( ثقافات )
عمّان-صدر عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان مجموعة “فصول” في القصة القصيرة جداً، للقاص المقيم في فلسطين حسين شاكر. و قد كانت بداياته في الكتابة أثناء اعتقاله في السجون الإسرائيلية، في العقد الثاني من عمره.
و مما تضمنت المجموعة: حروف، رؤى، تهويمات عشق، مقفعيّات، ألوان، شذرات.
ومن مناخات المجموعة:
انفصام
عاش حقبةً انفصل فيها عن نفسه، وصار للكثيرين فكرةٌ وأذرع، دقّت في رأسه أجراس العودة طبولاً، استجمع قواه، أُغلقت عليه الأبواب، اقتحم عقله من نافدة الذكريات، راح ماضياً..
انتهاك موت
قرّر أن يعيش الموت، أعلن عن وفاته وكتب لنفسه رثاءً، وقبل أن تبدأ مراسم التّشييع، تناثرت الأفكار برأسه عند تفجير.
شاهد وتكلم
أثار حيرة أصدقائه، واستفزّهم صمتَه المطبق على غير عادته، اعتقدوا أنه التزم ما يرغب به الآخرون (أن لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم)، تحققوا من الأمر، فتبين لهم أنهم قاموا بقصّ لسانه.
سمر
حتى السّاعات الأخيرة من الليل كان ما يزال في رحلة مع الذكريات، تجوّل في خواطر ذاته، أتعب قلبه الماضي، لم يرغب في نومٍ؛ خشيةً من حُلم يُفزعه في صباح! اختلج صدره، تحشرج، دمعَ قلبه، ولم تغادر عينيه..
انتهاك
توضّأ من تراب الوطن تيمماً، ولّى وجهه نحو القبلة الأولى، أوقفوه بتهمة الردّة وإزعاج الطّرف الآخر.
طبع
قرر الاستقامة، لم يجد في الطّريق مسلكه وقد اكتظّت، تعرّج، انعطف، تاه بأفكار غيرِه، احتقنَ رأسُه، عمّ الضباب، لم يرَ المنحدرَ، سقط دون إرادة، أعاد توازنه بكأس.
انقسام
بحث بين الأشلاء عن جزئه السّفلي، عثر على ما يمكّنه من الهرب، لاحقوه بتهمة السّرقة، عندما ألقوا القبض عليه، أعلنوا بأنه مُنحرفٌ، مات ودُفن في قبرين.
صيانة
كان سليط اللسان، أصمّ، لم يستمع إلى نصيحةِ جدته، ابتاع حصاناً، اشتكت عليه جمعيّة الرفق بالحيوان.
مراوغة
تسلّقَ على حبلٍ مِنْ وهنِ موقفِهم، سقطَ، أمسكوا بفكرةٍ في رأسِه، تبنّوها وصارتْ رأياً.
مغمضة
قرأتِ الزّمنَ في عيونِها على مرآةٍ، لم ترَ الحقيقةَ، تحسّستْه على تجاعيدِ الوجْه بيدِها، ازدادتْ حنقاً.
مغفّل
أزهقَ عدداً منَ النّساءِ ببطشِه وآمنَ بأسطورةٍ في قاعِ البحرِ، ركبَ على حافّة قاربٍ، لطمتْه موجةٌ، ابتلعَه فكّ، فتقيأهُ البحرُ فضلاتٍ.
إرادة
كانَ كسيحاً؛ وكان َيحِبُّ البرّيّة، احترفَ الرّسمَ، تنقّلَ بينَ السّهلِ وبينَ الجبلِ، جفّتْ ألوانُهُ في الصّحراءِ ماتَ ظَمأ.
وكتبت أميمة الحسن تقديماً للكتاب، فكان: “تناهى إلى سمعي رنين، وإلى فكري قلقٌ، واستودعت الأفكارُ في عقلي أنيناً..وبين صعود وهبوط، وبين مدّ وجزر، بين الوادي والجبل، رأيت ما يسرّ العين..وبين رفّة عين وخفقة قلب رأيتُ ما يثير الحنين، وفي ردهات العلم كان للنّهى حبور، إذ استُحضر التّاريخ إسقاطاً على واقع قزحي الألوان. هذا وأكثر، نجده في «فصول» حسين حلمي شاكر.
وكتب على الغلاف الخارجي الكاتب والصحفي جعفر العقيلي: “يبني حسين حلمي شاكر نصّه بتأنٍّ ووعي بالعناصر البنيوية التي تسم القصةَ القصيرة جداً وتميزها عن بقية الأجناس الأدبية؛ حيث التكثيف الدّالّ وغير المخلّ بالفكرة، ووحدة الحكاية في السرد، وطرح الفكرة في إطار من الجرأة، والتشويق المتأتي من التركيز على المفارقة، إذ يجد المتلقي نفسه دوماً أمام حالتين متقابلتين في النص: الحلم/ اليقظة، الصورة/ المرآة، المأمول/ الواقع..
نحن أمام تجربة ناضجة، ونصوص محبوكة تشي بتناغم داخلي كبير، ووحدة موضوعية وعضوية تحقّق الانسجام والتناسق بين أجزاء النصّ الذكيّ الذي يتجدد كلّما أُعيدت قراءته”.
و مجموعة”فصول” هي باكورة أعمال القاص حسين حلمي شاكر، الذي ولد في فلسطين ويقيم فيها حتى الآن، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في التنمية الاجتماعية. ويعمل مديراً لدائرة التفتيش في وزارة العمل الفلسطينية.