*غدير أبو سنينة
وكأنَّنا نعيش موسم رفات الشعراء والكتّاب الناطقين بالإسبانية. فبعد ثربانتس ولوركا ها أننا نفتح ملف رفات الشاعر التشيلي بابلو نيرودا. تختلفُ حيثيَّاتُ قصَّة كل رفات، لكنَّها قصص تؤكد أنَّ ثلاثتهم لم يكونوا فقط شخصيَّات قلقة، بل هم أيضاً شخصيات مثيرة للقلق في حياتها ومماتها. وإذا كان البحث عن رفات ثربانتس أو لوركا مستمرّاَ بدافع من الأسباب السياحيّة أو الثقافية، فإن رفات نيرودا (1904 – 1973) تثير تساؤلاتٍ جنائيةٍ بالأساس. ولرفات نيرودا رحلة مطولة في المكان، إذ لم تستقرّ في مكانٍ واحد منذ موت صاحبها. ففي عام 1973، دُفن الشاعر بجنازةٍ رمزيَّةٍ في المقبرة العامَّة في سانتياغو، ثمَّ نقل التابوت عام 1974، إلى الفسقيّة رقم 44 من الوحدة المكسيكيَّة، لكن عودة الديمقراطيَّة إلى تشيلي في العام 1992 أتاح نقل الرفات من جديد لقبرٍ مواجهٍ للبحر في مدفن بمتحف إيسلا نيغرا، المدينة الساحليَّة التي تبعد 120 كم جنوب غرب سانتياغو. في سنة 2011، أدلى سائق نيرودا السابق، مانويل أرايو، بشهادة لمجلَّة “إلبروسيسو” المكسيكيَّة، أكَّد فيها أنَّ عملاء الديكتاتور أوغستو بينوتشيه، قد سمَّموا نيرودا بحقنةٍ في المشفى الذي توفِّيَ به. وفي عام 2013، وإثر الدعوة التي أقامتها عائلة نيرودا، ووزارة الداخلية التشيلية، والحزب الشيوعي التشيلي، أمر القاضي ماريو كارُّوسو باستخراج الرفات لعمل الفحوصات اللازمة. بعد ذلك، تقرَّر إعادة الرفات مرَّةً أخرى في يناير 2015، لمدفن إيسلا نيغرا في يوم 8 أبريل/ نيسان القادم، لكنَّ القاضي أجَّل ميعاد إرجاعها ليوم 27 من ذات الشهر (أبريل/ نيسان 2015)، بعد أن قدَّمت عائلة نيرودا وبرنامج حقوق الإنسان التابع لوزارة الداخلية، معلومات جديدة، قد تُغيِّر مسار القضيَّة. تصرُّ عائلة صاحب نوبل للآداب 1971، أنَّه لم يمت بسبب سرطان البروستات – وهي الرواية الرسميّة – رغم إعلان الخبراء التشيليين والأجانب عدم وجود ما يُشير إلى قتله بالسُّمِّ. مع ذلك، يرى قانونيُّون أنَّ قرار القاضي كارَّوسو بترك عيِّنات من العظام محفوظة احتياطاً، بناءً على مشورة مجموعةٍ من الباحثين، يُشير إلى عدم إقفال القضيَّة تماماً. إذ من المُمكن أن تكشف الأبحاث احتمال أن يكون قد قُتِل بطريقةٍ أخرى، حتَّى أنّ الحكومة التشيليَّة ذاتها أصبحت طرفاً في القضيَّة باعتبار أن منظمة حقوق الإنسان قد طالبتها بالمساهمة في توضيح الحقائق التي قد تفضي لمعرفة المزيد من الجرائم ضدَّ الإنسانيَّة، فيما يرى آخرون أنَّ القرار بحدِّ ذاته يعني فشل القضيَّة. وأيّاً ما كانت النتائج التي توصّل لها المحققون أو تلك التي سيصلونها، فإنَّ مشهد نقل الرفات المتكرّر، ربَّما يصلحُ لكتابةٍ نشيدٍ جديد، يُسمع فيه صوت روح نيرودا تصدحُ بأغنيةٍ يائسة.
______
*العربي الجديد