سيناريوهات الحقد


*سمر الشيشكلي

مع ارتفاع مد موجة شيطنة الإسلام أو (الإسلام فوبيا) الذي يلعب على وتره اليوم العديد من الجهات السياسية والفكرية في العالم، يرتفع معها نجم ظواهر إشكالية من الكتّاب والأدباء تثير القلق والجدل، وتعمل على إثارة المخاوف الباطنة للأمم والشعوب. ورغم أن هذا النوع من الكتابات موجود عبر عصور البشرية إلا أنه لم يكن يوماً مباركاً علناً، أو من النوع المحتفى به على مستوى عالمي ومن قبل أوساط متخصصة اختبرت مستويات راقية من الأدب والفكر لأجيال طويلة. من هذا المستنقع يلمع نجم ميشيل ويلبيك في سماء الأدب الروائي الفرنسي اليوم، فيبدو كنبت شائك. لكن في الواقع، فإن جل ما يقوم به الرجل هو ممارسة إرهابٍ فكري بأسلوب غرائزي تدعمه وسائل الإعلام مكتسحة رقماً قياسياً في الربح المالي. ظاهرة ميشيل ويلبيك وكتبه التي سجلت نجاحاً تجارياً لافتاً، يجب أن تقلق الفرنسيين والعالم، لا أن تثير اهتمامهم أو إعجابهم، لأنها تمثل انحطاط مستوى الأدب في فرنسا رغم كل ما عرفه عنه المطلعون والمتابعون لتراث ثقافي وإبداعي من أغنى وأثرى ما حظي به العالم. وعلى الرغم من أن كتب ميشيل ويلبيك صدمت المؤسسة الليبرالية في بلده، حتى إن بعض الأوساط الثقافية الفرنسية وصفته بأنه يشكل «فضيحة للفكر الغربي» الذي احتفى به، إلا أنها تلقى رواجاً كبيراً، حتى إنها ترجمت إلى معظم لغات العالم. ولابد أن هذا ما يحتاج إلى وقفة ودراسة من الإعلام الحر والأوساط الثقافية والفكرية وعلماء الاجتماع، لفهم أسبابه، لأن الأمر يوحي بدلالات مقلقة للغاية. ثقافة الجماهير بالطبع هناك من يتصدى لهذه الظواهر، ولكن على ما يبدو ليس بالشكل وبالقوة التي تحد من تأثيرها السيء على كل القيم التي صاغت عصر التنوير. فقد قال رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس للمراسلين الصحفيين يوماً: «فرنسا ليست عدم التسامح أو الكراهية أو الخوف، كما تروج لها روايات ويلبيك». وإن ما يقلق الأوساط الثقافية المستنيرة في الغرب هو تحوّل (الإسلام فوبيا) في فرنسا إلى ممارسة ثقافية عادية، تمرر في كتابات سطحية لا يعاقب عليها القانون مثلما يعاقب على «معاداة السامية»، التي جعلتها السلطة الفرنسية بمثابة قضية وطنية. وباسم الديمقراطية وحقوق الإنسان نفسها، يتم التعدي على معتقدات المسلمين. كتب مارك فاتزمان، مثلاً، (وهو كاتب فرنسي معروف) في جريدة «لوموند» ينعى هذه الظاهرة الأدبية الجديدة، ويسميها «ثقافة الجماهير» التي يمثلها هذا الأدب الجنسي وما وراءها من أفكار عبثية، ويقول إن عصرا جديدا من الأدب أخذ يحل محل القيم الفكرية والثقافية المستنيرة. ويتساءل إن كان هو ما يمثل قيم الطبقة الوسطى الجديدة التي لم تحرز ثقافة عالية، ما جعل من الروايات الجنسية والإباحية بضاعة رائجة. إن ظاهرة انتشار هذا الأدب الروائي الجنسي الإباحي، بهذا الشكل الواسع، وصعود كتّاب الجنس إلى قمة الشهرة الأدبية يضعان إشارات استفهام كبيرة حول مصير القيم في العالم كله، لا القيم الدينية أو الأخلاقية فحسب، بل القيم الفنية والأدبية والجمالية، أيضا. فضيحة أدبية روايات ويلبيك عبارة عن سلسلة من المشاهد والأحاديث الجنسية، بكل تفاصيلها حتى الشاذة والقذرة منها. في الواقع هناك ثلاثة مواضيع أساسية يحكي بها هذا الرجل بقوة، غير مهاجمة الأديان وخاصة الدين الإسلامي، وهي الطفولة المشوهة، الجنس، والكحول. فهو يرى في السياحة الجنسية للعالم الأول حل للأمراض الاقتصادية في العالم الثالث. هذا الرأي الكوني الفذ أثار مع غيره من آراء هذا الكاتب فضيحة أدبية أخرى، غير فضيحة معاداته للأديان وبخاصة الإسلام. وبينما تشكل تجارة الجنس في بعض البلاد الآسيوية، قضية إنسانية وأخلاقية خطيرة، يرى ويلبيك أنه لا تهمه الناحية الأخلاقية أو الإنسانية، بل ذهب ليشاهد ويصف ويكتب.. فقط، فالأخلاق، «لا علاقة لها بالجنس»، كما يقول. وسبق وأن أثار خلافاً كبيراً عندما قال في روايته «الجزئيات» إن الحركة الطلابية عام 1968 أخرجت قتلة متسلسلين في التسعينيات من القرن الماضي. ويتجلَّى عداء ويلبيك للإنسانية في الدفاع عن العنصرية، وهو لا يكتفي بالتنظير للعنصرية، بل يُسقِطها على سلوك شخصياته، التي لا تتورع إحداها عن تحقير الشعب الصيني والسخرية منه ثم وصفه بالخنازير القذرة، على سبيل المثال. ومن الواضح أنه يتماهى مع الشخصية الأساسية في كتبه دائما، حتى إنه يسميها على اسمه «ميشيل». ويلبيك لم يتوان عن محاولة إثارة النعرات، ففي إحدى رواياته يفاضل بين انتماء المصري إلى الحضارة الفرعونية العريقة، وبين انتمائه إلى العروبة التي لم تجلب له، كما يدَّعي، سوى البؤس والفقر. ويستخدم تقنية ركيكة في تحقيق هذا الهدف بشهادة النقاد المختصين. حتى إنه لا يوفر كذلك العداء للأيديولوجيا الماركسية (حتى بعد سقوطها). من هذا وغيره نستنتج أن ويلبيك يُعبر في كتاباته عن عداء لكل البشرية، وللإنسان تحديداً، فهو يقزمه ويجرده من إنسانيته. حتى إنه قدم الأكاديمي المثقف الغربي على أنه يعيش بين العلاقات الجنسية العشوائية والوجبات السريعة الجاهزة. وعندما يتناول الحب في العالم الشرقي يتناوله بعنصرية قوية على أنه جنس وتجارة وضيعة تنعش الاقتصاد الغربي، واستثمار جيد له، بينما يفترض أن الحب في عالمه الغربي هو عاطفة أصيلة، وحدث حقيقي. وعي سقيم للوجود الإنساني وذات قلقة. وبلغتْ به الجهالة وغلاظة القلب وعمى البصيرة أن يجاهر بفرحه عندما يُقتَل طفل فلسطيني أو امرأة حامل في غزة، لأن ذلك يعني بالنسبة إليه «نقص مسلم آخر في عدد المسلمين في العالم». جهل أم أجندة؟ هجوم ميشيل ويلبيك العدائي على الإسلام والمسلمين، وهو صادر عن جاهل بالإسلام، ملحد بكل الأديان، قد يكون بهدف الشهرة والمال، أو قد يكون وراءه أجندات سياسية لتحريض الرأي العام الغربي ضد الإسلام والمسلمين. لكن المؤسف بالأمر أن تكرس له بعض المجلات الأدبية والصحف صفحات بعد الصفحات لنشر آرائه، وهو الذي اقتصرت حياته وتجربته الفكرية «على مشاهدة العلاقات الجنسية ووصفها وتحليلها». يقول أحد النقاد: إنها وقاحة وليس جرأة، إطلاقه لتكهنات مسبقة في تفجر المجتمع الأوروبي، مستشهدا بقوله: «أتوقع في السنوات القادمة ازديادا في أعمال العنف العرقية في أوروبا. كلُّ شيء سينتهي بسلاح الكلاشنيكوف». لغة ويلبيك البذيئة يستخدمها حتى في وصف رئيس جمهورية فرنسا أو وزير ثقافتها السابق – وهو مثقف كبير ومفكر إنساني – لأنه لم يستطع إخفاء غله بسبب اعتمادهما سياسة إيجابية تجاه الأجانب الفرنسيين من أصل جزائري. أما في آخر رواية له «الخضوع» فقد وصل ويلبيك إلى مستوى خطير في إهانة الدين الإسلامي، وابتكر سيناريو «خرافي»؛ تخيّل فيه حال فرنسا عام 2022، وقد أصبحت تحت سلطة حكومة إسلامية. قال عنها بعض النقاد إنها تتضمن فكرا يتناقض مع قوانين حقوق الإنسان، وأنه ينتمي إلى الكتب الساقطة في المعنى الأخلاقي التقليدي، لأنه يعتمد بشكل مبالَغ فيه على استغلال الجنس والإباحية والشذوذ بكلِّ أشكاله. وهو إرهاب فكري ينبغي ألا يُتغاضى عن مخاطره، كونه يستغل مناخ الحرية والديمقراطية ليشكِّل خطرًا على الديمقراطية نفسها. فهو يُلغي الجوهر الذي تقوم عليه، احترام الحق في الاختلاف، والحفاظ على كرامة الإنسان، لأيِّ جنس أو عرق أو عقيدة انتمى. إن ألقيت نظرة على رواياته الست جميعا، بما فيها الأخيرة «الخضوع»، ستلاحظ أن السمة التي تميّزها هي النبرة الوقحة، والحوارات التي يطغى عليها الاستفزاز والبذاءة. وهو كاتب ساقط فنيًّا لأنه لا يضيف شيئًا جديدًا على الكتابة الروائية الإبداعية. لايتورع عن السرقة الأدبية بصفاقة، حتى أنه متهم بتقليد شخصيات روايات لروائين عظام قبله مثل جورج أورويل. ويلبيك، مسكونٌ بهلوسات دائمة (وهو في حالة سكر معظم الوقت) وأحد أهمّها؛ الإسلام. وتتكرّر أعراض هذه الهلوسات في أكثر من رواية. حيث يفصح أبطال ويلبيك من دون مواربة عن عدائهم الصريح للإسلام باعتباره «أسوأ الديانات التوحيدية»، وأن المسلمين «أغبياء». تعود نظرة ويلبيك العدائية للإسلام والمسلمين إلى ضيق أفق ثقافته وجهله بهذا الدين، ما جعله يجمل كل التغييرات التي تحدث في ظل حكم إسلامي مثل السماح بتعدد الزوجات، الزواج المبكر، تخلي المرأة عن العمل خارج البيت وتفرغها لأسرتها والاعتناء بزوجها (الأمر الذي قد يساعد على خفض البطالة في فرنسا)، الحجاب، وغيرها.. في إطار مشروع جيو – سياسي لدمج المجتمع الفرنسي مع مجتمعات شمال أفريقيا الإسلامية. هجوم مضاد في صحيفة «النيويوركر» بتاريخ 26 كانون الثاني 2015 كتب آدم كوبنيك مقالاً بعنوان «التالي – الهجاء الفرانكوفوني لميشيل ويلبيك» ذكر فيه أن رواية «الخضوع» ليست معادية للإسلام فحسب، بل لفرنسا. في الحقيقة، فرنسا هي المقصودة بهذا الهجاء والاحتقار. وقد تحول ميشيل ويلبيك إلى «حالة» أدبية تستحق التوبيخ أكثر مما تستحق القراءة». وقال صحفي آخر في صحيفة «الغارديان» في شهر كانون الثاني 2015 في مقال بعنوان «ميشيل ويلبيك يحرج فرنسا»: «إن الهدف الحقيقي لهجاء وسخرية ويلبيك في روايته «الخضوع» كما في كل رواياته السابقة هو التعبير عن رؤيته في رجل البيئة الحضرية الغربية الحديثة الفاسد المتلاعب الشهواني، سواء أكان المثقف أم غير المثقف». وفي صحيفة «الإيكونوميست» في كانون الثاني 2015 مقال بعنوان «الكتاب الذي به بدأ كل هذا» جاء: «ليس هناك روائي فرنسي قادر على إثارة المشاكل مثل ميشيل ويلبيك، وهو متهم بالتسبب بإثارة العنف العنصري، وتجعله كتاباته يواجه السخط والاستياء الكبير في بلده وخارجه». وقال كيم ويسلر الصحفي الباريسي في «الغارديان»: «أطلق ميشيل ويلبيك شرارة غضب في الأوساط الفكرية والأدبية الفرنسية عندما تنبأ بأن فرنسا ستحكم من قبل رئيس مسلم، فهو بهذا يلغي المجتمع بأكمله ويقلبه رأساً على عقب». وقال عنه لوران غوفرن، الصحفي في صحيفة فرنسية يسارية، بأنه من مثيري الذعر لليمين المتطرف. وقال علي بادو، مقدم برامج تلفزيونية إن روايات ويلبيك تثير الغثيان لشدة عدائيتها العنصرية. وكتب عنه إيمانويل كارير، وهو روائي فرنسي رائد، في «اللوموند» يقارنه بجورج أورويل في روايته «1984»، ويقول إن رؤية ميشيل ولبيك ترتكز على انهيار التنوير، وأنه يركز بإصرار على مخاوف فرنسا الباطنية، وأضاف أنه «رجل يقرأ العالم مثل مراهق جاهل مغلف برؤاه العدوانية يرمي بحجارته على كل ما هو جميل في الإنسانية، مستغلاً الحرية الديمقراطية التي يحميها الغرب وقوانينه، وقد راجت كتاباته في عصر لا أحد يعرف الكثير عن معظم الأمور وهم غير مهتمين بأن يعرفوا». ويقول عنه الصحفي جيمس بوتشان إنه بنى القصة بطريقة سخيفة عبر واقعية مغرقة تفسد الرؤية الصحيحة، وأن ويلبيك روائي مشتت معوق غير قادر على مخاطبة القارئ إلا عبر توظيفه سلسلة من الأساليب الأدبية الجاهزة: عروض الألعاب التلفزيونية، كتيبات العطلات، صحافة التسلية والصحافة التجارية، وكذلك الاستعراض التائه، الخالي من أي هدف، لروايات كتبها غيره مثل أجاثا كريستي. وقال أحد النقاد عنه إنه «مثل شخص تلتقيه عند تقاطع طرق، مليء بالمتناقضات، لا يعرف كيف يستقر على وجهة يتجه إليها، ولكنه مستمتع بهذيانه وبحالة التيه هذه وفي نفس الوقت سيستمتع أكثر في تضليلك وتوجيهك إلى الضياع». اعتذار واه بالطبع واجه بعض المسلمين الأمر في فرنسا ورفعوا ضده دعوى قانونية لأنه «يهين أمة بسبب معتقدها، وكأنه متواطئ لإثارة الكراهية العنصرية». اعتذر ويلبيك وقتها وقال إن كل الأديان مبنية على نصوص من الكراهية وعدم التسامح. وقد صرح بهذا في مقابلات عديدة، يقول فيها مثلاً: «إنني في صف اليهودية، دعنا نواجه الحقيقة، على الأقل الكتاب اليهودي المقدس يحوي على قيمة أدبية كبيرة، وهو أكثر تسامحاً»!. وهو لا ينكر أن كرهه ليس فقط للإسلام بل لكل الديانات السماوية الأخرى، وقد قال إنه يشعر بالرفض الكلي لها، حتى إنه قال لصحفي فرنسي في مقابلة معه أنه يجد صورة المسيح «بشعة»! وويلبيك لا ينكر أبداً التهم الموجهة إليه، ففي مقابلة نشرتها وسائل إعلام أميركية وألمانية وفرنسية أقر ميشال ويلبيك بأنه يلعب على وتر «الخوف»، لكنه نفى أي «استفزاز» موجه ضد الإسلام، مؤكداً فقط أن كتابه بمثابة «تسريع للتاريخ». وقال «إنني أختزل تطوراً هو بنظري محتمل». وكانت قد وجّهت إليه أيضاً تهمة السرقة الأدبيّة، بسبب سطوه على مقاطع من «ويكيبيديا»، لكن ذلك لم يمنع حصول الرواية على أرقام مبيعات هائلة. واللافت للنظر هو أن روايته فازت بجائزة (بريكس كونكورد) أعلى جائزة أدبية في فرنسا، وكانت روايته «الخضوع» هي السادسة في سلسلة أعماله. وقد يكون ذلك هو ما جعل وزيرة الثقافة الفرنسية فلور بيلرن تقول عنه إنه روائي مليء بحس الفكاهة، وأن كتبه تترجم لأكثر لغات العالم، أكثر من كل الروائيين الفرنسيين وهو المصنف بالعنصري المعادي للأجانب، الخبيث إعلامياً. الأمر الذي ينبغي أن يضع كل التقييمات النقدية الأدبية الحديثة موضع تساؤل. محكمة وهذيان وعندما يوجه الإعلام بعض الأسئلة لميشيل ولبيك حول الهدف أو الغاية التي يسعى إليها في كتاباته، تأتي أجوبته غامضة، مائعة، وتقتصر على بضع كلمات متقطعة وهمهمات وهزات رأس وحركات يدين، دالة على أن صاحبها ليس في كامل صحته أو وعيه، أو أنه يجسد نموذجا حيا للانحطاط والضياع والعبثية التي يتباهى بها بعض رجال الفكر والأدب والفن الغربي. أين هو من القمم الأدبية والفكرية مثل فيكتور هوغو وبلزاك وساتندال وأناتول فرنس ومالرو وكامو، وكل من كانوا في صدارة الأدب الفرنسي؟ ولماذا، وبأي منطق، يحتفى إعلامياً بهذا النوع من الكتاب المتخصصين في روايات الجنس؟ وعندما عرض ميشيل ويلبك على محكمة بسبب إجاباته المستفزة للمسلمين في لقاء صحفي، عدّل ما قاله وادعى أنه كان يقصد شيئا آخر، وأنه لايقصد العرب والمسلمين تحديدا، حتى إن العربي اليوم – برأيه – لا يعني المسلم، فقد توقف عن ممارسة إسلامه من وقت طويل، وهو في الغرب لا يكاد يرفض كأس خمر تقدم له. وفي برنامج وثائقي عنه كان ويلبيك بالكاد حاضراً، وصار يهذي بعدائه للإسلام، حتى إن بعض الصحف المغربية وضعت صورته في اليوم التالي على صفحاتها معلنة لقرائها «هذا الرجل يكرهك». إن طريقة تفكيره الدموية تروق له فقد قال: لم أتعمد أن أكون إشكالياً مثيراً للغضب ولكن عندما أدركت أن ما أقوله هو إشكالي لم أغيره معانداً كل من يهاجمني. سيرة مضطربة انزلق ويلبيك إلى عالم الأدب في بداية التسعينيات بالصدفة، ثم صار من الأعضاء المؤسسين لمجلة أدبية مع باقة من المثقفين اليساريين معتقدين أنه يشاطرهم افتراضاتهم الليبرالية، ولكن بعد كتابه الأول بدوا مصدومين من تقديمه للمجتمع الليبرالي على أنه غارق في الجنس والإباحية، فقاموا بإقصائه، مما جعله يعاديهم بل ويفحش في عدائه، وقد بشر بانهيارهم وتمناه دون أن يسعى للمصالحة معهم أبداً، فهو الشخص الذي لا يعرف معنى التسامح ولا يستطيع ممارسته. وفي مقابلة صحفية قال إن اسمه الحقيقي هو ميشيل توماس، وهو بعمر السابعة والخمسين، ولما سئل عن نشأته وأهله وأمه تحديدا، قال إنه لا يذكر جيداً. وإنه ولد في مستعمرة فرنسية على الشاطئ الشرقي لأفريقيا، والداه مطلقان، له أخت نصف شقيقة في مكان ما ولكنه لم يرها، هجرت أمه البيت عندما كان بعمر 12 سنة، لتعيش حياة الهيبيين، ولم يرها منذ ذلك الوقت. وبالكاد يرى والده مرة كل خمس سنوات. ربته جدته. تزوج وله ولد واحد لا يراه كثيرا، وهو الآن بعمر العشرين. وعندما سئل بأنه الآن وبعد أن صار غنياً مشهوراً هل حاول أبواه، أمه تحديداً، أن تظهر بالمشهد بعد غياب أكثر من أربعين عاماً محاولة أن تنعم بثراء ابنها ونجاحه، أجاب أن والديه الاثنين حاولا في الواقع، وأنهما أرسلا له رسائل لم يقرأها أبداً، وقال إنهما تأخرا كثيراً. ولكنه مع ذلك يعيد نفس السوء الذي نشأ عليه مع ابنه، فهو يكرر دورهما وربما كان هو برأيه أسوأ منهما، وعندما سئل إن كان يحب ابنه أجاب بأنه يفترض ذلك، وأجاب عن سؤال فيما اذا كان ابنه يحبه بأنه من المحتمل أنه يحبه. ويلبيك تزوج زواجا آخر، وعندما سئل إن كان يحب أن يرزق بطفل من هذا الزواج أجاب بأنه يفضل أن يقتني كلباً لأنه أسهل عليه من تربية طفل.

________
*الاتحاد

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *