*مهند النابلسي
( ثقافات )
فيلم “ما نموتش” للمخرج التونسي نوري بوزيد؛ استفزازي وجدلي وجريء وغير مسبوق بطرحه لموضوع حجاب البنات، كما أنه متوازن ويكشف نفاق المجتمع والتلاعب بالنصوص الدينية، كما يكشف سطوة الإسلاميين المتعصبين ولجوئهم للعنف والبلطجة.
وربما يفسر ضمنيا كذلك أسباب كثرة وجود التونسيين المتعصبين المتطرفين ب”داعش”حيث يلقي الضوء على انقسام المجتمع التونسي وتضارب وجهات النظر حتى داخل العائلة الواحدة، كما يتعرض للمنفتحين المنافقين ولا مبالاتهم واستهتارهم واستفزازهم بطريقة تناولهم السافر للخمور.
وبسلط الأضواء على بدايات الثورة التونسية وممارسات النظام القمعية المتوحشة، ويعالج موضوع الحجاب والسفور من زاوية “نسوية-إنسانية وعاطفية” كما من الناحية الاجتماعية والدينية…ويوضح الفيلم كثرة الضغوط التي تتعرض لها الفتاة التونسية “عائليا واجتماعيا” المتعلقة بحجابها أو بسفورها، والتي ترتبط أكثر بالرغبة الذكورية وليس بالتدين “كقضية أخلاقية”.
ونرى الشقيق وقد تحول لسلفي عنيف بعد خروجه من السجن يرفض فكرة سفور شقيقته وعملها كنادلة بكوفيشوب حلويات بالرغم من كونها معيلة الأسرة بعد تقاعد الأب، فيما نلاحظ كثرة الضغوط التي يمارسها خطيبها الافتراضي لكي “تتحجب” يالتحريض واللجوء لوالدتها وخالتها، حتى يصل الأمر لحبسها ومنعها من العمل وممارسة الشعوذة واعطاء الأعشاب المخدرة لها وسرقة موبايلها، فيما نلاحظ تسامح الأب (وهو من الجيل القديم) وتعاطفه مع ابنته، بل وتناوله للخمر مع الخطيب “المنفتح ظاهريا وغير المتدين” والذي يقيم بليون الفرنسية.
كما نرى الشقيق المتعصب (العاطل عن العمل) وهو يلاحق بدوره حبيبته المتحجبة بلا هوادة ويهدد زميلها، كما لا يتورع عن دخول منزلها وضمها بشغف “عاطفي” حميم بعد أن يلقى تجاوبا منها، علما بأنه يتعرض لاحقا للتهديد والضرب المبرح على يد زملائه الإسلاميين بعد أن لاحظوا تغير أسلوب حياته واستقلاليته، كما نلاحظ أن نفس الفتاة المتحجبة تتعرض للتحرش الدائم والإغراء الوظيفي من قبل مدير الكوفيشوب الاستغلالي “الولهان”!.
المخرج الشهير لعب دور عازف أوكورديون أعمى فقير يعزف على قارعة الطريق، ويتعرض للتعاطف من قبل الفتيات والناس الطيبين البسطاء، ولكنه يقتل ضمن تداعيات العنف والملاحقات،(حيث يظهر بوزيد كعازف أوكورديون أعمى يضربه شباب إسلاميون متطرفون حتى الموت)، ويبدو هنا وهو يستعرض طريقة استرجاع “الاوكورديون” المهشم في مكب النفايات من قبل الفتيات اللواتي يعزفن عليه بمرح غريب ومجازي معبر، كما بطقوس تغسيله وتكفينه الدقيقة على مراحل وكأنه يعرض نفسه كضحية لأفكاره ورؤيته التقدمية الاستباقية بمجتمع منافق وراكد ومتخلف و”مرعب” كما هو “منفتح وواعد وحساس” في آن واحد!.
لقد وجدته فيلما متوازنا عميقا وشيقا، فيما واجه المخرج بشجاعة وإقناع أسئلة محرجة حول تمويل الفيلم وموضوعيته و”تهجمه على الحجاب” كرمز إسلامي تقليدي (كنتيجة لسوء فهم مضمون الشريط) وجرأته غير مسبوقة بتناول هذا الموضوع “المثير للجدل”!.
هامش منقول من الانترنت:
وردا على سؤال حول ما اذا كان في الشريط رد على تعرضه للضرب والتهديد من قبل المتطرفين الإسلاميين يقول بو زيد “لست وحدي من تعرض للضرب والتهديد. اإهم يهددونك حين تتكلم والفنان شخص مستقل ولا حواجز أمامه حين يتكلم. هو مستقل في علاقته بالسياسة وحر في علاقته بالدين”.
أما عن تخوفه من أن يؤدي عرض فيلمه في تونس إلى رد فعل عنيف من البعض فيجيب: “إذا حصل مثل رد الفعل هذا فلن يكون من أي شخص شاهد الفيلم، بل سيكون من أشخاص لم يشاهدوه”.