وواقعه، حتى أكثر المبدعين رمزية وسوريالية، هو يعبر عن فضاء محيط به، وواقع يقع في شراكه.. ويسقط كل كتاباته على هذا الواقع، ويعرّيه، أو يجمله، ولكنه في كل الأحوال هو يكتب وسط هذه البيئة التي يستمد منها روح حروفه.
ونوه إلى أن هناك “تغولاً” من قبل السياسي على الثقافي، لا توجد شراكة بينهما، عند صنع القرار، فالسياسي، وفق العدوان، “آني، نفعي، تحكمه اللحظة، والحسابات المصلحية بتوقيتها”، بينما الثقافي “صاحب رؤية، باني وعي، باحث عن حقيقة متمناة”، مشيراً إلى أن هذه إشكالية العالم العربي، “صاحب السلطة سياسي، لا يقبل شريكاً ثقافياً؛ لأنه على عجلة في قراره، ويستلب للتشبيك مع مراكز قوى لتثبيت مصالحه، وهنا في عالمنا العربي القوى الثقافية هي الأبعد عن أن يفكر فيها السياسي ليتحالف معها، وهذه المسافة ولدت التخبط في قرارات السياسي، والحرد من جانب الثقافي، وكان الخاسر الأكبر هو المجتمع والدولة، ليس على مستوى بسيط، بل في مستويات أعمق قد تطول عشرات السنين.
ومفلح العدوان، كاتب وقاص ومسرحي وروائي أردني من مواليد مدينة الزرقاء الأردنية عام 1966، حصل على بكالوريوس هندسة كيميائية من الجامعة الأردنية في العام 1990. ويعمل منذ العام 1995 في المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا.
كتب في القصة والمسرح والبلدانيات، حيث صدر له في القصة القصيرة، “الرحى”، “الدوّاج”، “موت عزرائيل”، التي صدرت عن المؤسسة العربية للنشر في بيروت عام 2000 بعد أن تم منعها وتأخير نشرها عاماً كاملاً وذلك لتحويلها إلى وزارة الأوقاف، بدعوى أن فيها ما يسيء إلى الأديان، ثم صدرت له مجموعة “موت لا أعرف شعائره” وغيرها.
أما في المسرح فتميز العدوان في نصوصه حيث كتب رائعته “عشيات حلم”، ومسرحية “ظلال القرى” و”آدم وحيدا” وغيرها من النصوص.
وفي البلدانيات، وذاكرة الأمكنة، صدر للعدوان كتاب “عمان الذاكرة”، كما صدرت له رواية “العتبات”.
شغل العدوان موقع رئيس اتحاد كتاب الانترنت العرب لعدة سنوات، ونائب رئيس الهيئة العربية للثقافة والتواصل الحضاري (بيت الأنباط)، وعضو هيئة إدارية لعدة مرات في رابطة الكتاب الأردنيين.
وفاز القاص والمسرحي المتميز بالعديد من الجوائز على المستوى العربي، منها جائزة محمود تيمور للقصة على مستوى مصر والوطن العربي من المجلس الأعلى للثقافة في مصر، عام 1995م، والميدالية الفضية من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن برامج المنوعات عن برنامج “نقوش الليل” عام 1997م، وشهادة تقدير من مهرجان الرواد الأول في القاهرة 1999م جامعة الدول العربية، وجائزة اليونسكو للكتابة الإبداعية فرنسا 2001م، وجائزة الشارقة للإبداع في مجال المسرح عام 2001م، وجوائز أخرى وشهادات تقدير في مجالات القصة والمسرح والثقافة.
“ذوات” أجرت حواراً موسعاً غنياً مع الكاتب مفلح العدوان، وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
تميّزت في أكثر من حقل إبداعي، أين يجد مفلح العدوان نفسه؟ وهل ثمة حد فاصل بين الفنون الأدبية برأيك، وتحديداً كيف تنظر إلى العلاقة بين القصة والمسرح؟
هناك خيط رفيع، إبداعي، ممتزج بروح الكاتب، يلظم بين تلك الأجناس الإبداعية التي يمارس غوايتها المبدع، وأنا أكتب القصة والمسرح والرواية والنص والكتابة في الأمكنة، وتستهويني كتابة الوثائقيات، والنقوش القصيرة، كل هذا المخرج الإبداعي، من الصعب أن أجتزئ نفسي لحظة الكتابة في زاوية واحدة فقط، فلكل لحظة إبداع حالتها، وكذلك شكلها الذي تتأنق به، لكن للقصة عندي عشق خاص، وعند التهيؤ لكتابة المسرح أحشد كل حواسي في حضرة أبي الفنون،بينما الرواية مشروع أقترب من جذوة الاحتراق فيه حين تراودني تجربة خاصة، ملحة، لا تجد إلا الرواية قالباً يليق بها، وعندما تسحرني الأمكنة، تصيبني حالة من التصوف، فألامس في كتابتها كل جمرات الحرف بأكثر من تشكيل له، واللسعة التي تشبه وخز الابرة لتتجلى قطرة تشبه الدم الممزوج بالحبر حين يكون النقش جنساً آخر هو ومضة لا تفيض بين الشعر والسرد والرؤيا، فتتحقق برقية ومضة… أما الجسر الذي أجتهد في تكوينه، فقد تحقق عندي في أكثر من تجربة، وهو بين قلق القصة القصيرة، والكشف الموارب من خلال الكتابة المسرحية.. عندي، وهذا تجسد في بعض كتاباتي المسرحية، كانت فيها القصة القصيرة تهيئة لمشروع مسرحي، وكأن القصة هي تخطيط أولي لعمل مسرحي ينتظر البوح عنه، فمسرحيتي التي عنوانها “ظلال القرى” التي كتبت عام 1997م، كانت ومضاتها الأولى، وشخوصها، وأحداثها، منبعثة من رحم قصة “ميشع لا يسجد للحبشة” التي نشرت ضمن مجموعة الرحى عام 1994م، وكذلك مونودراما “آدم وحيداً”، هي مسرحة لقصة “بعد الخلق.. قبل النزول” التي نشرت ضمن مجموعة “موت عزرائيل” عام 2000م.. بينما مسرحية “عشيات حلم”، كانت ملامحها الأولى ظاهرة في قصة “الخرابيش أولا” إحدى قصص مجموعة “الدواج”.. ولكن في مسرحيات أخرى، كانت المسرحية هي تجليات فكرة قصة لم أكتبها، وتبقى تلحّ، ولكن من كثرة ضجيجها وأفكارها أدونها ملاحظات، ثم تتجلى ذات مشروع مسرحي ليكون المخاض لها مسرحية مكتملة قبل أن تمر بالتجريب القصصي المكتوب لها.. هذه بعض تداعيات العلاقة بين القصة والمسرح فيما أكتب.
تسيّدت الرواية المشهد الأدبي في السنوات الأخيرة، ومن المعروف أن القصة القصيرة مدخل مهم للتصدي لهذا الفن، مع تميزكم بالقصة القصيرة، ما سر قلة إنتاجك الروائي؟
الكتابة عندي لا تخضع لمقاييس العرض والطلب، أو بورصة أسواق النشر والكتب، أو غواية الجوائز والقيمة المضافة لها، إنها حالة تعنيني وحدي لحظة تجليها، ونبضها، وقلقها، ولذا حين ألحّت عليّ فكرة رواية كنت مشرباً بها، بعد سنوات من احتباسها وتعتقها لدي، قمت بكتابتها، وهي رواية العتبات، وكانت اختزال لتجربة ثماني سنوات من تجوالي في القرى الأردنية، ومشاهداتي للتغيرات الاجتماعية التي طرأت على الإنسان والمكان فيها، وأحسست حين كتبت الرواية أنها حاضنة مهمة لهذه التجربة، وهي لم تبعدني عن القصة والرواية، فقد قلت كلمتي فيها، وأتابع الكتابة في بقية الأجناس الكتابية، كل بحسب الحالة التي تتقمصني لحظة الكتابة. ومع أهمية الرواية، إلا أني لا أعتقد أن هذه الأهمية تقلل من حضور القصة ورسوخها كفن راق، معبر، مكثف، ولها قراؤها، وجمهورها، والمسرح فتنتي التي أعشق، كما أن القصة بيتي الذي أحن إليه دائماً… ومسألة الكتابة الروائية، والإنتاج الكتابي فيها، فهو مقرون بلحظة تجلٍّ، بعد مخاض، وتهيئة وإعداد، وتجربة، وفكرة مختلفة عن السائد؛ فالإنتاج الكمي في حقل الرواية، لا ينتج رواية مميزة، بل يضعف هذا الفن الراقي، وما نلاحظة من إقبال بشكل كثير، وبزخم ملفت، يكون أحياناً على حساب النوع، والتميز، والاختلاف، والتجديد.
“المحلية هي البوابة الأرحب للولوج إلى العالمية”، هل تتفق مع هذه المقولة؟ ولماذا ما يزال الأدب العربي في مجمله غير قادر على كسر حدود الجغرافيا؟
الآخر، أياً كان، يبحث عن الجديد في الكتابة، وعن العوالم المحتجبة والبعيدة عنه، وتلك العوالم هي بالنسبة إليه محليتنا، وخصوصيتنا، إنها الجديد بالنسبة إليه، واليومي الملتصق بنا، المحلي الذي نعايشه، خصوصية ذاكرتنا وتارخنا، وإيقاعنا، وحكاياتنا، وأساطيرنا، وكل ما هو متعلق بإيقاعنا الجمعي. انطلاقاً من هذا فالأدب والإبداع المحلي، حين يكتب ويقدم بفنية عالية، وبكتابة جديدة، وبشروط عالمية، يلاقي الحضور والترحيب على مستوى العالم، والآخرون يبحثون عن هذا الجوهر الثري الذي نمتلكه.
لدينا أعمال وكتابات محلية مهمة، وفي جميع الأجناس الإبداعية، لكن المشكلة هي في وصولها إلى الآخر، وخارج الجغرافية، والتقصير يكون في التوزيع، والترجمة، والإعلام، تلك الروافع مهمة في تقديم المحلية، وانتشار خصوصية كتاباتنا على مستوى العالم، لكي تعطى الفرصة للتقييم، والقراءة، والنقد، وتوضع على الخريطة الصحيحة لتحقق ذاتها وحضورها.
ما الأدوات التي على المسرحي الناجح أن يمتلكها حتى لا يقع في فخ المباشرة؟
المسرح إبداع رائع، وخطير، وساحر، وفيه كثير من الفنون والرؤى التي تتضافر ليكون هناك عمل مسرحي مميز، وفي هذا المضمار هناك أهمية لتجربة الكاتب، وتمكنه من نسج خيوط الكتابة، والارتقاء بخياله، ووعيه بعناصر العمل المسرحي، وتمكنه من الإلمام بكافة أفكاره حول العمل الذي هو مقدم عليه.. الوعي بالمسرح، يحتاج إلى إخلاص له عند الكتابة، فهو ليس فناً تلقينياً، إنه مجموعة أفكار، ودلالات، ورموز، وشيفرات، إذا تم ضبط إيقاعها، ولظم خيوطها، يكون المنتج عملاً مميزاً، يوصل الفكرة، لكنه يحترم ذائقة وعقل المتلقي/ الجمهور، حيث يتم إعطاؤه فرصة ليحلل، ويفكر، ويؤوِّل، ويستمع، وهذه معادلة على كاتب النص المسرحي أن يعيها لحظة الكتابة.
من جهة أخرى، هل ترى أن المسرح العربي غدا فناً “نخبوياً”؟ ومن يتحمل مسؤولية أزمة “أبي الفنون” عربياً؟
المسرح فنّ راقٍ، وفيه شفافية عالية، ولعله في ظل النقلة التكنولوجية الحديثة، والفضائيات، ووسائط الاتصال الحديثة، والفضائيات، والسينما، صار هناك توجه جماهيري في ذاك الاتجاه، ولكن يبقى لأبي الفنون جمهوره الحقيقي، الذي يتلمس روح الفكرة، وتميز الأداء، كما أن هناك قصوراً لدى المجتمعات العربية في وجود ثقافة ارتياد المسرح، كما هي المشكلة مع القراءة، والكتاب، نحن هنا نتحدث عن ثقافة مجتمعية حقيقية قاصرة في التعامل مع الإبداع إن كان بالكتابة أو المسرح وكذلك الموسيقى، ولهذا فاللوم لا يقع على المسرح، ولكن هناك أسباباً مجتمعية أعمق. وهناك أعمال مسرحية مهمة تم تقديمها، وحققت حضوراً على المستوى الفني، ولكنها بقيت داخل أروقة المهرجانات والعروض المتقطعة، وهي توازي العروض المسرحية العالمية، حيث إن الفعل المسرحي تحقق، لكن الجمهور المسرحي لم ينضج بعد، أو أنه متجه بوعيه أو مختطف بلا وعي، إلى مساحات يومية أخرى فرضها الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهنا لا ذنب لأبي الفنون في هذه الحالة.
ما الروافد التي يستلهم منها العدوان كتابة نصوصه الإبداعية؟
الحياة بكل تجلياتها، وجمالياتها، ومعاناتها، هي المنجم الحقيقي الذي تنهل منه كتابتي منذ أول حرف نقشته فيها… ولعل التجربة هنا ضرورية للكاتب، والترحال، والغوص في دروب الناس، والاختلاط بهم، وفي ذات السياق، هناك ارتحال وحياة موازية عبر الأزمنة الماضية، من خلال القراءة، والتتبع للأسطر والنقوش الأولى التي تم تدوينها أدباً وكتابة وإبداعاً وفناً وموسيقى… لا يمكن الحديث عن رافد واحد للكتابة الإبداعية، هناك حالة تشكل لكثير من الجداول والينابيع قبل أن يهدر نهر الكتابة، ويتجلى إبداعاً.
لانشغال بالأسطورة ومناخات الطقوس ونصوص يتداخل فيها الديني بالتاريخي سمة تطبع كتابات العدوان المسرحية، ومن ذلك “عشيات حلم”، “آدم وحيدا”، و”حارس النبوءة”، ما السر وراء هذا الشغف؟
لا أشعر أن الأسطورة غريبة عني أو بعيدة عن المحيط الذي أعيش فيه، وإن كانت مظاهر الحداثة هي البارزة على السطح، هناك مخزون أسطوري يسيّر مجتمعاتنا العربية، وفيه تداخل حد التماهي مع الديني، والتاريخي، وأظن ما بدأ يتجلى من أحداث، وخلخلة تهزّ العالم العربي والاسلامي تعطي الدليل الملموس على هذا التداخل، بين الأسطوري والديني التاريخي، وهناك استحضار لتلك الأساطير، حتى ونحن في خضم أكثر العصور تقدماً وتكنولوجية وحضارة.
عدا عن هذا، فإن قراءاتي في الدين والأسطورة والفكر، كانت مبكرة، وأدت إلى نظرتي للأشياء من حولي بتحليل أسطوري لها، كما أن بيئة العائلة فيها نوع من التدين الشعبي، مما أعطى دلالات ملموسة على هذا التداخل بين قراءاتي ومعاينتي للأسطورة، ومعايشتي واندماجي في حياة التدين الشعبي، المبني على الفطرة، والذي لمسته عند أبي وأمي رحمهما الله.
كل هذا تسلل إلى منجزي الكتابي، وأول ما كان في كتاباتي في القصة القصيرة، حيث الميثولوجيا، والأسطورة، واستلهام التاريخ، واستحضار التراث، وتكسيره، وعدم تقديسه، وإعادة بنائه، مع طرح كثير من الأسئلة الملحة في محاكاة للواقع، وكانت عناوين كتبي تشي بهذا من “الرحى” و”موت عزرائيل” والدواج” وغيرها.. وكان هذا الحال أيضاً في المسرح، والمجال هنا أرحب، فالأسطورة في جوانب مهمة منها طقوس وشعائر وتراتيل وتجد فضاءها الأرحب في المسرح، كأنه معبدها الذي تنتظره لتتجلى فيه، مع بخورها، وأغانيها، وموسيقاها، وأقنعتها، ورقصها، الأسطورة هي المسرح الذي أعشق، وحاولت أن أستحضرها في كتابتي المسرحية، ليس استحضاراً اعتباطياً، بل ضروري لإسقاطه بشكل فني مدروس على الواقع، ومحاكاة الحياة، في دورة من دوراتها الأسطورية التي نعيش.
كيف يمكن للأدب أن يشق طريقه نحو التغيير ويمارس دوره التنويري في ظل طغيان الثقافة البصرية مع ما تضخه الماكينة الإعلامية الضخمة من قنوات فضائية وانتشار الإنترنت؟
مفلح العدوان: منذ فترة طويلة، ونحن نؤشر إلى ضرورة المحتوى الإبداعي العربي التنويري على شبكة الإنترنت، وعلى المنابر الفضائية، وزيادة المساحة الثقافية والإبداعية ذات الطابع الوسطي والتنويري، وقد كان تأسيس اتحاد كتاب الانترنت العرب الذي كنت من مؤسسيه، ترأسته لفترة من الزمن، كان هذا الاتحاد يدعو إلى ثقافة تنويرية، ويؤشر إلى ضرورة توجيه محتوى الإنترنت ليكون نابضاً بالفكر الإبداعي التنويري.
أما بخصوص الأدب والتغيير، فهو بالتأكيد حاضر ومهم ولكن فعل الإبداع والأدب والثقافة تحتاج إلى تراكم زمني، لأن الأثر ينصب على الوعي، وعلى الأجيال، وتراكم العطاء وفكرته، وهنا لا بد من تضافر الجهود مع الإبداع والأدب والثقافة أيضاً في مجال التربية والتعليم، خاصة وأن المواجهة قوية بين قوى ظلامية، متطرفة، وفي المقابل قوى التنوير، وكلا الجانبين متاح لهما تلك الروافع الإعلامية والتقنية والقنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، المواجهة ليست سهلة، لكن الأدب والإبداع والفن أقرب إلى روح الإنسانية، ولهذا فالديمومة أكثر، وهي تخاطب وجدان الإنسان وحقيقة جوهره.
مفلح العدوان من أكثر المبدعين العرب تفرداً في “سيرة المكان” ما الذي يمثّله المكان بالنسبة إليك؟ وعندما تستحضره كيف يتراءى لك؟
المكان هو الحاضن الروحي والوجداني لي، وهو بكل تفاصيله حامل لأثر الإنسان، وزخم التاريخ، ومسرح الأحداث، وفق هذه النظرة للمكان تكون أنسنته لحظة الكتابة، هناك نبض يسكنه، وجماليات يزدان بها، وقصص وحكايات تتفيأ ظلاله، ولذا فهو ليس جامداً بارداً، بل هو روح متجددة، ولا بد من العناية في التعامل معه، ووعيه بكل تفاصيله.
وربما أثرت في قراءاتي وعشقي للأسطورة والتراث، حيث جعلتني أنظر للمكان بعين مختلفة، فكل شيء له دلالاته التي أسقطها عليه؛ للمدينة رونقها، وللقرية ذاكرتها، وللبادية تاريخها، وللتفاصيل فيها ترانيم مختلفة بين الباب والنافذة ودرج البيت والدالية والحوش والشارع والنقش كل شيء في المكان له حكاية تروى، وقصيدة يمكن نظمها بوعي وبشعرية عالية تبوح بكل الزخم المسكون بالمكان.
في سلسلة حلقات “بوح القرى” التي تنشر بتصويرك وكتابتك بجريدة “الرأي” الأردنية، أرّخت للذاكرة المشتركة للمساجد والكنائس في الأردن، ما الذي تبدل في عقلية “الإنسان العربي” في نظرته إلى الآخر؟ ولماذا بدأت تعود إشكالية “الديني” و”الثقافي” حتى تمظهرت بما نشهده اليوم من فكر متطرف “كامن” أخذ يتمظهر عنفاً على نطاق واسع؟
شهدت المرحلة الماضية، وعلى مدار سنوات، إهمالاً للجانب الثقافي، وخاصة ما هو متعلق بالثقافة المجتمعية، كما أن هناك فجوة حقيقية عن النظام التربوي الديمقراطي، التجديدي، الذي يركز على العقل والتفكير وليس على النقل والتلقين، إلى جانب تغييب عناوين مهمة كثيرة لها أثر في وعي المجتمع، وتمدينه وأقصد رفع سقف الحريات، تشكيل الأحزاب، والانتخابات، دعم الإبداع، قوانين المطبوعات والنشر، تهيئة منابر الحوار والتنوير.. جوانب عديدة ساهمت في وقوعنا في شرك التطرف، ليس ممارسة عنف فقط، بل فكر وايدولوجيا، ونشاهد مظاهرة في الشارع، والمدرسة، والجامعة، والبيت، وفي المجالس النيابية، وفي الأعراس، وحتى في الجلسات المغلقة بين المثقفين والأصدقاء.. نحن أمام حالة كانت تنمو وتترعرع بصمت وبهدوء نتيجة حالة من اللامبالاة والإهمال فتغولت، وصارت هي الواجهة التي يراها العالم من الحضارة العربية والديانة الإسلامية.
وربما تكون عودتي إلى الأس الأول للعلاقة بين الثقافي والديني، نوعاً من التذكير، بأنه ما كان في المجتمع، والعالم العربي، والأردن خاصة، هو “عيش” بين المسلمين والمسيحيين، وليس “تعايشاً” كما يراد أن يسوغ الآن من خلال الكتابات الغربية، ومراكز الدراسات، فالمسيحيون في الأردن ليسوا طارئين، بل هم سابقون في هذه الأرض، وهم أول من ناصر الإسلام في بداياته حين كانت معركة مؤتة جنوب الأردن، وفي وعي الجميع في الأردن، العادات واحدة والثقافة والهوية والذاكرة جامعة بين المسجد والكنيسة، ففي بعض القرى السور مشترك بين المسجد والكنيسة، وبعض المسيحيين تبرعوا بأراضيهم لبناء مساجد، وفي المقابل هناك مسجد اسمه جامع المسيح ابن مريم، وبعض كنائس بنيت بين بيوت المسلمين وساهموا في إعمارها.. انه عيش مشترك؛ لأن الثقافة العربية الإسلامية جامعة لكلا الطرفين، بغض النظر عن الديانة، لأن الدين لله والوطن للجميع.. وقد مررت على نماذج كثيرة من هذا العيش الحميمي، ووثقته في بوح القرى وكثير من الكتابات حول الأمكنة والأحداث، وهي بعض مساهمة في مواجهة التطرف والإرهاب والفكر الظلامي.
يرى البعض أن “الربيع العربي” عرّى المثقف، وكشف عن تيه وتخبط وتلون البعض، كيف تقرأ علاقة المثقف بالسياسة، وكيف للأيديولوجا أن تتدخل في الأدب، وهل يمكن أن ينفصل المبدع عن قناعاته السياسية؟ أم أنك ترى أن المثقف ليس محايداً بطبعه؟
علينا أن نتوقف لحظات عما أطلق عليه “الربيع العربي”، ذلك بأن النتائج كارثية على العالم العربي بعد بزوغ نجم هذا الربيع، ربما في غير موسمه، وربما هو لوحة ربيع مستوردة بألوان مختلفة، ذلك أن الثورات، وحركات التغيير، تكون مبنية على أسس، وهناك أفكار، ورؤى، وأهداف، تؤطرها، بحد أدنى، على الأقل، وهناك مدارس فلسفية، وحراك مجتمعي واعٍ لما يريد، يرفده زخم ثقافي وفكري يمده بمؤشرات الاتجاه إلى أين؟ وهذا ما لم يتحقق في الربيع العربي، منذ ظهوره فجأة على شاشات الفضائيات، هو ربيع الصورة كان، وكان الالتفاف حوله في معظمه كردة فعل على واقع سيئ ولكنه لم يفضِ بالمجتمعات إلى واقع أفضل، أو حتى إلى واقع بمستوى ما كان، وكانت الفوضى التي لو كانت هناك مدارس فكرية، وخطط مدروسة، وتيارات فلسفية، وجماعات ثقافية، وأحزاب سياسية واعية، لكان الحال أفضل.. وكان الربيع حقيقياً.
أما المبدع، والمثقف، فهو شاء أم أبى، منغمس في السياسة، لأنه ابن بيئته، وواقعه، حتى أكثر المبدعين رمزية وسوريالية، هو يعبر عن فضاء محيط به، وواقع يقع في شراكه.. ويسقط كل كتاباته على هذا الواقع، ويعرّيه، أو يجمله، ولكنه في كل الأحوال هو يكتب وسط هذه البيئة التي يستمد منها روح حروفه.
ولكن في المقابل، هناك تغول من قبل السياسي على الثقافي، لا توجد شراكة بينهما، عند صنع القرار، فالسياسي آني، نفعي، تحكمه اللحظة، والحسابات المصلحية بتوقيتها، بينما الثقافي صاحب رؤية، باني وعي، باحث عن حقيقة متمناة، وهذه إشكالية العالم العربي، صاحب السلطة سياسي، لا يقبل شريكاً ثقافياً، لأنه على عجلة في قراره، ويستلب للتشبيك مع مراكز قوى لتثبيت مصالحه، وهنا في عالمنا العربي القوى الثقافية هي الأبعد عن أن يفكر فيها السياسي ليتحالف معها، وهذه المسافة ولدت التخبط في قرارات السياسي، والحرد من جانب الثقافي، وكان الخاسر الأكبر هو المجتمع والدولة، ليس على مستوى بسيط، بل في مستويات أعمق قد تطول عشرات السنين.
ما يشهده الواقع من تردِّ اقتصادي وسياسي انسحب على المشهد الثقافي العربي والأردني، أليس الإبداع في جانب كبير منه وليداً للمعاناة، أم هل أصبحت هذه القاعدة لدينا استثناءً؟
المبدع العربي في كل الظروف التي مر بها، كان يعيش ضغط المعاناة، ويكتب ويبدع ويعطي ويقوم بدوره التنويري، مع أني في قناعتي أن الرفاه يولد الراحة التي تنمي حالة الكتابة، ولهذا فكثير من المبدعين الكبار، والأسماء العالمية، والمميزين في دول كثيرة، يعيشون الحياة براحة، ويمتلكون كل مقومات الحياة الكريمة، وهم يبدعون ويقدمون المييز والمختلف.
ولعل تردي الحالة الاقتصادية والسياسية في العالم العربي، أعطى للكتاب والمبدعين حوافز جديدة للكتابة، من حيث موضوع اشتغالاتهم، وتجارب جديدة ترفد إبداعاتهم.. وليست المعاناة مقرونة فقط بالجانب المادي، فهناك جوانب نفسية، وقضايا الحريات، والمسافة بينهم وبين المجتمعات حولهم، انها حالة مركبة يعيشها المبدع والمثقف، والمطلوب منه كثير، رغم ضيق الإمكانات المادية والفضاء المناسب للإبداع.. الكتابة صارت معجزة في ظل هذه الأجواء.. ولكنها ما زالت تفرز الجديد والمبدع والمختلف.
المتتبع للمشهد العام للجوائز الثقافية على الساحة العربية يشهد الصراع المحموم والتنافس الكبير بينها، برأيك هل تعبر تلك الجوائز عن الواقع الثقافي العربي ومستواه الفكري، وما مدى مساهمتها في تحريك ركود مياه الفكر العربي، وهل نجحت في رفع نسبة المقروئية في البلدان العربية؟
أنا مع الحوافز والدعم الذي يقدم للكاتب الأديب، لأن حقل الإبداع هو من أهم الحقول الخلاقة في الساحة الإنسانية، والعالم العربي مايزال حتى الآن لم يعِ الإضافة المعنوية والمكسب الحقيقي من وراء دعم الكتاب والمبدعين والفنانين، لأنهم هم الحصن الأهم والمنارة الحقيقية التي تعمل على تحصين المجتمعات بالإنسانية والوقوف بوجه الظلامية، ولعل واحدة من الحوافز تكون من خلال هذه الجوائز، ولنأخذ الجانب الإيجابي منها، فهي توفر تكريما معنوياً ومادياً للمبدعين في حقول الفنون، والتركيز في الفترة الأخيرة على الرواية، ولم لا؟ ونحن نلاحظ كم الاشتراكات المقدمة إلى هذه الجوائز، وهناك صار ترجمة للأعمال إلى لغات أخرى، وزيادة في المقروئية للرواية، وهناك جيل جديد من الكتاب يأخذ فرصته للتقديم والانتشار، هذه جوانب إيجابية للجوائز، وإذا كان هناك ملاحظات على آلية الجوائز، والتحكيم، وطريقة التقديم، فأعتقد أنه يمكن مع الوقت الوصول إلى حالة متوازنة، ولكن الفكرة بحد ذاتها نبيلة، وتعطي مساحة أوسع في دعم الإبداع والكتاب.
من المعروف أن مجموعة “موت عزرائيل” التي صدرت لكم عام 2000، تأخر ظهورها نتيجة تحويلها إلى وزارة الأوقاف، بدعوى أن فيها ما يسيء إلى الأديان، هل أثرت هذه التجربة على مشاريع أخرى كنت تنوي عملها؟ وكيف تنظر إلى “الرقابة الذاتية”؟
أنا حين أكتب، أكون بكامل وعيي للموضوعات التي أتطرق إليها، وتهمني المعرفة والمعلومة والقراءة والتجربة والتشرب بما أريد أن أعبر عنه، قبل أن أكتبه، قصة كان أو رواية أو مسرحية أو نصا، وحين كتبت موت عزرائيل، كنت أدرك الصدمة التي سيحدثها العنوان في ذهن المتلقي والرقيب، مع أنه ورد في النصوص المقدسة ما يمثل هذه الفكرة، وكذلك في الأساطير هناك متوازيات لها، غير أن معالجتي وتناولي لهذا الموت كان مختلفاً، كنت أتحدث عن فلسفة الديكتاتور، وذهنية الطغيان، مستعيناً بالميثولوجيا الكنعانية هنا، ولكن صار خلط بين الموروث الديني الإسلامي، والمثولوجيا التي أتناولها، فالأساطير حين يتم إلباسها أقنعة الدين، تصبح مقدسة ومحرماً المسّ بها، مثل الدين ذاته.. وكان هناك عدم وعي لدى الرقيب في المسافة بين الدين والأسطورة، وأن عزرائيل الذي أتحدث عنه، ليس بالضرورة أن يكون نسخة مقدسة من ملاك الموت الوارد في القرآن (للعلم لم يرد في القرآن كلمة عزرائيل أبدا، والوارد هناك ملاك الموت)، وقد أخذت القضية عاماً كاملاً حتى تم الإفراج عنها.
ولكن هذه القضية حفزتني لمزيد من الكتابة، ومزيد من الوعي بالأسطورة، وإسقاطها على الواقع، والرقابة الداخلية لدي هي رقابة فنية وليست رقابة على الموضوع والفكرة، فلا شيء مقدس، وكل ما يمكن التفكير به، يمكن كتابته، ومحاكاته أسئلة وأجوبة وتقريرا أو إسقاطا على واقع معيش.. ولذا، فحين ناقشت أفكار ما ورائية من خلال تجربة مختلفة دخلتها عبر شاشة الحاسوب، للحديث حول الآخرة والعذاب والثواب وفكرة الموت، أصدرت مجموعة “موت لا أعرف شعائره” عام 2004م، وفيها أسئلة وطروحات أعمق وأخطر مما في موت عزرائيل… الكاتب عاجز عن التعبير إن كان هاجسه رقيب على فكرته، والكلمة لا تنطلق مؤثرة إلا في فضاء من الحرية الكاملة، وبيئة إبداعية لا يحدها حد.
هل لدى مفلح العدوان “مشروع مؤجل” يتوق لإنجازه؟
لا توجد مشاريع مؤجلة، فأنا دائم الكتابة، وتلك المشاريع أبدأ بها، ولكن تحتاج إلى وقت حتى تنجز، فهناك الجزء الثالث من موسوعة القرية الأردنية، قريباً سيصدر وقد أنهيته قبل وقت قريب، كما أن اللمسات الأخيرة من مونودراما حول حياة زرياب هي ما عكفت على عمله وكتابته مسرحياً منذ أشهر سأنتهي منه خلال أيام، وفي البال مجموعة قصصية قد تكتمل قبل نهاية هذا العام، لكن مشروعات الكتابة، في مجملها، لا تؤجل إنها حاضرة دائما، والإبداع يكون بشكل يومي إن كان كتابة، أو التقاطات من وحي الحياة، أو مطالعة وقراءة، وهناك ذاكرة تخزن كل هذا، وترتبه ليكون على أهبة الحضور لحظة الكتابة المستمرة.
_______-
*عن موقع “ذوات”.