مناديل ُ القصيدة !


*ماجد شاهين

( ثقافات )

( 1 ) تركوا مناديلهم واكتفوا بالرائحة ْ !
الذين مرّوا على دفاتري 
قرأوا سيرة الفاكهة 
أخذوا خيطين من قميص الكلام 
فارتُبِكت أزرار القصيدة !
الذين مرّوا على دفاتري 
قرأوا نُعاس الفتى 
أخذوا ” خُصلة ً ” من عنب ِ النافذة 
فارتُبِكت ركوة البن ّ قليلا ً 
لكنها لم تندلق ْ !
الذين مرّوا على دفاتري 
لمحوا اسما ً يلتمع في الصفحة التاسعة 
ولدا ً يرمح ُ في المدى 
و خابية ً لم ينشف ريقها 
و فاحت منها للزيت رائحة ْ !
الذين مرّوا على دفاتري 
رأوا امرأة من نساء التراب 
تقطف البامياء 
و تداعب ضرع الماعز 
و تنادي في الأولاد ، أن ْ :
تعالوا إلى ” لقمة ٍ ” من خبز البلاد 
و رائحة ٍ من نباتها !
الذين مرّوا على دفاتري 
قرأوا كلاما ً مُشتهى ً 
عن أسمائنا التي في الشبابيك
عن نساء لم يغادرن المصاطب 
رغم أوجاع الغياب ،
عن ولد ٍ تعثّر َ في الطريق إلى الجبل 
فسال َ دم ٌ قليل ٌ 
دم ٌ كان يكفي لكي تعمر البلاد بالشجر !
الذين مرّوا على دفاتري 
تركوا برقوقة ً 
قرنفُلة ً 
رغيفين و إبريق وضوء ٍ و عناوينهم !
الذين مرّوا على دفاتري 
قرأوا القصائد كلّها 
و المواويل َ
تركوا عندي مناديلهم 
واكتفوا منّي بالرائحة ْ !
( 2 ) اقرؤوا في الناس القصيدة !
في المعركة ِ الأخيرة ِ ،
أرسلت ُ ناقلة ً محمّلة ً بالعاشقين َ 
و دفاتر َشعر ٍ 
و أوراقا ً من سيرتي 
و كتابا ً عن المدينة 
و أرسلت ُ رواة ً يتقنون القراءة َ 
يتقنون الإنصات َ إلى وجدان ِ التراب ِ 
و أوصيتُهم جميعا ً :
أن لا تحرقوا قصائد َ الشعراء 
أن لا تُغرقوا حكايات النساء
أن لا تقطعوا أغصان قصّة قصيرة 
و أوصيتهم جميعا ً :
أن ْ اقرؤوا في الناس هناك 
من دفتر الشعر 
ستين قصيدة ً 
و من دفتر القصص 
رواية ً عن امرأة ٍ
لا زالت في انتظار ابنها 
الذي راح ضحيّة ً للحرب 
راح ضحيّة ً لالتباس ٍ في تفسير المرحبا 
أو ربّما قضى 
لأنه دعا إلى قراءة معاصرة ٍ للنص ّ ! 
في المعركة الأخيرة :
لم يخرج الطرفان بخسائر َ فادحة ٍ ،
اكتفيا بتبادل ِ القصائد ِ
و تبادل ِ صفحات ٍ من روايات التراب ِ
و اتفقا في قيلولة ٍ
هناك عند بطن الوادي 
أو عند سفح الجبل ،
اتفقا أن تكون المنازلة المقبلة 
في ساحة ٍ قريبة ٍ من المدينتين 
في منتصف النهار ،
و اتفقا أن تقرأ النساء ُ 
صفحات من سيرة الحُب ّ 
و أن يصدح المغنّون بــ ِ القصيدة المنتصرة .
( 3 ) العرّافة ! 
العرّافة ، 
التي كانت تقرأ الكف ّ 
و تكشف ما تحمله قيعان الفناجين ،
العرّافة التي قالت لي عن فنجاني 
ما كانت قالته قبل سنة ٍ
لعابر ٍ تاه في الدرب ،
و العرّافة التي أغمضت عينيها 
فــ َ رأت في السهو ِ سطرين عن الهوى 
و رأت ْ وردتين هناك 
و وردة ً فقدت روحها هنا ،
والعرّافة التي لم تأكل لقمة من رغيفنا 
و اكتفت بـــ ِ رشفة من حساء الفقير ِ 
و اكتفت بيديه 
لتقرأ صورة ً كانت تراها 
أو سيرة كانت ترى أن ّ الفقير يراها 
أو تقرأ ما كانت تحبّ أن تراه ،
العرّافة بعدما قرأت فناجين البلاد كلّها 
و حين فقدت ريقها و بنت لسانها :
لم تجد من يقرأ لها سطراً في كتاب الروح ِ 
لم تجد من يحمل لها فنجانها !

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *